السقوط بحثا عن ارضاء جميع الأطراف

  • مقال
  • 09:23 مساءً - 8 مايو 2010
  • 1 صورة



لقطة من الفيلم

"الجدة هانم ما زالت تمشي، تبحث عن بيت ابنتها نرجس ناحية يدها الشمال،وشباكها الأخضر المفتوح. تدور مع الأزقة، وتغيب في الحارات، تفتش في وجوهالناس، تلج البيوت المفتوحة وتغادرها. وتدخل الدكاكين على أصحابها، تتفرج،وتلمس فترينات العرض الزجاجية بأصابعها الدقيقة الجافة، وتضحك في عبها.
وتدارى اخضرار وجهها الغريب في طرحتها الحريرية السوداء.
إذاداهمها الليل تحتمي بالماء. تنام جالسة بجرمها الصغير تحت شجيرات الخروعبأوراقها العريضة المائلة على حافلة النهر الساكن، تغفو، وتقوم علىارتجافه الفجر الفضي عبر الكوبري الحديدي القاتم. تبلل وجهها وتمضغ قبضةمن الأعشاب الرطبة وتحبو. تطلع أعلى الشاطئ المنحدر، وتقف هناك تحتالكافورة الكبيرة العالية.
الجدة هانم تنظف ثوبها من قش المكان.
وترهفأذنيها صوب موكب عربات الكارو القادمة من سكة القناطر وهي تقترب، محملةبالخضر الطازجة. تتابع خبب الخيل التي يقودها الرجال النائمون في ضبابالصباح. تسمع رنين الأجراس النحيلة وعي تتأرجح, تشيعها وهي تخبو وتغيب،واحدة تلو الأخرى عند انحناءة النهر. وتنادى، على أحداً يسمعها: "مش رايحالبلد يا بني؟""
هذا جزء من رائعة ابراهيم اصلان " عصافير النيل " التىصدرت عام 1999 فى توصيف رائع للمهمشين الذين دأب اصلان على تصوير عالمهموالخوض فيه حتى صار متحدثا رسميا عنهم , تلك الرواية التى استمتعت جدابقرائتها فى بداية القرن الجديد واصابنى الاحباط وانا اشاهد الفيلمالمنقول عنها هذا العام .
اثبتت التجربة دائما أن الافلام المنقولة عنروايات تفقد كثيرا من بريق الرواية ولدينا فى الراحل العظيم نجيب محفوظوافلامه اكبر دليل على هذا حتى تلك التى كتب لها السيناريو بنفسه , هذالان الرواية تترك لخيال القارىء العنان فيشكل عالمها بنفسه كيفما يحب اماالفيلم فيقيده و يحد خياله قيسقط عنه رداء الخيال وبريقه , وان افلتت بعضالروايات من هذه النظرية لتؤكدها لا لتنفيها – مثل عمارة يعقوبيان مثلا –ولكن لنتغاضى عن تلك النقطة ونتعامل مع عصافير النيل على انه فيلم بغضالنظر عن الرواية .
حدوتة الفيلم غنية جدا ومليئة بالضحك الذى يسكنحنايا الحزن فمن صيد العصافير عن طريق ماء النيل الى هجرة الفلاحين للارضالزراعية للتمرغ فى تراب الميرى الى تحايل الفقير على ظروفه بكل شكل ممكنللحياة ومواصلة الطريق الى وضع الشباب و هذا التمرد الذى سكن نفوسالمهمشين فطاردتهم الحكومة .
ذلك السيناريو الذى كتبه مجدى احمد علىاسقط و عن عمد الكثير من تلك الاحداث رغم انه نجح فى لمحات قليلة فى توصيلاحاسيس عميقة – مثل انخفاض مستوى البيوت مع الزمن مما اوحى بانخفاض حتىمستوى سكان تلك البيوت وزيادة بؤسهم – ولكنه اغفل فى اوقات اخرى قضاياتستحق استعراضها انحناء لمفهوم السينما التجارية .
اما عن الاخراج فلميكن مجدى فى احسن حالاته – مثل فيلم يادنيا يا غرامى – ولم يكن فىاسوء حالاته ايضا - مثل فيلم ضحك و لعب و جد وحب – يعاب عليه فقط بعضالكادرات المبالغ فيها و اللقطات المقصود بها عمقا غير موجود ولكنه اجادفى مصاحبة عشوائيات المهمشين فلم تنفر العين من اى مشهد فى الفيلم
وانيعاب عليه كصاحب للعمل فى النهاية حشر كل هذه المشاهد الجنسية فى الاعلانالتجارى الذى اعطى الناس و بعض النقاد صورة خاطئة تماما عن الفيلم .
الحوارللرائع ابراهيم اصلان هذا المتمكن من عالمه هذا الاديب الكبير الذى اعطىالحوار بريقا عوض بعض ما فقده السيناريو و ان لم يتمكن من الوصول لمستوىالرواية
مدير التصوير رمسيس مرزوق رائعا كعادته , تحية خاصة لطاقمالمكياج المبدع خاصة الفنانة دلال عبدالعزيز , راجح داود تقليدى فىموسيقاه على غير العادة , المونتير احمد داود متميز فى حدود المتاح.
اماعن نجوم العمل , فحتى الان لم اعرف حيثيات منح جائزة احسن ممثل فى مهرجانالقاهرة السينمائى ل فتحى عبد الوهاب عن هذا الدور و هو اقل بكثير جدا منادوار سابقة له – الا اذا كانت الجائزة عن اثبات فحولته الجنسية التىابرزها مجدى احمد على بفخر –
وان يبقى فتحى فى اقل حياته – بعيدا عن التشنج احيانا – احد افضل ممثلى جيله

عبيرصبرى دور صغير ذو تأثير افضل من كل ادوارها السابقة منذ العودة وان كانالهجوم الغير منطقى الذى تعرضت له اجبرنى على التعاطف معها .
دلال عبدالعزيزفى احد اروع ادوارها على الاطلاق , سلاسة وبساطة و روعة فى الاداءصاحبه فيه محمود الجندى على نفس المستوى بشكواه المستمرة لكل مسئولىالدولة .
احمد مجدى موهبة تستحق ان تغادر عباءة الوالد فورا خوفا من الاحتراق , منى حسين دور جديد عليها وخروج موفق من عباءة الدور المكرر .
يتبقى فى النهاية سؤال تصعب الاجابة عليه فى هذا الفيلم , وهو لماذ نصنع فيلم سينما ؟
للمتعة او لطرح قضية او .. الخ الخ
فشلالفيلم فى الاجابة عن السؤال وبقى رغم بعض مفرداته القوية فى النهايةفيلما مملا غادر جمهوره قاعات العرض قبل ان ينتهى , لانه بكل عناصرهالثرية وتفاصيله الممتعة تم خلطها بمشاهد جنسية فجة تم اقحامها اقحاما فىالسيناريو فاقدت تلك التفاصيل حميميتها ومتعتها و بحثا عن جمهور يحبالسينما و اخر يلبى طلبات غرائزه, تاه الفيلم وسقط فى دوامة الارضاء



تعليقات