أحمد زكى.. الأسطورة التى صنعتها المحن

  • مقال
  • 03:33 مساءً - 18 نوفمبر 2013
  • 1 صورة



أحمد زكي

فى مثل هذا اليوم منذ أربعة وستين عامًا شقت صرخات فتى أسمر اللون سماء الزقازيق معلنة عن قدوم طفل صغير صار فى يوم من الأيام أمبراطور السينما المصرية، وتغيرت على يديه مقاييس النجومية.. ذلك الفتى هو أحمد زكى الذى كانت حياته مزيجاً من الألم والمعاناة غلفهما الإبداع، بدأت منذ لحظة ميلاده ولازمته خلال فترة طفولة توصف بالقاسية، ولم تتركه يهنأ بحياة سعيدة مع زوجته وابنه الوحيد هيثم بل كان الفشل هو بطل حياته الزوجية أيضًا، وإذا تذكرنا معًا آخر أيامه سنتذكر معها أيضًا معاناته الشديدة مع المرض الذى أنهى حياته منذ ثمانية أعوام، ليرحل النجم الأسمر بجسده عن عمر يناهز 55 عامًا، ويبقى حاضرًا فى وجدان عشاقه ومحبيه.. فى السطور التالية نحتفل بذكرى ميلاد فنان لن يتكرر...

معاناة منذ الطفولة
يقال أن الإبداع يولد من رحم المعاناة.. ربما تنطبق هذه المقولة بشكل كبير على الفنان أحمد زكى، حيث عانى من مرارة اليتم منذ طفولته، بسبب وفاة والده وهو لايزال جنينا، ثم زواج والدته سريعا من شخص أخر، ليعيش مع جدته لأمه وحيدا، ويُحرم من حنان الأم على الرغم من وجودها على قيد الحياة، وبعد وفاة جدته لأمه انتقل من منازل خالاته إلى منازل عماته، يعانى من الإهمال والحنان والدفء الأسرى، يكتم جرحه وفرحه، لأنه لم يجد من يداوى أحزانه أو يفرح لأجله، وفى حوار قديم له تحدث أحمد زكى عن مرحلة طفولته بمرارة شديدة قائلا "كبرت فى بيوت العائلة بلا أب ولا إخوة، ورأيت أمى للمرة الأولى وأنا فى السابعة، ذات يوم جاءت إلى البيت حزينة، ورأيتها تنظر إلى بعينين حزينتين، ثم قبلتنى دون أن تتكلم ورحلت، شعرت باحتواء غريب، ومازالت هذه النظرة تصاحبنى حتى الآن.. فى السابعة من عمرى أدركت أننى لا أعرف كلمة أم ولا أب.. وإلى اليوم عندما تمر فى حوار مسلسل أو فيلم كلمة بابا أو ماما أشعر بحرج ويستعصى على نطق الكلمة".

بعد انتهائه من المرحلة الإعدادية، التحق بمدرسة الزقازيق الثانوية الصناعية وعمل كحداد، ولكنه كان يعشق التمثيل والتقمص والتقليد، فساعده ناظر المدرسة على تنمية مواهبه، حيث كان حريصاً على أن تقدم المدرسة عروضاً مسرحية، وفى أحد الأيام ابتسم الحظ لأول مرة لأحمد زكى عندما قام ناظر المدرسة بدعوة الفنانين صلاح منصور و حسن مصطفى و زكريا سليمان ليكونوا فى لجنة التحكيم التى تقيم تلك العروض، وبعد انتهاء العرض أبدى هؤلاء الفنانين إعجابهم بالعرض، وشجعوا أحمد زكى على الالتحاق بالمعهد العالى للفنون المسرحية، وهنا واجه النجم الأسمر التحدى الأول فى حياته، فهل يترك عمله ودراسته، حيث كان من المفترض أن يكمل دراسته بالمعهد العالى الصناعى، وبلده التى عاش فيها طوال سنوات عمره، ليستقر فى محافظة أخرى لا يعرف كيف سيعيش فيها، ويلتحق بمجال جديد لا يعرف إذا كان سينجح فيه أم لا، ولكنه قبل التحدى، وقرر تغيير مسار حياته، فقدم أوراقه لمعهد الفنون المسرحية ونجح فى الاختبارات، وأصبح ترتيبه الأول طوال سنوات الدراسة، على الرغم من الصعوبات التى واجهها طوال سنوات الدراسة بسبب ظروفه المادية الصعبة.

صدمة الكرنك
رغم موهبة أحمد زكى وقدراته التمثيلية الرائعة، إلا أن بدايته كانت فى أدوار صغيرة، مثل دوره فى مسرحية " هالو شلبى" ثم " مدرسة المشاغبين"، والعديد من الأفلام منها " بدور" ل نادر جلال، و" أبناء الصمت" ل محمد راضى، ثم جاءته الفرصة التى يحلم بها عندما رُشح لأداء دور البطولة أمام سعاد حسنى فى فيلم الكرنك، ولكن يبدو أن المعاناة أبت أن تتركه ولو قليلا، ليتلقى صدمة رفض المنتج رمسيس نجيب قيامه بالدور، قائلا كيف تحب سعاد هذا الأسود، إنه لا يصلح إلا لدور الجرسون الذى يقدم القهوة لسعاد حسنى فى الكافيتريا، أثار هذا الموقف مشاعر الإحباط لدى أحمد زكى، وأشيع وقتها أنه حاول الانتحار، ولكنه نفى هذا الأمر لاحقا فى حوار صحفى قائلا أن ماحدث هو أنه كان يشرب كوبا من الماء فى مكتب مدير الإنتاج، وعندما علم بخبر استبعاده ضغط على الكوب وحطمه وجُرحت يداه، وتم تضخيم الواقعة باعتبارها انتحارا.

وعلى الرغم أن ازمة استبعاده من الفيلم كانت يمكن أن تقضى على مشواره الفنى الذى كان لايزال فى بدايته، إلا أنه كان دافعا له ليثبت موهبته الرائعة، فانطلق بعدها ليقدم " شفيقة ومتولى" عام 1978، وفى نفس العام يشارك فى بطولة أحد أهم أفلام السينما المصرية وهو " وراء الشمس"، وفى العام التالى كان أحمد زكى على موعد مع اللقاء الوحيد الذى جمعه بالمخرج الكبير يوسف شاهين عندما أشركه فى بطولة فيلم إسكندريه ليه، ثم كانت بداية مرحلة النجومية مع فيلم الباطنية للمخرج حسام الدين مصطفى، ورغم أن الفيلم كان مليئاً بالنجوم مثل نادية الجندى، محمود ياسينو فريد شوقى، إلا أن أحمد زكى استطاع أن يثبت موهبته فى الفيلم من خلال تقديمه دور سفروت الشاب المعوق ذهنياً.

الثمانيات مرحلة النجومية
كانت فترة الثمانينات المرحلة التى شهدت توهج وانطلاق أحمد زكى، حيث بدأ فى القيام بأدوار البطولة المطلقة التى كسر فيها نموذج البطل شديد الوسامة، وقدم شخصية الشاب المصرى العادى، فغير من مواصفات النجومية فى السينما المصرية، وساعده على ذلك لقائه بجيل مخرجى الثمانينات محمد خان، عاطف الطيب، خيرى بشارة، حيث قدم معهم أعظم وأهم أدواره، ومن أهم تلك الأدوار أحمد سبع الليل الفلاح الساذج فى البرىء، وهشام الظابط القاسى الذى يفهم حب الوطن على طريقته فقط فى زوجة رجل مهم مع محمد خان، والمخرج أحمد الشاذلى ابن ثورة يوليو الذى عاش انكسار الحلم الناصرى فى العوامة 70، مع خيرى بشارة، وغيرها من الأعمال.

وإذا كان هؤلاء المخرجين استطاعوا أن يبرزوا موهبة الفتى الأسمر، إلا انه لم يقتصر على التعامل معهم فقط، إذا قام بالتعامل مع مخرجين كبار أيضا منهم عاطف سالمالذى قدم معه النمر الأسود، حيث جسد شخصية حسن وهو شاب حرفى جاهل يسافر إلى ألمانيا للعمل وهناك بالصبر والاجتهاد وممارسة لعبة الملاكمة التى يجيدها يصعد إلى قمة النجاح والثروة، أما فى فترة التسعينات فقد استمر إبداع أحمد زكى، فقدم خلال تلك الحقبة أكثر من 20 فيلماً لعل أبرزهم كابوريا مع خيرى بشرى، حيث جسد شخصية حسن هدهد ملاكم شوارع يبحث وسط المجتمع عن فرصة ليثبت نفسه ويعيش حياة أفضل، البيضة والحجر مع المخرج على عبدالخالق، وشخصية المثقف الذى يتحول إلى دجال ويبيع الوهم للناس ويصبح مليونيراً، ومن أهم أفلامه فى تلك الفترة أيضا الهروب مع عاطف الطيب، حيث جسد شخصية منتصر شاب صعيدى طيب يتعرض للخديعة ويسجن فيتحول إلى مجرم وقاتل هارب تطارده الشرطة.

وكما كان أحمد زكى بارعاً فى تجسيد أنماط متعددة من الشخصيات، كان مبدعا أيضا فى تجسيد حياة المشاهير بداية من تقديمه قصة حياة عميد الأدب العربى طه حسين فى مسلسل الأيام وكان ذلك فى بدايات مشواره الفنى، حيث حقق نجاحاً طاغياً، ورغم اعتراض الكثيرون من أسرة المسلسل وأسرة طه حسين على تجسيد أحمد زكى لدور طه حسين، إلا ان إبداعه فى تجسيد الشخصية جعلت الجميع يتراجع ويعترف بهذه الموهبة، كما نجح فى تجسيد شخصية الزعيم جمال عبد الناصر فى ناصر 56 بدرجة أبهرت الكثيرين، ولم يتوقف الإبداع عند ذلك فقط، حيث جسد أيضا شخصية الرئيس أنور السادات فى أيام الساداتببراعة وتمكن شديدين، وكان أخر عمل حليم، وهو الحلم الذى عاش الخمس سنوات الأخيرة فى حياته يحلم بتقديمه، وعندما تحقق الحلم كان قد أصيب بالسرطان، ولكنه صمم على القيام به وتوفى قبل أن يستكمله.

عشق لدرجة التوحد
كان أحمد زكى يعشق الأدوار التى يقوم بها، لدرجة أنه يوافق على القيام بمشاهد صعبة أو خطرة من أجل ان يظهر الدور فى أفضل صورة، ففى فيلم أحلام هند وكاميلياقفز من الأتوبيس أثناء انطلاقه، وفى موعد على العشاءأصر على دخول ثلاجة فى المشرحة لينام بداخلها، وفى البرىء أصر على نزول الترعة وركب عربة مليئة بالقاذورات لمدة يوم كامل، ورفض أن يغادرها فى فترات الراحة لكى يعيش الحالة، وفى الهروب استلقى فوق سطح القطار رغم تحذيرات المخرج عاطف الطيب.

الغناء.. موهبة آخرى
"حينما غنى زكى فى البيه البواب أذهلنى وأذهل الجميع" هكذا علق الموسيقار الكبير عمار الشريعى على أداء أحمد زكى للأغنية، فمثلما كان ممثلا فذا، كان يؤدى الأغنيات المطلوبة منه فى الأعمال السينمائية والتليفزيونية باحترافية وتميز شديد، فمن ينسى أغنيته فى فيلم هيستريا والتى قال فيها "لو مقدرتش تضحك متدمعش ولا تبكيش، وإن مفضلش معاك غير قلبك أوعى تخاف مش هتموت هتعيش" أو أغنيته فى فيلم كابوريا، كما قدم ثنائياً غنائياً رائعاً مع السندريلا سعاد حسنى فى مسلسل هو وهى.

جاهين.. الأب الروحى
كان صلاح جاهين بالنسبة لأحمد زكى الأب والأخ والصديق، وكان بجانبه فى كل الأزمات التى تعرض لها، فعندما سحبوا منه فيلم الكرنك ساعده على تخطى المحنة، وبعدها أصر على أن يشارك فى فيلم شفيقة ومتولى، لذلك مثلت وفاة جاهين صدمة كبيرة لأحمد زكى، حيث شعر أنه فقد الأب وتجرع مرارة اليتم مرة أخرى، وعندما تلقى الخبر كان فى مستشفى لندن كلينك، حيث أجريت له جراحة لاستئصال المرارة، وبعض قرح صغيرة فى المعدة، وعندما علم بالخبر أصابه حالة حزن وصدمة شديدة لدرجة أن الجرح رفض أن يلتثم، وظل فى المستشفى خمسين يوماً، فقد فتح الجرح مرة ثانية بعدما سمع الخبر، وأحضروا له أطباء أعصاب وأطباء نفسيين لتجاوز هذه الأزمة.

هالة فؤاد.. حب العمر
عاش أحمد زكى محروماً من دفء الأسرة والحنان والحب، لذا كان يتمنى أن يتكون لديه زوجة وأبناء يملأن الوحدة التى عانى منها طوال حياته، وعندما أحب الفنانة هالة فؤاد وتزوجها وأنجبا ابنهما الوحيد هيثم اعتقد أنه حقق حلمه، ولكن الحلم الجميل لم يكتمل فيقول فى أحد حواراته "كنت أحلم ببيت وأسرة كبيرة، وهاله كانت إنسانة راقية ولطيفة ومهذبة.. مثلت معها ووجدتها نموذجاً هائلاً وتوسمت فيها زوجة رائعة وكانت متخرجة حديثاً من كلية التجارة، اعتقدت أنها لا تحب الفن واكتشفت أنها تعشقه، وبعد الإنجاب قررت هالة أن تعود للفن ورفضت، وفشلت فى إقناعها وأصبحت عصبياً معها لأقصى درجة.. أردت أن أحميها من هذا العالم القاسى بأضوائه ومشاكله التى لا تنتهى، لم نحتمل العناد انفصلنا، واعترف أنى ظلمتها لأنى استغرقت فى حلمى لتأسيس بيت وعزوة لكن الحلم انتهى".

بعد انفصاله عن هالة فؤاد، لم يتزوج بعدها، وعاش وحيداً مرة أخرى، حيث كان دائماً يقول كل شىء قسمة ونصيب، فالفن وهيثم هما عائلتى الوحيدة، بعدها قيل أنه أحب الفنانة نجلاء فتحى أثناء عملهما سوياً فى فيلم سعد اليتيم 1985، ورغم الحب فإن الزواج لم يتم بسبب طبيعة أحمد زكى كفنان وهى طبيعة قاسية لا يستطيع أن يتحملها أو تتحملها إنسانة أخرى معه.

محنة المرض
واجه أحمد زكى عدة أزمات فى حياته، ولكنه تجاوزها بإصراره على تحقيق أهدافه، إلا أن أزمة المرض كانت الأصعب والأشد، حيث اكتشف إصابته بمرض سرطان الرئة، ورغم أنه لم يستسلم للمرض، حيث واجهه بشجاعة، وأصر على تصوير فيلم حليم، إلا أنه فى النهاية لم يستطع مقاومة الآم المرض، ليرحل أمبراطور السينما المصرية الذى وصفه الفنان عمر الشريف بأنه أعظم فنان فى تاريخ السينما المصرية، وأنه لولا اللغة لكان ممثلاً عالمياً.



تعليقات