"بتوقيت القاهرة"، أو برجاء مراعاة فروق التوقيت

  • مقال
  • 01:24 مساءً - 23 يناير 2015
  • 1 صورة



نور الشريف ودرة في مشهد من فيلم (بتوقيت القاهرة)

ربما يكون هناك أكثر من سبب يبرر كل هذا الترقب الذي سبق صدور فيلم ( بتوقيت القاهرة) في دور العرض المصرية، أولها عودة كل من نور الشريف و سمير صبري إلى السينما بعد غياب دام سنوات عديدة، وثانيها عودة المخرج أمير رمسيس لرحاب الأفلام الروائية من جديد بعد إمضائه الفترة الأخيرة في العمل على أفلامه الوثائقية عن حياة اليهود المصريين، والثالثة هو الحب الذي يكنه قطاع عريض من المتلقين والمشاهدين لأفلام الربط الفائق (Hyper-Link Movies) التي تعتمد على تقديم عدة قصص متوازية من أجل زيادة الجرعة الدرامية بدلًا من تقديم قصة واحدة فحسب، ولكن في النهاية، ما الذي حمله الفيلم لمشاهديه بعد كل هذا الانتظار؟

لنتحدث أولًا عن التيمة الرئيسية الحاكمة للفيلم، وهى تيمة جيدة على نحو كبير عند النظر لها بشكل مجرد بعيدًا عن طريقة تناولها، وهى تجاور المستويات الزمنية المختلفة للحياة في اللحظة الراهنة، وهى هنا يوم واحد فقط، فنسمع أصدائها في القصص الثلاث التي يحملها الفيلم بتجليات مختلفة، ففي حين يخوض العجوز المصاب بالزهايمر يحيى شكري مراد (نور الشريف) رحلة نحو المجهول لأجل استرجاع لحظة محورية منسية من تاريخه، تحاول ليلى السماحي ( ميرفت أمين) أن تقنع سامح كمال ميخائيل (سمير صبري) بضرورة إصلاح ما تراه هى من وجهة نظرها خطأً فادحًا في الماضي لكي تسير خطتها المستقبلية بالزواج من جديد على نحو يسير، وفي الوقت ذاته تحضر السنوات الثلاث الفائتة من عمر علاقة حب سلمي ووائل ( أيتن عامر و كريم قاسم) أمام ناظريهما بالتوازي مع التفكير في المستقبل المتوقع لهذه العلاقة في المرة الأولى التي يختليان فيها ببعضها البعض في شقة أحد أصدقاء وائل.

كل ما سبق كان جيدًا جدًا بالطبع على النحو النظري، ونأتي الآن للتوظيف العملي لكل هذه الأفكار التي كانت تعتمل في القصص الثلاث، والتي تعتمد في وصولها للمتلقي على طريقة التقديم، لتكون المشكلة الأولى في الاعتماد على المونولوج وحده تقريبًا، أو على المونولوج المتنكر في هيئة ديالوج أو حوار، بما تسبب في ضياع جزء كبير من ألمعية الفكرة التي سبق الإشارة إليها في الفقرة السابقة، وما يجعل هذه المشكلة ظاهرة بشكل مزعج هو فقر – أو لنقل قلة - التفاصيل في الخلفية، خاصة مع الانحسار الشديد في مسارح اﻷحداث (سيارة حازم/ شقة صديق وائل/ منزل سامح كمال)، فالتفاصيل كانت من الممكن أن توازن الكفة وتجعل هذه الحكايات الثلاث أكثر حميمية، وهو ما أفلته أمير من بين يديه للأسف.

ربما كانت الشخصية الوحيدة تقريبًا التي أفلتت من مأزق فقر التفاصيل هذا هى شخصية يحيى شكري، وربما يكون ذلك بسبب وجود بعض الرتوش التي تدعم الحكاية ولو بشكل بسيط، وتجعلها ملموسة في عدد من اللمحات، مثل الساعة الجدارية التي يتمسك بها ويرفض السفر بدونها، والصورة الشخصية التي كانت السبب في بدء رحلته من الأساس، والبطاقة التي يعلقها على صدره طوال الوقت لكي يعرف أي شخص غريب أنه رجل مصاب بالزهايمر.

هذا عن تقديم الحكاية دراميًا، فماذا عن موائمتها إيقاعيًا؟ إن أمير رمسيس يتعامل مع المونتاج وكأنه يحمل الحل السحري لأي عقبة تواجه الفيلم، مما أدي بالتالي إلى انعدام الأرضية الواحدة التي تسير عليها كل أجزاء الفيلم، فلا يوجد أي انسجام بين الحكايات الثلاث في طريقة التنقل بينها، فقد يحدث نقل من خط لآخر دون تمهيد، وقد نستغرق مع إحدى الخطوط لدرجة قد تنسينا لحظيًا وجود الخطين الآخرين، كما لا يوجد منطق واضح لاستخدام الظهور والاختفاء التدريجي، وهل هو لوضع فاصل من أجل التالي من الأحداث أم لتبيان مرور الوقت أم ماذا؟

وتستفحل المشكلة أكثر في انسيابية النقلات، فالفيلم يبدأ بشكل فجائي قد يفزعك على تتابع صوتي يشرح فيه الطبيب ليحيى شكري حالته المرضية، وينتهي الفيلم كذلك على نحو فجائي، مع وجود بتر غير مريح في بضعة مشاهد، مثل المشهد الذي يتلقى فيه يحيى صفعة من ابنه، أو عندما يسير بسيارة حازم للهروب من الكمين، فيركض حازم بشدة وراء السيارة، ثم يحدث القطع مباشرة على حازم وهو واقف بجانب السيارة دون أن يظهر عليه أثر الإرهاق من الركض.

أما إخراجيًا، فعلى الرغم من الافتراض المسبق بأن ما دام المخرج قد تحقق فنيًا بعد إنجازه لعدة أفلام طويلة، فقد وصل بالضرورة لتلك النقطة التي يمكن عندها اعتباره مخرجًا محترفًا، إلا أن الشعور المسيطر على العمل الإخراجي في هذا الفيلم هو تمتعه بحس الهواية وليس الاحتراف كما هو مفترض بالنسبة لمخرج تولى المسئولية في بضعة أفلام روائية طويلة من قبل، ففي توجيهه الممثلين، كان من الواضح أنه يقتصر على المستوى الأول والمباشر من الأحاسيس والتعبيرات دون أن يحاول الذهاب لأبعد من ذلك، مما يعني أن كافة توجيهاته كانت من النوع المعلب أو مسبق التحضير من المحفوظات دون محاولة للبحث عن مساحة مختلفة تنتفس فيها شخصياته التي صاغها على الورق بملء رئتيها.

"بتوقيت القاهرة" في رأيي كانت تجربة في أمس الحاجة للمزيد من الوقت في العمل، المزيد من مسودات السيناريو، المزيد من جلسات العمل، المزيد من التحضير، المزيد من التصوير، وربما ما كانت ستخرج للجمهور وهي في شكل مفارق للتوقيت على هذا النحو.



تعليقات