The Theory of Everything... مرحبًا بك في واقع جين وستيفن هوكينج

  • مقال
  • 12:33 مساءً - 19 يناير 2015
  • 1 صورة



The Theory of Everything

تحذير: المقال يحتوي على حرق أحداث

ربما كان أفضل ما تفعله قبل أن تجلس لمشاهدة فيلم The Theory of Everything هو أن تُحضِّر بجوارك مناديل كافية، وتهيئ نفسك كي تُستنزف عاطفيًا ونفسيًا لأقصى مدى بالقصة المُفجِعة لحياة عالم الفيزياء الفلكية الأشهر في العصر الحديث، ستيفن هوكينج.

حياة هوكينج لم تكن أبدًا نزهة في حديقة، بل محاولة بقاء مستمرة في غابة تعج بكل أنواع المفترسات الداخلية والخارجية... وهي في الحقيقة ليست قصة رجل عبقري قعيد فحسب، بل أيضًا قصة عن امرأة، زوجة غير اعتيادية لرجل غير اعتيادي عاشا سويًا حياة غير اعتيادية بالمرة مُفعَمة بكل المتناقضات... بالأسى والأمل، بالحزن والضحك، بالألم والحب، بالغضب والطموح، بالضعف الجسدي والعزيمة. قصة على الرغم من أن الجميع يظنون أنها تعطي أمل كبير في الحياة، إلا إنها في الواقع من الممكن أن تُحطِّمك تمامًا على المستوى النفسي، هذا إذا استوعبت جيدًا الواقع المرير والتداعيات المدمرة التي ترتبت عليها. ما تحمَّلته جين وايلدر وستيفن هوكينج من اضطرابات عصيبة، لم يكن لبشر أن يختبروه ويظلُّوا على سلامهم النفسي، لذا ربما كان انفصالهما المُحطِّم في نهاية الأمر محتومًا.

الفيلم مستوحى من كتاب ألفته جين هوكينج بعد انفصالها من زوجها بعنوان Travelling to Infinity: My Life With Stephen، والذي كان أشبه بالقيء الفكري في نسخته الأولى غير المنقَّحة، عندما كانت جين لا تزال غاضبة أشد الغضب من ستيفن بعد هجره لها... النسخة الثانية من الكتاب التي أعادت جين كتابتها جاءت مروَّضة قليلًا، وهذا بعد أن تحسّنت علاقتها بستيفن بعد انفصاله من زوجته الثانية إلين، وهي النسخة التي أُخذ عنها الفيلم... لذا لك أن تتوقع أنه على الرغم من قسوة العمل، إلا أنه في الحقيقة نسخة مُخففة للغاية لما حدث على أرض الواقع.

يبدأ الفيلم بسرد سلس وبسيط لبداية تعارف ستيفن على جين في حفلة في منزل أحد الأصدقاء عندما كانا لا يزالان بعد طالبان في الجامعة. الفتاة مؤمنة والفتى ملحد، ورغم هذا تنبثق علاقة عذرية ورقيقة للغاية بينهما. جين تدرس الأدب وتأمل في تحضير دكتوراه عن شعر العصور الوسطى في أوروبا، بينما ستيفن عازم على إيجاد تفسير بسيط وبليغ للكون، ويحاول جاهدًا أن يصوغه في معادله واحدة أنيقة.

لكن في أفضل لحظات علاقتهما سويًا، وفي ذروة حماسة الشباب، يتلقى الشاب النشيط خبرًا مزلزلًا... أنه مريض بالـ ALS، أو التصلّب الجانبي الضموري، وهو مرض عصبي يهاجم الأطراف ويدمِّر القدرة على الحركة والتحدث، بل وينهي الحياة غالبًا في غضون عامين.

بعد تلقيه الخبر، ينزوي ستيفن ويتقوقع داخل نفسه مكتئبًا، وهنا يبرز الدور الأهم الذي لعبته جين في حياته... تدعمه الفتاة بقوة وحب غير محدودان ليواجه الأمر، وتقرر الزواج منه رغم معارضته في البداية، ثم يتم الزواج، ليقاتل ستيفن المرض بعدها بلا كلل وزوجته بجواره، ويصر على الاستمرار في إنهاء رسالة الدكتوراه الخاصة به، بل ويكوِّن الاثنان أسرة وينجبان أطفالًا، ويكمل ستيفن أبحاثه النظرية عن الثقوب السوداء، ليصبح الشاب القعيد واحد من كبرى الشخصيات في العمل العلمي.

هذا هو الجانب المشرق من القصة يا سادة، الجانب الأنيق المعتاد الذي نقرأه في الكتب والمقالات، والذي يعطي دروسًا ممتازة في الإرداة والتحدي والتمسك بالأمل... لكن الحياة بطبعها ليست قصة خيالية ولن تكون، والمأساة مكتملة الأركان وراء حياة ستيفن وجين لم ترو بعد.

تبدأ المنغصات في الظهور بعد سنوات قليلة من الزواج، وتُثقل المسؤولية الجسيمة الملقاه على عاتق جين كاهلها وتستنزفها بالكامل، فبين العناية بزوجها وتربية الأطفال وتدعيم المنزل تفقد جين أي خصوصية، ولا يعد لديها وقت حتى كي تتنفس... تحاول جين إقناع ستيفن بأن يستجلبوا مُساعدة لإعانتهم، لكن ستيفن يرفض في البداية، وعندما يقبل أخيرًا تكون جين قد بدأت في انهيار نفسي دخلي مُدمِّر، صحيح هو لم يصل بها إلى أن تكرهه، لكنه قادها إلى ما هو أسوء... فمع دخول جوناثان صديق العائلة حياتهما لتقديم المساعدة كان الأمر قدريًا تقريبًا... وتقع جين في حب جوناثان!

ما لم يذكره الفيلم هو أن جين عانت الأمرين بعد نشر كتاب هوكينج "تاريخ موجز للزمن"؛ فبعد الشهرة المدوية التي حظى بها العالِم أضحت حياة جين -حسب كلامها حرفيًا- تتلخص في "محاولة إقناعه أنه ليس الله". طوَّر ستيفن هوكينج ما يعرف في علم النفس بـالـ God Complex أو مُركَّب الإله، أُصيب بجنون العظمه وأصبح يعتقد أن كل شيء في الحياة يجب أن يسير في فلكه ووفقًا لأفكاره. بدأ بإساءة معاملة جين، وتجاهلها تمامًا، وأصبح جاف عاطفيًا معها للغاية، وفي النهاية وقع في حب ممرضته، وأدى الأمر إلى هجره التام لمنزل الزوجية مع جين عام 1990، ثم بعدها بخمس سنوات انفصل رسميًا عنها وتزوج من إلين (الأخيرة قضى معها 11 عام انتهت بالانفصال في 2006، وقيل أنه في أواخر تلك الفترة أُسيء معاملته بدنيًا بشكل أو بأخر، لكنه رفض أن يوجه إليها أية اتهامات وانفصلا بهدوء).

بعد مشاهدتي للفيلم، لم أنفك أبحث عن الشرارة الأولى التي أطلقت كل هذه الأحداث المؤسفة، تُرى من كان السبب في بداية كل هذا؟ جين أم هوكينج؟ بالطبع سيقول أحدهم أنه المرض اللعين الذي بدأ كل شيء. الأمر في الحقيقة يحتاج إلى نظرة أكثر تأُملًا، ولفعل هذا يجب أن نعود إلى الوراء كثيرًا، إلى لحظة قرار جين بالارتباط من هوكينج بعد علمها بمرضه، لكني أولًا سأحاول أن أضع تفسيري الخاص لهذه العلاقة المعقَّدة التي تُمزِّق نياط القلوب.

جين في واقع الأمر كانت ضحية وجلَّادًا في نفس الوقت... عندما قررت جين الارتباط بهوكينج في أول الأمر، كان الأطباء قد أخبروها أنه لن يعيش أكثر من عامين، وفي هذا التوقيت في منتصف الستينات، في ذروة الحرب الباردة، كان الجميع يشعرون أن نهايتهم دانية، وأن القنبله المُهلكة التالية ستسقط عليهم لتسلب منهم كل شيء. لذا غامرت جين وتزوجت من هوكينج مُفضِّلة أن تقضي معه آخر سنوات عمره بدافع حبها الكبير، وبالطبع بدافع الكثير من الشفقة، لكن ما لم تكن جين تعلمه هو أن هوكينج سيستمر في الحياة حتى يبلغ الواحدة والسبعين! وعندما حدث هذا لم تكن الفتاة مستعدة نفسيًا، وربما هذا هو ما أدى إلى انهيارها. لم يسمح لها ستيفن بتلقِّي مساعدة دائمة معهم في المنزل، وفي النهاية عندما سمح أخيرًا لتلاميذه ولممرضات متخصصات أن يساعدوها في الاعتناء به، تحوَّل المنزل إلى مصحة مجانين حقيقية، ولم تعد جين تشعر بأي خصوصية لحياتها، الأمر الذي ضغط على أعصابها بشدة... كلا الخياران كان مُرًّا، ومن هنا بدأت جين بالهروب من هذا الواقع وهذا الزواج عن طريق علاقتها مع جوناثان... ربما كان هذا أحد الأسباب الأساسية -بجوار عجزه وشهرته المدويَّة- التي جعلت من هوكينج إلهًا يريد السيطرة الكاملة على كل من حوله.

ربما بدأ هوكينج في إساءة معاملة جين عندما رأى زوجته -وحب عمره- تنجرف عاطفيًا نحو شخص آخر. هوكينج حسب تصريحاته الشخصية هو من أعطى لجين الحرية الكاملة لإقامة أي علاقة تساعدها على تحمُّل الحياة معه، وفي تصريح سابق قال أنه "لم يكن يبالي طالما أنها لازالت تحبه" ، وهو في هذا تحمَّل ما لا يطيقه أحدًا... لكن كل هذه القوة النفسية انهارت عندما تطورت هذه العلاقة أمام عيناه العاجزتان، وبين جدران منزله ذاته! وجود جوناثان معهما في المنزل لابد أنه ضغط على أعصاب ستيفن لأقصى درجة، ونظرًا لعجزه وقلة حيلته لم يجد متنفسًا لهذا الشعور سوى التجاهل التام لها، وإهمالها عاطفيًا، وبدأ "مُركَّب الإله" يجد أرضًا خصبة في نفسه لينمو.

أنا هنا لا أدافع عن هوكينج أو أي شيء، فقط أحاول الوصول للحقيقة... في الواقع أنا أُكِن احترام عظيم لكلٍ من جين وهوكينج لمحاولتهما المستمرة لإنجاح علاقة زواج شبه مستحيلة مثل هذه، والتنازلات الرهيبة التي قدمها الطرفين.

إنها دائرة جهنمية لا مهرب لها، والمخرج الوحيد منها كان أن يلقي هوكينج حتفه، أو أن تستسلم جين وتتركه، والأمران لم يحدثا. الفيلم قد يكون قاسٍ جدًا، وكئيب للغاية، وبه موسيقى تصويرية تحمل حزن العالم كله بين نغماتها، لكنه في حقيقة الأمر قد خفَّف الواقع الأليم على قدر المستطاع، فلم يكن ممكنًا أن يُحطِّم المشاهدين أكثر من هذا.

بعيدًا عن التحليل النفسي، لم يوفَّق المخرج جيمس مارش في أمرين من وجهة نظري. الأول هو اختيار الممثلة فليسيتي جونز للقيام بدور جين وايلد. لا تفهمني خطأ هنا، فيليستي قدمت دورًا يستحق الأوسكار بكل تأكيد، أيضًا إيدي ريدماين قدم دور عمره هو الآخر، وسأكون سخيفًا للغاية إذا حاولت وصف جودة التمثيل في الفيلم، لذا سأكتفي فقط بأن أقول أنه كان فائقًا بكل المقاييس. الشيء الذي أقصده هو أن فيليستي صاحبة وجه جميل للغاية، وجين الحقيقية لم تكن بهذا الجمال، جيمس مارش كان يريد وجهًا ملائكيًا كي يجعلك تتعاطف مع بطلته زيادة عن اللزوم، وأن تشفق عليها لتحمُّلها كل هذه الصعاب مع رجل بقدرات هوكينج... لم أستطع ابتلاع هذه اللقمة ولا أدري لماذا، فقط كنت أُفضِّل وجهًا أكثر واقعية وأقل سحرًا ليس إلا.

الأمر الثاني هو إخفاق جيمس مارش التام في تبيان تقادم أبطاله في العمر مع مرور الزمن باستخدام الماكياج، أكثر من 40 عامًا تمر منذ بداية أحداث الفيلم إلى نهايته، ومع هذا لم نر تجعيدة واحدة تظهر على وجهي البطلان، وكأنهما لم يشيخا قط... ربما كان هذا له علاقة بالنقطة الأولى التي ذكرتها، خصوصًا مع فيليستي.

أيضًا ربما لم يكن السيناريو والإخراج في هذا الفيلم من النوع الاستثنائي، لكنهما كانا مناسبان جدًا لتقديم القصة، نعم لن تشعر بلمسات عبقرية على المستوى التقني، لكن الفيلم سيطرحك أرضًا تمامًا من فرط الحزن والشاعرية، ولهذا أتوقع - وأتمنى أيضًا - أن يحوز الفيلم على أوسكارات التمثيل والموسيقى، لكني أشك للغاية في حصوله على جائزة أفضل فيلم... إنه أكثر أفلام السنة إدرارًا للدموع من بين كل ما رأيته، وجوائز الأوسكار لم تعد تُمنح للبُكائيات.



تعليقات