"زنقة ستات".. فيلم للسبكي يسخر من أفلام السبكي!

  • مقال
  • 01:51 مساءً - 8 ابريل 2015
  • 1 صورة



ملصق فيلم (زنقة ستات)

نحن كبشر نظل دومًا متأثرون بانطباعاتنا المسبقة نحو أي شيء نختبره أو اختبرناه بالفعل مرارًا وتكرارًا، وكلما ازدادت تجاربنا في إتجاه واحد نحو الشيء عينه، كلما تأكد بداخلنا الانطباع الذي قمنا بتكوينه وصار اعتقادًا مترسخًا لا يتزحزح قيد أنملة، والأسوأ في الأمر حينما لا يفعل الطرف الآخر شيئًا سوى تأكيد الصورة المنطبعة عنه أكثر فأكثر، وربما كان الإعلان الذي صدر لفيلم ( زنقة ستات) قبل طرحه مباشرة هو دليل حي على ذلك، فالإعلان على حدة وبعيدًا عن الفيلم لا يفعل شيئًا سوى التوكيد بأنه سيكون فيلمًا "سبكيًا" من قمة الرأس حتى أخمص القدم، ولا يحاول أن يفاجيء مشاهده بأنه سيقدم شيئًا مختلفًا عما قدمه في عشرات الأفلام التي أنتجها.

لذا فلدي مفاجأة، انسى الإعلان، بل انسى أنك شاهدته أصلًا، وانسى أو تناسى - كيفما يتراءى لك عزيزي القاريء - أن الفيلم من إنتاج السبكي أصلًا، وإدعو من تحب أن تصطحبهم معك دومًا بعد نهاية دوام العمل أو في يوم عطلتك من العمل، وتوجهوا إلى دار العرض التي تودون الذهاب إليها ويكون (زنقة ستات) مندرجًا ضمن عروضها، واحصل على تذاكر للحفلة القادمة، وصدقني، هذه المرة ستكتشف بعد مرور بعض الوقت أن الأمر كان يستحق المخاطرة لأنك تخليت - ولو لمرة وحيدة - عن انطباعاتك المسبقة.

مع تقدم الأحداث قليلًا، ستجد أن الفيلم لا يطلب منك كمشاهد أن تقتنع كثيرًا بمنطقية الحكاية التي يعرضها، بل أن كل ما يريده منك هو أن تجاريه في لعبته الصغيرة التي يمارسها المخرج خالد الحلفاوي في أولى تجاربه الإخراجية بعد مرور الربع ساعة الأولى من الأحداث، وهى لا تشبه بالطبع اللعبة التي قرر كل من علي منير الجحش ( حسن الرداد) ووالده ( سامي مغاوري) أن يخوضاها معًا بناء على رهان خطير ومصيري عُقد بينهما.

مع بدء الرهان، ستكتشف أن اللعبة التي يلعبها خالد الحلفاوي على نحو ممتاز مع مشاهديه هى لعبة مخالفة التوقعات لدى المشاهدين فيما يتعلق بالمواقف الكوميدية، فهو دائمًا ما قد يبدأ الموقف الكوميدي بشكل قد يكون مألوفًا للمشاهد المتمرس، وما يلبث أن ينهي الموقف بشكل يخرج عن كل التوقعات الممكنة، وهو ما اعتبره من أكثر الدروس الأساسية في صناعة الكوميديا التي تتطلب حساسية عالية الدقة في كيفية سرد وإخراج الموقف المضحك، وأستطيع القول براحة ضمير أن خالد الحلفاوي يمتلك الكثير من الحساسية التي كان يمتلكها المخرج الراحل فطين عبدالوهاب في تقديم الكوميديا ويمتلك الاستطاعة على تنميتها بالخبرة.

وفي ملاعبته لجمهوره، يدخر الحلفاوي لنفسه أكثر المواقف والمفاجأت التي ينتظرها المشاهدون بحرارة، ولا يفرج عنها سوى في توقيتها المناسب تمامًا بدون تقديم أو تأخير، وربما كان أكثر مشهد ينطبق عليه هذا الأمر هو المشهد الذي يحاكي فيه علي الجحش وشكرية تورتة (مي سليم) المشهد الأيقوني الشهير الذي جمع بين الفنان الراحل أحمد زكي والفنانة نبيلة عبيد في فيلم الراقصة والطبال حينما كان يحدثها عن إحساس الحزن والفرح الصادر من الطبلة، وهو ما جعل المشهد يصيب الهدف مباشرة لدى الجمهور في التوقيت الصحيح.

ينجح الحلفاوي أيضًا في تحويل وتوجيه "الكليشهات" التقليدية نحو الوجهة التي يريدها، وليس الوجهة التي اعتادت هذه الكليشهات أن تذهب إليها، مما أنتج مصدر فادح الثراء للإضحاك، وإلا فكيف استطاع أن يجمع كل التصورات المعلبة عن الأحلام كما صورتها البرامج المتخصصة في تفسير الأحلام ليقدم مشهدًا غير متوقعًا في جرعة الضحك التي يحملها في داخله، كيف انقلب المشهد الذي تحكي فيه "شكرية تورتة" عن حياتها الأسرية المفككة بنكهة "الصعبانيات" المعتادة إلى مشهد ساخر يتهكم في الأصل على مثل هذه المشاهد التي بات تقديمها من التقاليد المعتادة في السينما المصرية، والأدهى من كل ذلك، كيف نجح في قلب موضة الكلام المقفى التي صارت متبعة في عشرات الأفلام المقدمة في السنوات الأخيرة التي تدور أحداثها في المناطق العشوائية، وخاصة التي أنتجها محمد السبكي، إلى منبع ثري للإيفيهات اللفظية لتسير بالتوازي مع كوميديا الموقف التي يعتمد عليها الفيلم.

وبعد تفوق الحلفاوي في تقديم الكوميديا مثلما ذكرنا بحس مدروس، ينسحب أيضًا هذا الحس المدروس على اختيار وتسكين الممثلين داخل الفيلم، حسن الرداد يظهر من خلال هذا الدور تنوع غير مسبوق في مسيرته الفنية بأكملها بأداء كوميدي ممتاز يتسق تمامًا مع توجه الفيلم، أما إيمي سمير غانم فتثبت مجددًا أنها تمتلك القدرة على مفاجأة جمهورها بما لم تظهره من قبل، وأنها تنتهج نهجًا مختلفًا بالكلية عن شقيقتها دنيا، أما أيتن عامر و مي سليم فمناسبتان تمامًا لشخصياتهما على نحو كبير وتكملان اللعبة لأقصى مداها، نسرين أمين تتحول في كل مرة تظهر فيها سواء تليفزيونيًا أو سينمائيًا إلى إنسانة جديدة، فما بالك هنا وهى تتحول إلى امرأة ستفكر الآف المرات قبل أن تقول لها "صباح الخير" من فرط اندماجها مع شخصيتها، ووجود بيومي فؤاد في حد ذاته يمنح أي مشهد يظهر فيه الكثير من خفة الظل الهادئة وغير المتكلفة.

ووسط كل هذا، كانت المشكلة الكبرى التي عاني منها الفيلم وأثرت عليه بالسلب هى "التويست" الأخير الذي ذهب بالفيلم إلى منطقة آخرى لم يكن من المفترض أن يذهب إليها، وهو ما جعله كمثل سيارة كانت تسير في مسارها الصحيح طيلة الطريق وشارفت على النجاح في الوصول لوجهتها قبل أن تقرر على نحو فجائي قبل الوجهة الختامية ببضعة سنتيمترات أن تسير بعكس الإتجاه.

وفيماعدا ذلك، وبصرف النظر عن هذه الملحوظة، فمن المؤكد أنك ستتذكر الكثير من مواقف الفيلم الكوميدية بكل فرحة مع أصدقائك، وستكون سعيدًا بجرعة الضحك التي حصلت عليها لتوك، وليس من المستبعد أن تضبط نفسك وأنت تحاول أن تلتقط "سليفي" مع أصدقائك وأنتم تقولون للكاميرا: "بطيخ، بطييييييييييخ".



تعليقات