The Martian: "أنا رائد فضاء وحيد... وحيد"

  • مقال
  • 01:07 مساءً - 16 اكتوبر 2015
  • 1 صورة



ملصق فيلم The Martian

فيلم عن الفضاء؟ مرة أخرى؟ مات ديمون ضائع في الفضاء مجددًا ويحاول النجاة؟ ريدلي سكوت هو مخرج الفيلم؟ هل سيكون فيلمًا جيدًا على شاكلة Gravity أم سيكون كابوسًا محققًا مثل Interstellar (على الأساس أنهما من أحدث الأفلام التي غزت الفضاء أيضًا)؟

أراهن بشكل كبير أن الكثير من المشاهدين كانوا يفكرون بكل هذه الأسئلة والهواجس السابقة خلال ترقبهم لما سيكون عليه حال آخر فيلم للمخرج ريدلي سكوت The Martian، وكان هذا هو حالي كذلك، ويعود جزء كبير من هذا القلق بسبب عدم توفيق سكوت فنيًا في عدد كبير من تجاربه السينمائية السابقة، والتي قد أحيط بعضها إما بمديح نقدي مبالغ به أو بهجوم شرس عليه.

كما يزداد القلق أكثر وأكثر لكون الفيلم مستوحى من رواية خيال علمي فائقة النجاح والانتشار للكاتب آندى واير، والتي بدأ في الأصل نشرها مسلسلة عبر موقعه الرسمي مجانًا، ثم سرعان ما قام بنشرها إلكترونيًا عبر منصة أمازون كيندل للنشر الالكتروني، لتقفز الرواية بسرعة فائقة إلى قائمة الأعلى مبيعًا عبر الموقع الشهير، وهو الأمر الذي شجع لاحقًا على إعادة نشرها مرة أخرى ورقيًا وسماعيًا.

يعود نجاح رواية آندي واير الهائل وحب القراء لها بفضل عمله الكبير والدؤوب ليكون كل شيء يحدث فيها دقيق علميًا وحقيقًيا لأبعد حد حتى توقيت نشر الرواية وليس من درب الخيال، وذلك بصرف النظر عن إعلان وكالة ناسا الأمريكية في نهاية شهر سبتمبر عن اكتشافها وجود مياه على كوكب المريخ قبل طرح الفيلم بأيام قلائل، وبفضل ضخه لكل هذه الجرعة العلمية المكثفة في مغامرة مثيرة تتلامس مع أقرب غريزة للنفس البشرية: البقاء.

وعلى الرغم من عدم قراءتي للرواية حتى الآن، إلا أنني قد شعرت بحدسي الداخلي خلال مشاهدة الفيلم أن مهمة نقل الرواية للسينما قد تمت على ما يرام، وربما يكون هذا شيء تشعر به عندما تقرأ بشكل مكثف في الأدب لتدرك كنهه، ويجعلك قادرًا على التمييز بشكل كبير ما إذا كان هذا الاقتباس سيئًا أم حسنًا خاصة مع فهم طبيعتي الوسيط السينمائي والوسيط الأدبي، وهى مشاعر راودتني خلال مشاهدات سابقة لم أكن قد قرأت أصلها الأدبي قبل المشاهدة مثل فيلم Eat, Pray, Love الذي كان بالغ السوء من الناحية الاقتباسية.

كانت العقبة الأكبر التي نجح الفيلم في تفاديها هي عدم تحول الحقائق العلمية التي تذخر بها الرواية وتستند عليها إلى شيء تعليمي رتيب، ففكرة مشاركة رائد الفضاء مارك واتني (مات ديمون) لتجاربه ويومياته على كوكب المريخ عن طريق تسجيلها بالفيديو موفقة جدًا، فبها يخلق مارك لنفسه شيئًا مع المؤانسة في وحدته المفروضة عليه قهرًا في كوكب غير ملائم للعيش، ويتجاذب بها أطراف الحديث لكي لا يصاب بالجنون، ويحكي عبرها كل ما يجربه ليظل على قيد الحياة، ولنظل على وعى بكافة تفاصيل التجربة

لا يحول الفيلم مشكلة بطله إلى تراجيديا صارخة حتى مع كون الفيلم ذو تأثير عاطفي قوي خاصة في خواتيمه، إلا أنه كان من الجميل أن نلمس حس السخرية والفكاهة التي تغلف الكثير من أحداث الفيلم حتى تكاد تتحول إلى كوميديا بحتة في أحيان كثيرة، فهى تتسق بشكل كبير مع الحالة النفسية لمارك واتني ورفاقه في السفينة الفضائية ولموظفي وكالة ناسا، فالكل هنا في حالة مفارقة لما عهدوه قبلًا وعليهم أن يتعاملوا مع هذا الوضع الصعب حتى ولو بحيلة دفاعية بسيطة وهى السخرية إزاء ظرف فارق وعصيب، خاصة مع اللجوء المستمر إلى الحلول غير التقليدية لحالة كهذه.

ولا يضع الفيلم مبررًا إضافيًا لمحاولة البطل النجاة بحياته سوى الدافع الغريزي للبقاء، فنحن طوال الفيلم لا نعلم أي شيء عن حياته الشخصية أو ما إذا كان حتى في علاقة عاطفية أم لا، بل لا نعلم عنه تقريبًا إلا ما نراه، فالفيلم لا يريد أن يحمل سبب محاولة البقاء على أي عامل آخر سوى الغريزة البشرية نفسها، فهو لا يريد أن يبعدنا عن هذه الخاطرة في ذهننا وأن نتعلق بعامل آخر قد لا يكون بنفس الالحاح.

لقد نجح المخرج ريدلي سكوت هذه المرة في مهمته بشكل لافت بعد عدد كبير من الاخفاقات المسبقة، فهو يحافظ طوال الوقت على درجة دقيقة من التوازن الدرامي بين خط مارك واتني الرئيسي وبين خطي وكالة ناسا وخط سفينة الفضاء بقيادة ميليسا لويس ( جيسيكا تشاستين) لكي تصب جميعها في نفس الإناء، ولا أحتاج ان أذكركم مثلًا كم كان Kingdom Of Heaven كارثيًا بكل المقاييس في توجيه نصه السينمائي.

كما يوفق سكوت كذلك في توظيف مات ديمون - وأقول توظيف وليس توجيه - في الدور الرئيسي، فمات ديمون عامة ليس من الممثلين ذوى القدرات الفائقة وربما لا يتلائم سوى مع نوعيات محددة من الشخصيات بسبب حيادية ملامحه الشديدة بما يلائم كثيرًا شخصية واتني التي يتوجب عليها الحفاظ على رباطة جأشها برغم صعوبة الظرف وقسوته الشديدة، وبجانب اختيار مات ديمون، فان اختيارات الممثلين المساعدين قد نجحت في موازنة كفة الاداءات.

لكن في الوقت ذاته لا أعلم سبب إصرار سكوت على التعامل مع الموسيقار هاري جريجسون ويليامز، فموسيقاه لا تفلح أبدًا في دفع الشحنة المطلوبة التي كانت تحتاجها الأحداث، وهنا راودتني فكرة شريرة: ماذا لو استبدلنا موسيقى هذا الفيلم بموسيقى فيلم Interstellar ل هانز زيمر، وبذلك نكون أضفنا للأـThe Martian ميزة إضافية تضاف إلى مميزاته، بينما نسلب من الفيلم الآخر واحدة من حسناته القليلة جدًا لنكسبها في صفنا.

وصلات



تعليقات