كان يمكن ان يكون رائعا

"طيب لما المخرج عارف يعمل شغل حلو ، والممثلين ممتازين ، وفيه امكانيات في التصوير والاخراج وجودة الصورة وكل عناصر العمل ، وهناك رؤية وهناك خفة روح ... طيب لما عندك كل ده ، ليه تصمم تعمل فيلم معقد في حين كان يمكن ان يكون من افضل الافلام المصرية"

هذا ما فكرت فيه وانا احاول ان اتابع النصف الثاني من الفيلم دون أن أفهم شيء ، استمتع بلقطات واجزاء رائعة من الفيلم ومعاني جميلة متناثرة لكن في النهاية لا التقط خيطا واحدا واشعر بافساد قصة جميلة وامكانيات هائلة وهذا الافساد من أجل لا شيء، مجرد عادة مصرية.

الفيلم كان يمكن له أن يأخذ خطا واضحا ومسليا للغاية وهو ان الرجل المتشدد بعد موته اصبح شبحا ففوجئ بالاحداث وكيف انه كان مخطئا في كل شيء ... ورغم ان هذه الفكرة قريبة من افلام كثيرة اقدمها الفيلم المصري "بابا أمين" ليوسف شاهين انتاج سنة 1950 تقريبا .. لكن كان يمكن ان يختلف التناول ويصبح لدينا فيلما رائعا ، فقد كان بالفعل ممتعا جدا عندما وجد حسن حسني وبدأ يشاهد ما يفعله الجميع من حوله ، تمنيت لو استمر الفيلم على هذا المنوال ... لكن تبين انه كان في غيبوبة فلم اعد اعرف هل غاب عن الوعي فانتقل الى حالة "خروج من الجسد" اي ان روحه خرجت قليلا وشاهدت ما يحدث ثم عادت وردت الى الجسد ثانية كما قرأنا كثيرا من قبل؟ أم انه كان يتخيل كل هذه الامور .... ثم توالت احداث الفيلم سخيفة ومربكة فكلما استقرت الاحداث على فكرة واحدة "مثلا ان هذه تخيلات بسبب انه مريض بالشك" عادت الاحداث تنبئ بأن هذا كان حقيقيا وانه يرى ويعرف اشياء لم يكن ليعرفها وهو نائم! ... وهكذا توالت الاحداث تتقلب بين فكرة واخرى حتى ضاق بها المشاهد وبدأ يفقد حماسه لاكمال متابعة احداث الفيلم ... الى ان وصلت الاحداث الى حالة من العتة الكامل عندما تبين انه رغم كل قسوته وشدته يحبه المحيطون به حبا جنونيا لا مبرر له .. الى مشهد اخراجه من المستشفى وهم يلبسون ملابس الاطباء (موظفي الشركة!) وهو مشهد مستحيل عن رجل كان سيتم نزع اجهزة التنفس منه لكون حالته ميئوسا منها .. أي لا يمكن ان يتحمل احد مسئولي تحريكة او حتى الاقتراب منه والا لربما تم اتهامه بالتسبب في موته . احداث مستحيلة ، وحب غير منطقي من المحيطين به .. وقصة في النهاية لا تعرف اين الحقيقة فيها من الخيال؟!

اما عن تقييم عناصر العمل الرئيسية فهو كالتالي:

الاخراج: لولا ضياع الفكرة وتشويشها لقلت انه اخراجا رائعا ، فهذا المخرج يستطيع ان يكون رائعا لكن فقط ان اراد هذا وابتعد عن المبالغة في الشطحات الفنية غير الجميلة ولا المفيدة.

التمثيل: احمد حلمي في مستواه المعتاد، خاصة ان الورق لم يعطه فرصة اكثر مما قام به .. غادة عادل جميلة وأنيقة كالعادة وقامت بدورها باحتراف .. باقي الممثلين اجادوا تقديم ادوارهم لكن ادوارد وآيتن عامر وخالد ابو النجا كانت ادوارهم قصيرة جدا مقارنة باسمائهم وادوارهم السابقة التى تراوحت بين البطولة (خالد ابو النجا) والدور الثاني (ادوارد وايتن) .. تقريبا لا اذكر دور ايتن عامر لقصره البالغ، فقط تقف بين الموظفين تتلقي التعليمات عبر الجهاز!

التصوير وباقي عناصر الفيلم : كلها ممتازة وتحقق - فيما اعتقد كمشاهد – أعلى مستوى ممكن في اليسنما المصرية المحلية.

كان يمكن لهذا الفيلم ان يكون تحفة نادرة ، فيلم كوميدي من الدرجة الاولى وله معني عميق ايضا ... لكن يبدو ان صانعوه اما انهم اثروا التعقيد حتى يجودوا فبالغوا فخرج الامر من بين ايديهم، أو انهم ببساطة استخسروا ان يخرج عنهم فيلما عظيما فقرروا افساده بانفسهم.

في كلمة واحدة: يا خسارة