العرّاب.. فخر السينما عبر التاريخ

  • مقال
  • 04:48 صباحًا - 24 يوليو 2015
  • 1 صورة



براندو

ربما تظن أنه من الصعب أن تختار أحد الأفلام لتعنون به تاريخ هوليوود المجيد، فهي مئات بل آلاف الأفلام التي مرت على هوليوود منذ نشأة السينما أوائل القرن المنصرم، لكن دعني أخبرك أنك مخطئ تمامًا، فثلاثية العراب جعلت الأمر أسهل مما تتخيل، وسوف يتم إلقاء الضوء في تلك المقالة عن الجزئين الأول والثاني كونهما الأكثر أهمية في السلسلة مع تسليط الضوء على بعض نقاط الجزء الثالث.

الفيلم ليس مجرد صراع بين عصابات وعائلات المافيا الإيطالية، لكنه يحمل بين طياته جميع المشاعر الإنسانية والتي تم إسقاطها على حياة المافيا الإيطالية والعصابات الأخرى في أمريكا، ممثلة في عائلة "فيتو كورليوني".

الفيلم يحكي قصة عائلة زعيم المافيا الإيطالية "فيتو كورليوني" في نيويورك، والتي تتصارع على سيادة المدينة مع أربع عائلات أخرى هي "بارزيني – تاتاليا – ستراتشي – كونيو"، والذين يشكلون معًا ما يعرف بـالعائلات الخمس. يبدأ الفيلم بحفل زفاف ابنة "فيتو كورليوني" وفي خلفية المشهد يعطيك فكرة عن مدى نفوذ العائلة الممثلة في "فيتو كورليوني"، رب الأسرة وزوجته "كارميلا كورليوني" وأبناءه الثلاثة "سانتياجو" و"فريدو" و"مايكل" وابنته "كوني"، بالإضافة إلى الابن المتبنى "توم هيجان"، الذي يتولى منصب محامي العائلة في نفس الوقت، وتستطيع القول إن عائلة كورليوني تمتلك كل شيء وتتحكم في العديد من مجريات الأمور.

تتصاعد الأحداث برفض "فيتو كورليوني" الدخول في تجارة المخدرات مكتفيًا بالإتجار في نوادي القمار والتعري والدعارة، معللًا ذلك بأنها أشياء تحرمها الكنيسة على الأفراد بينما المخدرات ستجلب قدم الشرطة إلى أوكارهم، وهذا يعطيك فكرة إلى أي مدى كان دون فيتو كورليوني حكيمًا، فالقوة ليست أبدًا هي كل شيء. يتعرض فيتو كورليوني لمحاولة اغتيال ينجو منها بأعجوبة ويتم تصفية "سنتياجو"، ابنه الأكبر، ليتولى مايكل كورليوني قيادة العائلة وهو الفتى الجامعي وبطل الحرب صاحب المبادئ، لتبدأ أحداث الفيلم في التصاعد حتى تبلغ ذروتها في نهاية الجزء الأول.

في الجزء الثاني من الفيلم يبلغ مايكل كورليوني ذروة قوته ونفوذه لكنه يواجه حربًا ضروسًا في أكثر من جهة بين عائلته المفككة وزوجته الناقمة على الوضع الذي تعيش فيه وترى وحشًا كاسرًا أمامها، وبين الخيانة التي يتعرض لها من أقرب الناس إليه وبين حربه مع العصابات الأخرى والتي جعلته يفقد الثقة فيمن حوله، وفي نفس الوقت يتم إلقاء الضوء على رحلة والده فيتو منذ بدايتها في صقلية بقرية "كورليوني"، والذي استطاع الهرب منها إلى نيويورك بالولايات المتحدة بعد أن قُتل والده ووالدته وشقيقه على أيدي أحد زعماء المافيا في القرية، وتم تسميته باسم قريته ليصبح الاسم الجديد ملازمًا له "فيتو كورليوني" ليأتي طفلًا إلى نيويورك حتى يشب رجلًا ليتصاحب مع أحد جيرانه الإيطاليين "بيتر كليمنزا"، وسرعان ما تزداد نفوذهما بعد تخلصهما من ألد أعدائهما "دون فانوتشي" لتصبح لهما السيطرة على الحي الإيطالي، ليزداد نفوذ فيتو كورليوني بمضي الوقت حتى يصل إلى ذروته بالتزامن مع وصول مايكل كورليوني إلى ذروة نفوذه هو الآخر لكن بشكل مختلف عما وصل إليه أبيه.

الجزء الأول والثاني من السلسلة جاءا مترابطان جدًا وكأنك تشاهد فيلمًا واحدًا رغم وجود الفلاش باك في الجزء الثاني، لكن هذا لم يمنع اتصالهما الفريد من نوعه، فقد كانت القصة والنص السينمائي بالإضافة إلى أداء الممثلين مترابطا متصلًا لأقصى درجة يمكن تخيلها. وقد تخلل السلسلة عدة مسميات ومشاعر وصفات كان عليها بناء السلسلة:

- العائلة : العائلة هي كل شيء، هي الملاذ الأول والأخير والولاء، والانتماء للعائلة شيء أقرب إلى كونه غريزي في هؤلاء الحفنة من الطليان، وإنكار الذات من أجل العائلة هو شيء أساسي. كل عائلة يقودها شخص يتحكم في سير الأمور في صراعها مع العائلات الأخرى. وبكل تأكيد اللغة الإيطالية جزء أساسي من تراث العائلة وإن كان نسبي بعض الشيء يزيد تارة ويقل تارة أخرى، يعتقدون أنهم طليان أمريكيين أكثر من كونهم أمريكيين طليان كما جاء في مشهد نهاية الجزء الثاني الأسطوري المهيب، الكل يعيش ويحيا ويسرق ويقتل وينتقم ويغضب ويموت من أجل العائلة، وخيانة العائلة أشد بالنسبة إليهم من إثم آدم وحواء حينما أكلا من الشجرة، فشعارهم الكل للعائلة والعائلة للكل.

- الانتقام : الفيلم كله يدور حول تلك الغريزة المزروعة في دماء الطليان، كونك جزء من عائلة مافيا فالحرب حتمًا موجودة من أجل السيطرة وإحكام القبضة وكل حرب يتبعها قتلى وخسائر في الجانبين، فكان الانتقام أحد النقاط الأساسية في الفيلم، فـ "فيتو كورليوني" لم ينس الانتقام لوالده ووالدته وشقيقه حتى بعد مضي ما يقارب العشرين عامًا، ومايكل لم ينس الانتقام لوالده وأخيه وأعداء مايكل حاولوا الانتقام منه رغم كونهم قد فشلوا.

- صراع البقاء : أن تكون جزءًا من عائلة مافيا إيطالية وترفض أنشطتهم الإجرامية لا يعني كونك في منأى عن ذلك. إعجازية الفيلم وأسطوريته تكمن في تغير شخصية "مايكل كورليوني" من بطل الحرب والرجل صاحب المبادئ والشخص الطيب في العائلة ومثار سخريتهم إلى زعيم العائلة، تحوله إلى "دون كورليوني". صراع البقاء حتم على مايكل ذلك وإلا كانت ستنتهي عائلته وتصبح مجرد ذكرى صنعها والده، تخلى مايكل عن كل شيء من أجل العائلة وأنشطتها، تخلى حتى عن نفسه بعد أن قال لحبيبته "كاي" في بداية الفيلم "هذه عائلتي لكني لست مثلهم".

- الخيانة : الخيانة هي جزء لا يتجزأ في حالة أي حرب، أيًا كان شكلها كبيرة كانت أو صغيرة، وفي صراعات عائلة كورليوني مع العائلات الأخرى ومع زعماء المافيا الآخرين، كانت الخيانة نقطة رئيسية في الفيلم.

العائلة خسرت الكثير بسبب الخيانة وتصدعت شقوق في العائلة جراء التعامل مع الخائنين فـ"فيتو كورليوني" تعرض للخيانة من أقرب مَن وثق بهم، بينما لقى "سنتياجو" مصرعه جراء خيانة أحد رجال العائلة، وكاد مايكل أن يلقى نفس المصير هو وأسرته جراء خيانة أقرب الناس إليه، أحد نقاط قوة الفيلم تكمن في مدى ذكاء فيتو ومايكل كورليوني في توقع سيناريو أعدائهم وتوقعهم أن يتعرضوا للخيانة وأحد المبادئ التي فسرت فلسفة العائلة في قوتها وسط تلك الصراعات هي "ابق أصدقائك بقربك، وابق أعدائك أكثر قربًا".

- خسارة المقربين : الجميع تجرع تلك المرارة وشرب من نفس الكأس، الجميع تأذى من فقدان شخص قريب منه بين موت أحدهم أو انفصال البعض أو بُعد أشخاص مقربين عن ذويهم لرفضهم واقع العصابات الذي يعيشونه، الجميع تذوق مرارة الخسارة خاصة مايكل كورليوني الذي ذاق جميع الأنواع بين فقدان زوجته الأولى وأشقائه ومحاولة اغتيال أسرته ثم انفصال زوجته عنه ورفض أبناءه واقع العصابات والمافيا الذي يعيشه، وبين كره شقيقته له وخيانة أقرب الناس إليه وأخيرًا بين خسارة ابنته التي كانت الطامة والقاصمة الأكبر في حياته، الجميع شرب من نفس الكأس وإن كان بشكل مختلف في كل مرة لكن يظل مايكل كورليوني الخاسر الأكبر دائمًا، وإن بدا عكس ذلك.

- الحب : الفيلم عبر رحلته يحمل أفكارًا مختلفة عن الحب حين تكون رجل عصابات، فعلاقة فيتو كورليوني مع زوجته تختلف عن علاقة مايكل بكاي كما تختلف عن علاقة فينسينت كورليوني وحبه لابنة مايكل، فمع العلاقة المتزنة التي استطاع فيتو كورليوني إبقاءها وفلسفة حياته التي كانت قائمة على أن الشخص الذي لا يخصص وقتًا لعائلته ليس برجل جيد وبين فشل مايكل كورليوني في الموازنة بين عمله وبين زوجته وأسرته والتي أدت إلى انفصالها عنه في النهاية وعدم رغبتها في الإنجاب منه مرة أخرى لأنها كرهت الحياة التي يعيشونها، وبين فينيسنت كورليوني الذي عرف مخاطر عمله فآثر الابتعاد عن صوفيا حتى لا يورطها معه.

- الندم : كل تلك المشاعر المتباينة والخسارات المتتالية يجب أن تحمل بين طياتها الندم، والسؤال الحتمي، ماذا لو لم أكن رجل عصابات! هل لم أكن لأشعر بذلك أو أخسر ذاك، الكل شعر بالندم خاصةً مايكل كورليوني الذي تجرع مرارة ندمه من قتله أقرب الناس خاصة شقيقه الذي ظل إثم فعلته ملاصقًا له.

- العائلة مرة أخرى : مشهد المحاكمة يبين لك مدى أثر العائلة في حياة المافيا الإيطالية، العائلة مرة أخرى قبل أي شيء، العائلة هي الوطن والملاذ الأول والأخير للجميع والتي تقوم على فلسفة "لا تكن يومًا ضد العائلة وإلا ستصبح ملعونا من نفسك قبل الآخرين".

العظماء الثلاث

ربما كان الاتفاق على هؤلاء الثلاثة كونهم أعظم من أنجبت هوليوود، مارلون براندو و آل باتشينو و روبرت دي نيرو هو أمر غير مثير للتعجب والاستغراب، فكيف إذا اجتمعوا معًا فبكل تأكيد لن يخرج الأمر عن تقديمهم أعظم ملحمة سينمائية في التاريخ.

بين مارلون براندو وروبرت دي نيرو في أدائهم لشخصية "فيتو كورليوني" لم يشعر المشاهد أبدًا أنهما شخصان مختلفان، فأنت لن تستطيع أن تحدد إذا ما كان دي نيرو امتدادًا لمارلون أم أن مارلون كان امتدادًا لـ"دي نيرو"، لذلك كانت هذه الشخصية هي الوحيدة حتى الآن التي حصدت أوسكار لشخصين مختلفين على أدائهما لها.

بينما آل باتشينو قدم أعظم أدواره على الإطلاق، ومن الظلم أنه لم ينل أوسكار عن أداءه في الفيلم.. وبينما كان مارلون يحصد أوسكاره الثاني في مسيرته كان آل وروبرت في بداية مسيرتهما الفنية والتي ستكتب بماء من ذهب بعد ما يقارب الـ 40 عامًا، لا أدري هل كان اختيارهما مجرد صدفة أم إلهام رباني نزل على فرانسيس فورد كوبولا، مخرج الفيلم.

العراب، هو فيلم متكامل بجميع تفاصيله وأحداثه، امتلك نصًا قويًا من أجود وأمتن ما يكون، حمل بين طياته جملًا تاريخية وخالدة عبرت عن قصة متميزة متكاملة، وموسيقى خرافية، ومخرج استطاع تقديم كل شيء على صورته المثالية وكان محظوظًا أن اجتمع بين يديه أعظم ثلاث ممثلين في التاريخ بالإضافة إلى أداء فني من طاقم عمل قدم أفضل ما في جعبته في تلك الثلاثية الخالدة.

الجزء الأول من إنتاج عام 1972 وحصد 3 جوائز أوسكار من بينها أفضل فيلم وأفضل ممثل لمارلون براندو، وهو مصنف كونه ثان أفضل فيلم في التاريخ بعد The Shawshank Redemption.

الجزء الثاني من إنتاج عام 1974 وحصد 6 جوائز أوسكار من بينها أفضل فيلم وأفضل ممثل مساعد لروبرت دي نيرو وهو مصنف أيضًا كونه ثالث أفضل فيلم في التاريخ.



تعليقات