Magical Girl.. بازل يكتمل رويدًا رويدًا

  • مقال
  • 09:23 مساءً - 26 نوفمبر 2015
  • 1 صورة



ملصق فيلم (Magical Girl)

في أولى أيام بانوراما الفيلم الأوروبي وضمن قسم الأفلام الأوروبية، عُرض الفيلم الإسباني Magical Girl للكاتب والمخرج كارلوس فيرموت في ثاني أفلامه الطويلة في مسيرته السينمائية الناشئة، والذي يستعرض من خلاله قدرته الفائقة على القص من خلال عمله الاستثنائي هذا.

عندما ننظر للفيلم، فسوف نجد أنه يمتلك نفس نقطة البداية ونفس نقطة النهاية بين المدرس المتقاعد داميان وبين تلميذته الأثيرة باربرا " خوسيه سكاريستان و مارينا أندروكس"، لكنه بين هذين النقطتين لا يسير أبدًا على خط مستقيم حكائيًا، بل تتحول إلى خط متلوي كالثعبان يتجه يمينًا ويسارًا، لكنه في الوقت ذاته لا ينحرف عن مساره الحكائي ويحافظ على حجم التشويق الكبير في هذه الحكاية المركبة التي تدور بين ثلاث شخصيات رئيسية.

الأمر يشبه تمامًا لعبة البازل التي يهواها داميان ويمارسها خلال اﻷحداث، لن تكون قادرًا على رؤية الصورة كاملة إلا إذا شرعت في اللعب بنفسك وبدأت في جذب القطع المتناثرة لتكمل بها الصورة، حتى تلك القطع التي لا تعرف أين موقعها الحقيقي بالضبط في الصورة، إنه الأمر الذي لا يحتاج فقط إلى صانع أفلام مثابر وقادر على إكمال حكايته بكفاءة حتى النهاية بدون اللجوء لحلول درامية عرجاء، بل الأهم إلى مشاهد صبور عليه أن يعرف كل شيء في الوقت الذي يجب أن يعرفه فيه وليس قبل ذلك.

قد تتعجب في البداية من طريقة سير الفيلم من حيث تنقله بين أحداث مختلفة قد يبدو في بدء اﻷمر أنها لا تمت بصلة لبعضها البعض خاصة عندما ينتهي تتابع محاولة سرقة محل المجوهرات لندخل إلى تتابع آخر لا علاقة به، لكنك سرعان ما ستعجب بطريقة كارلوس فيرموت الخبيثة في تعشيق هذه اﻷحداث مع بعضها البعض في الوقت المناسب، خاصة عندما يعود بنا لنفس النقطة التي أوقفنا عندها كارلوس ليواصل القصة من جديد ويعيد الكرة ثانية مع ظهور داميان في الصورة، وهكذا يكرر اللعبة معنا جيئة وذهابًا محافظًا على حجم الإثارة الكبيرة في الحكاية.

فوق ذلك، يعول كارلوس فيرموت كثيرًا على مشاهده، بل لا نبالغ في القول بإنه يختار مشاهده بعناية، إنه المشاهد القادر على استقراء ما يدور في ذهن فيرموت وهو يصنع كل مشهد بدون أن يخبره كل شيء، فهو لا يحتاج أن يخبرك بأن اﻷب عاطل عن العمل، ولا أن باربرا تعاني من مشاكل نفسية جسيمة ولها ميول جنسية مازوخية، ولا يحتاج ﻷن يثرثر كثيرًا عن ماضيها قبل الزواج مع السيدة التي كانت تعمل لحسابها. كل شيء يترجمه فيرموت هنا مباشرة في هيئة أفعال وليس عبر سرد رتيب.

ما يهم فيرموت كثيرًا في القصة ليس ما يفعله الشخص في حد ذاته، بل أثره المباشر عليه أو النتيجة النهائية، وهو شيء أكثر بلاغة في التأثير، فنحن لم نر بأعيننا ما الذي حدث لباربرا في غرفة السحلية السوداء بالضبط رغم أننا نعرف طبيعة مهام باربرا التي تخضع فيها لتجارب جنسية بالغة السادية، لكن ظهورها في المستشفى وجسدها ملفوف بالكامل باﻷربطة والشاش يعطينا فكرة عن حجم العنف السادي الذي عرّضت نفسها له، كما لم نشاهد اللقاء الجنسي الذي وقع بين باربرا واﻷب، لكن ما يهم أكثر هو أثره على علاقة تشكلت بين طرفين بالكاد يعرفان بعضهما البعض.

لكن السؤال الفعلي الذي يطرحه الفيلم في كل علاقاته المتشكلة هو "ما هو المدى الذي قد نصل إليه في سبيل من نحب بناء على عاطفتنا نحوهم؟"، وعاطفة الحب لا يشترط أن تكون علاقة رومانسية، فقد تكون علاقة أبوية بحتة، أو علاقة حب أفلاطوني، فكل أبطال الفيلم الرئيسيين مدفوعون بعواطفهم، لكنهم في الوقت ذاته يواجهون عذابًا مقيمًا من التفكير في أخلاقية ما يفعلونه، فقد رأينا ﻷي مدى قد يذهب اﻷب لتحقيق أمنية ابنته المصابة باللوكيميا، وﻷي مدى قد يفعل من خلاله داميان أي شيء لحماية فتاته اﻷثيرة منذ أيام الدراسة، وﻷي مدى قد توغل باربرا في تجاربها المازوخية في سبيل عدم انهيار حياتها الزوجية.

Magical Girl من المفاجأت السارة وغير المتوقعة في بانوراما هذا العام، حتى بالرغم من كوني لم أشاهد لنفس المخرج فيلمه السابق، إلا أنني سأحرص على مشاهدته في أسرع وقت، خاصة لما لمسته من امتلاك كامل لناصية القص وكيفية تقديم الحكاية لمن يشاهدها.



تعليقات