الجزيرة 2: الحرب في بر مصر

  • مقال
  • 10:09 مساءً - 5 اكتوبر 2014
  • 1 صورة



مشهد من فيلم (الجزيرة 2)

كان فيلم ( الجزيرة) الذي عرض في عام 2007 عمل سينمائي يحمل في قلبه الكثير من الطموح الفني سعيًا وراء تقديم شكل جديد وغير مألوف من قبل للدراما الصعيدية، مانحًا إياها ما يشبه النزعة الملحمية، منطلقًا في ذلك من عدة تيمات درامية: الروابط العائلية، علاقات الحب، صراع القوى، الصراع مع السلطة. اجتماع هذه العناصر معًا كان له الفضل في نجاح عدد كبير من الأعمال السينمائية، وربما كان أقربها لهذا المثال هو ثلاثية ( الأب الروحي) التي حملت مزيجًا مماثلا، لكن (الجزيرة) يضيف لكل هذا المزيج السابق جرعة مكثفة من التتابعات الحركية كانت تميل في كثير من الأحيان للأمركة.

لكن يجب الاعتراف بأن هذا الفيلم يملك قماشة عريضة صالحة لصنع أجزاء تالية ترتكز حول نفس التيمات التي صنعت نفس النجاح الجماهيري للفيلم الأول، لكن كان لزامًا على الجزء التالي أن يرفع من سقف التوقعات أكثر فأكثر لدى كل من يهتم بالمتابعة، وهو ربما ما أدي إلى تأخر ظهوره إلى شاشات دور العرض، لذا ما الجديد الذي حمله ( الجزيرة 2) لكل مرتقبيه؟

يضيف (الجزيرة 2) الشأن العام إلى مجموعة عناصره وتيماته الدرامية التي ارتكز عليها الفيلم الأول، مستندًا إلى الأحداث التي جرت في مصر خلال عامي 2011 و2012، وجاعلًا منها محركًا دراميًا في الكثير من المنعطفات الدرامية التي يسير الفيلم من خلالها، مع إضفاء مجموعة من الإسقاطات السياسية على عدد من الشخوص الرئيسية في الفيلم، وهي الشخوص التي تعد من اللاعبين الرئيسيين في الصراع الذي تقوم عليه دراما الفيلم، ولا يصعب بالتأكيد معرفة ما تشير إليه هذه الإسقاطات.

الأهم من ذلك أن لعبة الصراع القبلي تزداد ضراوتها في هذا الفيلم عما كان من ذي قبل، كما يزداد أيضًا عدد اللاعبين المشاركين فيها، وتتعدد كذلك الأهداف الرئيسية لدى كل طرف في هذا الصراع، ويختلف الظرف العام الذي يضع الجميع هنا على أرضية واحدة، حيث يسعى كل طرف لإثبات ما يرى أنه حق له في ظل حالة الفوضى الأمنية التي سادت خلال الأعوام الفائتة، وحيث يرتبط الصراع على الزعامة في الجزيرة بالصراع الأكبر الدائر في البلاد وقتئذ حول السلطة بعد الثورة، وبالصراعات الآخرى الدائرة خارج البلاد إذا مددنا الخط على كامل استقامته، وخاصة الصراع الدائر في سوريا بين الجيش السوري وبين المعارضة المسلحة، وهو ما يشار إليه في إحدى مشاهد الفيلم.

وبعيدًا عن الصورة الكبرى، لا يزال هناك بعض المنغصات الموجودة في التفاصيل الصغرى، خاصة على الصعيد الدرامي، وربما كان المثال الأبرز على ذلك هو العلاقة العاطفية التي جمعت بين منصور الحفني ( أحمد السقا) والطبيبة ( أروي جودة) التي لم تحظِ بتأسيس درامي كافي، والتي جاءت كأنها مجرد "تحصيل حاصل"، وذلك على النقيض التام من العلاقة المركبة والمعقدة بين منصور وكريمة ( هند صبري).

لكن المشكلة الأكبر في الفيلم كان في تفاوت جودة الأداء التمثيلي، الأمر الذي يشبه سماع سيمفونية كلاسيكية رائعة يفسدها العزف الرديء من قبل أعضاء الأوركسترا أو أن ينفرد كل منهم بالانفراد بالعزف بمجهوده الخاص دون توجيه من المايسترو، وهى ليست مسئولية الممثلين أنفسهم بقدر مسئولية المخرج شريف عرفة الذي انشغل في المقام الأول بالصورة الكبرى، وهو ما يتضح في الناتج النهائي لأداء الممثلين، حيث يحاول أحمد السقا طوال الوقت التعويض عن غياب الحضور وقلة أدواته كممثل بالصوت العالي في أغلب مشاهد الفيلم، كما جاء أداء أحمد مالك الذي يؤدي شخصية "علي" ابن منصور الحفني باهتًا للغاية في المحصلة النهائية، ويعاني هو الآخر من الحضور الغائب.

أما بالنسبة ل خالد الصاوي الذي يعود مجددًا لشخصية اللواء رشدي، فهو بالرغم من كونه ممثل جيد للغاية، إلا أن خلفيته المسرحية قد خانته في عدة لحظات، لدرجة أنه قد نسى أنه يمثل في فيلم سينمائي بسبب لجوءه المفرط إلى أدوات تمثيلية مسرحية بحتة.

أما قمة التفوق في الأداء التمثيلي فكانت بكل تأكيد من نصيب الفنان الراحل خالد صالح في آخر أدواره السينمائية، والذي يخلف من خلاله شيء للذكرى لكي نتذكر سر تميزه على مدار مسيرته الفنية، حيث نبرة الصوت تعلو وتخفت بحساب، وكل نظرة عين تحمل معنى مختلف عن الآخرى، وهو ما يتناسب طرديًا مع شخصية ماكرة بالغة التلون مثل شخصية الشيخ "جعفر" التي يؤديها ضمن أحداث الفيلم.



تعليقات