لهذه الأسباب لا يستحق "الفيل الأزرق" ثمن التذكرة

  • مقال
  • 04:04 مساءً - 10 اغسطس 2014
  • 1 صورة



الفيل الأزرق

أكتب هذا المقال وأعلم تمامًا كم الاتهامات والسباب الذي سينهال على رأسي من جرّائه، ولكن ما باليد حيلة. لا أجرؤ على الصمت أو كبت أفكاري خوفًا من جمهور الفيلم المتحمس، فماذا سأكسب إذا خسرت رأيي في النهاية. لذا دعنا نتفق على شيء، أستسمحك إذا كنت ممن استهواهم الفيلم وقمت بتقييمه بالعلامة الكاملة على موقع IMDb فلتتوقف عن القراءة الآن ولا تُكمل لأني سأستفزك للغاية، ولن تشعر بنفسك إلا وأنت تكتب التعليق الفاحش إياه بعد انتهائك من المقال.

منذ أن سمعت بنيّة تحويل رواية الفيل الأزرق إلى فيلم لم أكن متحمسًا لمشاهدته، خصوصًا وأنني لست من هواة كتابات أحمد مراد. لكن كم التعليقات الإيجابية التي وصلتني من أصدقاء ومقربين أثق تمامًا في رؤيتهم السينمائية جعلتني أعدل عن قراري، وأتجه إلى دار العرض بصحبة صديقين عزيزين مُمنيًا نفسي وإياهما برؤية فيلم من طراز رفيع قلما نشاهد مثله في السينما المصرية، هكذا قيل لنا، لكن دائمًا "شرُ العواقب يأسٌ قبله أمل، وأعضل الداءِ نكسٌ بعد إبلالِ" كما قال البُحتري في ليلةٍ ما.

حين خرجت من دار العرض عزمت على تحذير كل من لم يشاهد الفيلم بعد، وها أنذا أفي بوعدي. هنا سأذكر الأسباب العديدة التي تجعل من الفيل الأزرق فيلمًا لا يستحق ثمن التذكرة.

(ا)

الإفراط في استخدام الحركة البطيئة. نيللي كريم تدلف إلى الكافيتريا لتقابل كريم عبد العزيز فيستعرضها لنا مروان حامد بالحركة البطيئة وهي ترسم على وجهها علامات الخطورة. الظهور الأول ل خالد الصاوي بالحركة البطيئة.. الظهور الأول للواشمة كذلك.. ظهور اللجنة بالمثل.. باختصار كل الظهورات في الفيلم نفذت بالحركة البطيئة المُبتذلة دائمًا عندما تأتي في غير موضعها. وأخيرًا تلك اللقطة التي لا لزوم لها على الإطلاق لمراوح عنبر "8 غرب" التي استعرضها مروان حامد أيضًا بالحركة البطيئة. بالله عليك، ألم نكن قد انتهينا من هذا السخف منذ سنوات؟ هل هذا فيلم أم فيديو كليب؟ لاحظ أني لم أعلق على التصوير البطيء في تتابع الهلوسة الأخير الذي يمارس فيه المأمون أو "نائل" الجنس مع زوجته في الهواء، هنا كان الاختيار موفّق، الموقف يستدعي بالفعل.. لكن أن تلهو بالتكنيك طيلة الفيلم كالطفل الذي عثر على مسدس أبيه فهذا شيء يثير الخجل وينم عن إفلاس حقيقي.

(ل)

حبوب الهلوسة.. الفيل الأزرق.. اسم الفيلم والرواية والمحرك الرئيسي للأحداث، والشيء الوحيد الذي سيقود البطل لحل عقدة الفيلم. هل يُعقل أن تُقدم دون غرس من أي نوع؟ هل هذا دراميًا مقبول؟ من فضلك لا أريد سماع حجة أنك لم تقرأ الرواية وأن الأمر كان موضحًا فيها - هذا إن كان - لأنه عذر أقبح من ذنب. أنا أتيت لأشاهد عملًا فنيًا قائمًا بذاته وليس مطلوب مني أن أعد دراسة قبل المشاهدة. أن تقوم مايا بإعطاء الحبوب ليحيى بهذا الإقحام الفج ودون أن يكون هناك أي مبرر درامي يربطها بالأحداث الرئيسية، ثم تقوم الحبوب بعد ذلك بالدور الأساسي في حل عقدة الفيلم لهو أسخف شيء شاهدته في حياتي. قارن الأمر مثلًا بالحبة الحمراء والحبة الزرقاء من فيلم The Matrix وستفهم تمامًا ما أرمي إليه. انظر من يُقدم الاختيار هنا؟ فاعل رئيسي لا يمكن الاستغناء عنه. مايا لو تم حذفها من الفيلم نهائيًا لم تكن لتؤثر في أي شيء، هي هنا فقط مسبب درامي دخيل لتعطي يحيى الحبوب التي - وللغرابة - ستجعله يرى الهلاوس التي ستحل له قضية صديقه (يا سلاااام). ماذا لو لم تقم بإعطائه الحبوب؟ ما دخل الحبوب أصلًا بعقدة الفيلم؟ وكيف تجعله يرى هذه الهلاوس تحديدًا؟ سأستفيض في هذا في حرف "اللام" الثالث.

(ف)

المط والتطويل والملل.. ثم المزيد من المط والتطويل والملل.. مشاهد بلا طعم أو لون أو رائحة لنيللي كريم وكريم عبد العزيز وهما يسترجعان ذكرياتهما سويًا أثناء الجامعة، ثم مشاهد أكثر إملالًا وهي تحكي له قصة زوجها، ومشهد لا لزوم له تشرح فيه كيف أنها ستموت إذا افترقا! إيقاع الفيلم عامةً بطيء ومترهل للغاية، والمونتير الذي قطّعه يحتاج إلى مراجعة منهج المونتاج من جديد. هذا هو أكبر عيوب الفيلم وأشدهم فداحة.. كيف من الممكن أن تمل في فيلم رعب؟ من الممكن جدًا أن تبتذله، من الممكن أن تستسخف حبكته وتمثيل أبطاله ورؤية مخرجه.. لكن أن تشعر بالملل يزهق روحك لهو مستوى جديد في الإخفاق لم أسمع به من قبل.

(ي)

الاستسخاف بعقل المشاهد.. في المشهد الذي يقتحم فيه يحيى ولبنى مسرح الجريمة سمعت تعليقًا من أحد الصفوف الخلفية (هو مش الشقة متشمعة ولسه على ذمة القضية.. دخلوا ازاي؟) قلت لنفسي تعليق ذكي لكن دعنا (نعديها) فهي ليست بالمبالغة الفادحة من النوع الذي يكسر إيهامك بالعمل، ثم إن هذا إكليشيه محفوظ تكرر في عشرات الأفلام الأمريكية. لكن أن يعثر يحيى - وهو طبيب نفسي وليس محقق - على التليفون الخاص بشريف، وعلى كتاب الجبرتي، وعلى الرقم الغامض المكتوب بالدماء والمخفي ببلاهة وراء المكتبة، وعلى عنوان الواشمة، كل هذا في الظلام وعلى كشاف الهاتف المحمول، إذًا فلابد أن رجال الشرطة والمعمل الجنائي الذين قلبوا المكان رأسًا على عقب بالتأكيد كانوا مجموعة من العميان. ثم يأتي أحدهم ويقول لك (عديها)! كيف أتساهل مع كل هذا الاستسخاف بعقلي؟ ألم يجد الكاتب الهُمام أي شيء أذكى من هذا! لأن هذا لا يكسر الإيهام فقط، لكنه يكسر منطق العمل ذاته.

(ل)

نيللي كريم بعد أن توحَّشت في مسلسلي ذات و سجن النسا وأضحت غول تمثيل حقيقي يستحق الأوسكار، تعود هنا في رِدّة تطورية لمسيرتها لمرحلة غبي منه فيه و أحلام الفتى الطائش. وكما علق أحد أصدقائي أنها عادت من جديد لتمثل بفمٍ مضمومٍ مغلق.. بالشوكة والسكين.. وهي الممثلة التي استطاعت المخرجة كاملة أبو ذكري أن تُخرِج منها كل ما لم تكن نيللي نفسها تعلم أنه بداخلها. بالتأكيد، فالأمر كله يرجع إلى المُوَجِّه في الأساس. عندما وقعت نيللي تحت يد مُوَجِّهة تعرف كيف تدير ممثلتها تألقت، لكنها هنا لم تجد من يأخذ بيدها فخرج أدائها باهتًا ليتماشى مع كل شيءٍ أخر في الفيلم. أضف لهذا أن شخصية لبنى صفرية الأبعاد ولا تحمل أي عمق، لذا دعنا لا نظلم نيللي تمامًا.. ربما الغلطة الحقيقية التي تؤخذ عليها أنها قبلت بهذا الدور الميت من الأساس.

(ا)

بسبب الذروة وعكس الذروة. الموضه الآن أصبحت هي الـ Twist.. الجميع جُنّوا تمامًا وأصبحوا يهيمون عشقًا بالمنعطف الأخير للسيناريو الذي يقلب الأحداث على رأس المشاهد ويخبره كم كان مُضللًا وأبلهًا طوال مدة عرض الفيلم. الأمر في رأيي لا يتعدى اللهو الصبياني، ويضر أكثر بكثير مما ينفع لأنه يجعل العمل غير قابل لإعادة المُشاهدة مرةً أخرى. فاللغز قد انكشف والمُشاهدة التالية لن تكون بنفس المذاق أبدًا. لكن أن تُقدم مُنعطفان في نهاية الفيلم لهو أمر كفيل بتدمير العمل أثناء المشاهدة الأولى وليس مجرد إفساد المُشاهدة التالية. هذا هو ما جرؤ أحمد مراد على كتابته وجرؤ مروان حامد على تنفيذه دون أن يطرف لهما جفنًا.

(ل)

ثغرات الحبكة.. الـ Plot Holes.. حدث ولا حرج. لا شيء هنا مترابط، ولا سبب منطقي يؤدي إلى نتيجة مفهومة، بل هي عشوائية كاملة كُتبت وأخرجت لتحصد إعجاب بعضٌ من مُحدثي هذا الضرب من الأفلام. لا يوجد مُشاهد أفلام رعب متمرس ستنطلي عليه الخدعة هنا. طيلة مدة العرض ستزدحم رأسك بالأفكار والتساؤلات، ومع انتهاء الفيلم قد تظن أن الأمور قد سارت بمنطقية سحرية معقولة، لكن مع أول تفنيد بسيط ستبرز لك أسئلة لن تجد لها إجابة. لماذا قتل نائل زوجة شريف التي كانت تحمل بذرته؟ كيف سرق شريف قميص المأمون؟ لماذا رأى يحيى في هلاوسه الحصان بحر الذي يعرفه نائل؟ يالها من صدفة التي جعلت يحيى يعود للعمل قبل ترحيل شريف للمصحة بيوم واحد! هل يستطيع نائل قراءة المستقبل؟ ما دخل حبوب الفيل الأزرق بأحداث الفيلم؟ وماذا لو لم تعطه مايا إياها؟ من هو عم سيد وكيف يراه يحيى وهو إنسان طبيعي غير مريض وغير ممسوس؟ لماذا كل شيء أزرق (فيل أزرق وحصان أزرق)؟ هل هو السخف؟ هل هو إفلاس؟ كلها أسئلة مُهابة لن تجد لها إجابة لأنها ببساطة ثغرات فادحة في السياق، وما خفيّ كان أعظم، أنا لا أتذكر كل شيء لكني متأكد أنه مع مشاهدة تالية سيتضح المزيد من لا منطقية الأحداث.

(أ)

بسبب ركاكة الحوار.. في العديد من المشاهد ستتمنى أن تنشق الأرض لتبتلعك بدلًا من أن تستمر في سماع ذلك الحوار السخيف والتعليق الصوتي الساذج. تقديم شخصية يحيى أتى مبتذلًا للغاية، خصوصًا مع الإفراط في التعليق الصوتي الذي لا لزوم له على الإطلاق. مشهد البوكر الذي يتذاكى فيه يحيى على رفيقه في اللعب ويكشف كذبه بدى مباشرًا ومقحمًا للغاية، وكأنه كتب خصيصًا كي يستعرض خفة دم كريم عبد العزيز الممثل وليس يحيى، ومن ناحية أخرى ليرينا كيف أن يحيى (حويط) ولا يُضحك عليه بسهولة. ثم تكرر الأمر في المشهد الأول مع لبلبة، هذه المرة لم يتحدث يحيى ليستعرض لنا قدراته، لكن لسببٍ ما لم يستطع صناع الفيلم أن يكبحوا جماح أنفسهم وحشروا التعليق الصوتي السخيف لأفكاره، وكأنهم يصرخون في عقل المُشاهد: هل ترى كيف أن بطلنا رائع، يجب عليك أن تحبه فورًا!

(ز)

بسبب سخافة القول المنتشر أن هذا هو أول فيلم رعب مصري سيخيفك حقًا.. على الرغم من أن إنتاج السينما المصرية فقير بالفعل في ضرب أفلام الرعب، إلا أن الإنتاجات القليلة التي خرجت إلى النور كان منها علامات بارزة مخيفة حقًا. وقبل أن تمتدح جرعة الرعب في الفيلم - الضئيلة جدًا بالمناسبة - اذهب أولًا وشاهد قاهر الزمن أو الرقص مع الشيطان أو سفير جهنم أو حتّى التعويذة. وإذا لم تقتنع بعدها دعك من كل هذا.. هناك مشهد صنعه داوود عبد السيد في فيلم مواطن ومخبر وحرامي سيثير فيك الرجفة أكثر من كل مشاهد الفيل الأزرق مجتمعة. الذي يخبرك أنه لم يشعر بالرعب في فيلم مصري إلا مع مشاهدته للفيل الازرق، قل له هذا لأنك لم تشاهد شيء بعد.

(ر)

بسبب الاقتباس السيئ. يجب ألا ننسى أو نتجاهل أن الحبكة الرئيسية للراوية أولًا ومن بعدها الفيلم مقتبسة من فيلم مغمور واشتقاقي للغاية بعنوان The Tatooist ظهر عام 2007. أن تقتبس فهذا شيء لا يجب أن تخجل منه، فقط إذا كنت تملك الشجاعة الكافية لتقول أنك مُقتبس. إنما العيب شيئان: أن تنكر الاقتباس، وأن تقتبس من عمل فاشل من الأساس.. ماذا تتوقع عندها، أن تحيل الفسيخ إلى شربات مثلًا؟

(ق)

ذكرت 10 سلبيات رئيسية شعرتها في الفيلم، وهناك المزيد مما لا أتذكره، فهذا من الأفلام التي تتبخر سريعًا من الذاكرة. لكن كي أكون موضوعيًا ومُنصفًا مع التجربة، يجب الاعتراف بأن العمل احتوى على تتابعات مؤثرات بصرية أخاذة.. تتابعات جيدة التنفيذ للغاية لم نشهد مثلها من قبل في فيلم مصري، لأول مرة مثلًا نستخدم حيل الـ Chroma Key الاستخدام الأمثل لها. هناك أيضًا لقطات طويلة بلا قطعات صُممت بعناية وبقدر كبير من الوعي والاحتراف. هذا بالإضافة إلى أن هناك بعض التمثيل الجيد من كلٍ من خالد الصاوي وكريم عبد العزيز. أعجبني أيضًا تتابع الهلوسة الأخير ومشهد ممارسة الحب بين نائل والمرأة، المشهد كان جريئًا وجيد التنفيذ بشكلٍ ملفت. تتابع تَكَشُف الحقائق الأخير في المجمل هو الشيء الوحيد الذي استمتعت به بشكلٍ كامل، ولهذا فقط أعطيت الفيلم 4 نجوم من 10، فهو من وجهة نظري يستحق أقل.



تعليقات