The Man who defended Gavrilo Princip.. فلتأخد العدالة مجراها

  • مقال
  • 06:11 مساءً - 27 نوفمبر 2015
  • 1 صورة



The Man Who Defended Gavrilo Princip

"في غياب العدالة، سيادة الدولة ماهي إلا سرقة منظمة"
سان أوجستين

التاريخ مليء بالأحداث، لكنه في بعض الأحيان قد يفتقد للدراما والتشويق عندما يقدمه المؤرخ دون صورة أو توصيف، ربما لأن الخيال ليس عنصرًا مُكونًا للأحداث. أما السينما، فالدراما فيها هي المكون الأساسي، والصورة هي الوسيط الذي يتحدث مع المتلقي.

فلو كان التاريخ هو محور الأحداث، تشعر أثناء الفيلم أنك أكثر إنخراطًا في الأحداث وقادرًا على تخيلها مع تتابع لقطات الشريط السينمائي.

البلقان، هذه المنطقة الجغرافية الواقعة في جنوب شرق القارة الأوروبية. شبه جزيرة يجتمع بين حدودها العديد من الأعراق.. سلافيون (1)، ألبان (2)، بوسنيون (3)، يوغوسلافيون (4).

أشكال مختلفة للقمع والاحتلال عانتها هذه المنطقة، فاحتلال الأتراك للمنطقة لسنوات تقرب من الخمسمئة، خلّف الكثير من الآثار السلبية بين المسلمين والمسيحيين. كذلك التناحر بين دول منطقة البلقان، أدى لتفسخ المنطقة بشكل أو بأخر. ثم حُكم نمساوي مجري أسفر عن اندلاع حرب عالمية راح ضحيتها قرابة الــ 9 مليون قتيل (5).

The Man Who Defended Gavrilo Princip، فيلم عن الحرب العالمية الأولى والشاب الذي قتل ولي عهد النمسا، والمحامي الذي قام بالدفاع عن المتهمين في القضية.

لم يتطرق الفيلم إلى تفاصيل الحرب العالمية الأولى الكثيرة والمرهقة لقارئ التاريخ أو المُشاهِد، لأن الصراعات كانت مُعقدة للغاية ومُسيَّسة إلى أقصى درجة. لكن المخرج نجح في مشاهد عدة من خلال جمل بسيطة أن يقوم بطرح ذلك الصراع بين العرقيات العديدة داخل المنطقة، سواء على مستوى الدين أو السياسة أو الأيديولوجيا.

فمسألة الدولة القومية في أوروبا التي نتجت عقب صلح وستفاليا عام 1648 أفرزت روابط قومية لدى العديد من الجماعات من بينها الرابطة العرقية، وعلى مدار القرون المتعاقبة ازدادت هذه الروابط، فصار حُلمـًا لدى اليوغسلاف مثلًا أن يكونوا دولة قومية موحَّدة دون اعتبار للدين أو الإثنية. وهذا الحلم ما حاول الفيلم أن يبرزه. كما طرح الفيلم قضية الاحتلال النمساوي المجري لمناطق من البلقان (6)، وحلم السلافيين لتكوين دولة مُوحَدة و مُوحِدة تنصهر فيها كل العرقيات.

ربما تكون قضية غير جديدة، قضية المُحتل وصاحب الأرض، لكنها تأتي هذه المرة من منطقة جغرافية قد لا نعلم عنها الكثير. العدالة كانت هي الفكرة الأساسية التي يدور حولها الفيلم.. عدالة القانون، أم عدالة السياسة، أم عدالة القضية.

فالمُحتل يرى نفسه عادلاً في تعامله مع مَن يهددون مصالحه، في حين أن أهل البلد يرون العدالة تأتي في المقاومة، أما عدالة القانون التي يجب أن تكون عمياء، تتأثر أحيانــًا بعدالة السياسة المُعوجة!

داخل السجن العسكري، نتعرض خلال أحداث الفيلم للشخصية الأساسية التي تروي الحكاية، وهي شخصية "رودلف زسلر" الذي قال في مرافعته للدفاع عن عدد من المتهمين في قضية اغتيال ولي عهد النمسا والمجر فرانز فرديناند وزوجته الدوقة صوفي: "لا يجب أن نغض النظر عن الحقيقة بأن هذه المحاكمة تاريخية، فعيون العالم سوف تنظر إلى هذه المحكمة اليوم، منتظرين الحكم الذي سيُنطق في هذه القاعة. الأجيال القادمة والمؤرخون سوف يتحدثون عن هذه المحاكمة، لذلك يجب ألا تكون هذه الأحكام قاسية، بل يجب أن تكون عادلة؛ كي تبقى صفحة ناصعة في تاريخ القانون والحضارة" (7).

يحكي زسلر خلال الفيلم رؤيته للتجربة في البوسنة، ورؤيته للحياة هناك، وعلاقته برجال القانون في مدينة سراييفو، وصورة أحد رجال التحقيقات من جهاز الشرطة، المُهتَم بصورة المُتهَمين أكثر من التحقيق معهم. ففي أحد المشاهد يتحدث هذا المُحقق عن أهمية الصورة الفوتوغرافية التي تعتبر أقوى من السلاح و أرخص ثمـنًا من الرصاصة. فتصوير هؤلاء المجرمين وقد نبتت لحيتهم، وتحولوا لوحوش يخاف منهم الجماهير، سيكون أكثر تأثيرًا من أي إتهام، وعليه لن يُظهِر الناس في الشارع أي تعاطف معهم حالما شُنقوا.

"زسلر" البطل الأساسي في الفيلم، شخصيته تبدو حادة للبعض؛ لأنه رجل يؤمن بالقانون، ويرى أن الجميع متساوون عندما يدافع عنهم، سواء كانوا صرب مسيحيين أو بوشناق مسلمين. و رغم أن اسمه يوضح أنه لا ينتمي لمنطقة البلقان، فهو نمساوي الجنسية، ووفقًا لرؤية المحكمة فإنه لن يتعاطف مع المتهمين وسينحاز ضدهم، إلا أنه لم يفعل ذلك.

الفيلم يأخذ خطـًا دراميًا موازيًا لخط قاعة المحكمة والمتهمين والقضية، خط رومانسي وسط هذه الأجواء المشحونة بالاغتيال والحرب وعفن السياسة، علاقة إنسانية بين المحامي زسلر وزوجة أحد المتهمين الذي يعمل مُدرسًا، ويؤمن بقضية الوحدة بين اليوغسلافيين. هذا المتهم حُكِم عليه بالإعدام شنقـًا في نهاية الفيلم، لكن الفيلم حاول الاقتراب من هذه العلاقة الثلاثية.

فالمرأة التي تتوجس في البداية من المحامي لأنه نمساوي الجنسية يزداد احترامها له بمرور الوقت عندما يحاول أن يخبرها عن أحوال زوجها في السجن، ومن خلال موهبة زسلر في الرسم، يقوم برسم الزوجة وطفلتها من أجل أن يرسلها للزوج داخل السجن. أما الزوج فيرى في زسلر رجلاً شريفـًا، و تمنَّى للحظة لو أن رجلاً مثله يكون شريكـًا لزوجته بعد إعدامه.

أما زسلر فهو رجل يحكمه الانضباط ويحركه الشرف، لذلك تشعر خلال هذه الحكاية أنها لا تثير بداخلك هذه الأحاسيس المتعلقة بالخيانة مثلاً أو الكراهية. كما أن هذه القصة جعلت للفيلم شخصية واضحة، علاقة إنسانية متشابكة تتشبث بالأمل والحب والعدل.

تعرض الفيلم للثغرات القانونية في المحاكمة، فقد وُجهت تهمة الخيانة العظمى لكل المتورطين في جريمة القتل، إلا أن زسلر حاول في دفاعه أن يؤكد أن الخيانة العظمى غير جائزة قانونًا، لأن البوسنة التي وقعت فيها أحداث القضية وواقعة الاغتيال لم تكن جزءًا من امبراطورية النمسا والمجر بشكل قانوني. فبالرغم من ضم الامبراطورية النمساوية-المجرية لهذه المنطقة الجغرافية المحدودة، إلا أن السيادة القانونية كانت للدولة العثمانية، وبالتالي فالاتهام الموجه بالخيانة العظمي غير منطقي.

بالطبع الأحكام كانت قاسية للغاية وقتها، فقد حُكم على من تخطوا العشرين عامــًا بالإعدام شنقــًا، أما من هم دون العشرين فقد صدرت ضدهم أحكام تتراوح ما بين العشرين عامــًا من السجن المشدد والعشر سنوات.

جافريلو برينسب: أنا لستُ مُجرِماً، لأنني تخلصت من الشر، أعتقد أني شخص جيد.
القاضي: وماذا عنها؟ الدوقة صوفي؟
جافريلو: لم أرغب في قتلها، لقد حدث ذلك بالخطأ.
القاضي: إذًا أنت لا ترى نفسك مذنـبًا؟
جافريلو: لا

الفيلم عنوانه يدور عن رجلين، رودلف زسلر المحامي وجافريلو برنسيب المتهم الأول في اغتيال ولي عهد النمسا، إلا أن شخصية جافريلو في الفيلم لم تكن عنصرًا أساسيًا في السيناريو، فقد مر الفيلم على شخصية برنسيب بشكل وجيز، ودفاعه عن قضيته الوطنية خلال المحاكمة. وعلى الرغم من أننا لم نعرف الكثير عن شخصية الشاب برنسيب، إلا أن الممثل قد قام بدور بارع من خلال التركيز على نظرات عينيه الحادة، وكلماته الصارمة المقتضبة.

لقد خالف المخرج وسيناريست الفيلم توقعاتي الشخصية حول خط السير الفيلم، ربما لأن العنوان يرشدك لطريق درامي ما، لكنك تذهب إلى حكاية أخرى. لا أعلم إذا كان هذا نقطة ضعف أم قوة للفيلم، لكنه في النهاية وصل بالمشاهد إلى الرسالة المطلوبة.

رُغم طول الفيلم إلى حد ما، إذ يتخطى الساعتين ونصف، إلا أن الملل لا ينتاب المشاهد. ورغم هدوء الأحداث فهي لا تقترب من الحرب بأي شكل على مستوى الصورة، إلا أن الدراما لا تتوقف، والصورة دائمـًا جيدة، ربما نظرًا لطبيعة البلقان الجغرافية الخلابة.

كذلك فقد نجح مصممو الملابس في نقل روح هذه الفترة الزمنية، فترى التنوع الواضح في ملابس سكان سراييفو ما بين الزي التقليدي، أو الأزياء التركية أو الأثواب الأوروبية الحديثة. الموسيقى كذلك كانت مميزة للغاية وتربطك بالحدث، فمثلًا في المشهد الأخير الذي يتحرك فيه المتهمون بعد إصدار الحكم، يتعالى وتر الموسيقى التصويرية بشكل يصيبك بالتوحد مع المشهد وأبطاله، فترى في صورة المتهمين أبطالًا لا قتلة!

ختامًا، تُعتبر سينما البلقان بعيدة عن قوائم الاهتمام عند المشاهد العربي بشكل عام، ربما لأنها ليست قادرة على ترويج نفسها، وبالطبع نظرًا لطغيان سينما هوليوود على قاعات العرض، كذلك الانفصال الثقافي عن هذه المنطقة لا يجعل السينما الخاصة بها جاذبة للجمهور المصري أو العربي. إلا أن المثير في تجربة سينما البلقان وبالتحديد التجربة اليوغسلافية أنها كانت تجربة متميزة للغاية في فترة الستينات من القرن الماضي، حيث تم إنتاج العديد من الأعمال الجيدة وصُور عددًا من الأفلام العالمية خلال عقدي السبعينات والثمانينات هناك مثل فيلم Sophie’s Choice وFiddler on the Roof، كذلك قام عدد من نجوم السينما العالميين بصناعة أفلام في الاتحاد اليوغسلافي مثل ريتشارد بيرتون و كلينت إيستوود.

إلا أن الحرب قطعت أوصال الاتحاد، وأدَّى تفكُّكه مع بداية التسعينات لتراجع دور السينما. مع الألفية الجديدة وعودة الاستقرار إلى دول هذه المنطقة حاولت السينما التعافي وتقديم تجارب سواء عن مرحلة ما بعد الحرب أو قضايا حياتية يومية (8).

فيلم The Man who defended Garvilo Princip مُستوحى من أحداث تاريخية وثقها رودلف زسلر في كتابه How I came to defend Princip and the others عام 1937، وأُنتج عام 2014 من إخراج البوسني سرديان كوليفيتش. وخلال الأيام القادمة في عمر بانوراما الفيلم الأوروبي بالقاهرة، يُعرَض أربعة أفلام أخرى في قائمة سينما البلقان ما بين الروائي والوثائقي.

(1) عرق يمتد تاريخه إلى القرن السادس الميلادي، ينتشرون جغرافيًا في العديد من الدول الأوروبية مثل روسيا، صربيا، أوكرانيا، التشيك، بولندا، كرواتيا، بيلاروسيا، البوسنة، سلوفينيا، مقدونيا، مونتنجرو.

(2) مجموعة عرقية تقطن بالأساس دولة ألبانيا، وكوسوفا المستقلة حديثًا. وغالبية سكانها مسلمون.

(3) بوشناق هي جماعة عرقية تعيش في شبه جزيرة البلقان، وتتركز في البوسنة والهرسك وبعض المناطق في صربيا ومونتنجرو، كرواتيا وكوسوفا. غالبية البوسنين مسلمون منذ القرن السادس عشر، في حين أن الصرب مسيحيون أورثوذكس.

(4) اليوغسلافيون هو مجموعة المواطنين القاطنين في منطقة جنوب شرق أوروبا، وكانوا يحلمون بدولة موحدة، وهم يسكنون دول: البوسنة والهرسك، وصربيا، ومونتنجرو، سلوفينيا، مقدونيا، كرواتيا. اليوغسلافيون يرون أنفسهم يوغسلافيين فقط دون أي إحالة لتصنيف عرقي، و هذا ما يوضح الفرق بينهم و بين السلافيين بشكل كبير. و قد تكونت المملكة اليوجسلافية عام 1918، ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية وبروز شخصية جوزيف توتو، تحولت يوغسلافيا بعد انتهاء الحرب إلى إتحاد اشتراكي يضم الدول السابق ذكرها، إلا أن هذا الاتحاد تفكك بعد ذلك عام 1991 ونتج عن ذلك حروب دامية منها حرب البوسنة والهرسك عام 1992.

(5) الحرب العالمية الأولى اندلعت عام 1914 بعد مقتل ولي عهد النمسا والمجر فرانز فردناند واستمرت حتى عام 1918: link

(6) بعد هزيمة العثمانيين من الروس في النصف الثاني من القرن التاسع عشر فيما يعرف باسم الحرب الروسية العثمانية، استقلت صربيا عن الدولة العثمانية 1877، في حين وقعت باقي المناطق التابعة للدولة العثمانية تحت حكم فعلي لإمبراطورية النمسا والمجر وفق إتفاقية برلين 1878. واستمر الحكم النمساوي المجري لهذه المناطق حتى انهارت الإمبراطورية مع نهاية الحرب العالمية الأولى.

(7) link

(8) http://www.nytimes.com/2011/12/29/arts/29iht-balkanfilm29.html?\_r=0



تعليقات