الأفلام الـ10 الافضل في الالفية الجديدة 2 :لغة الصورة في سينما يسري نصر الله تطغى علي لغة الحوار

  • مقال
  • 04:55 مساءً - 23 اكتوبر 2010
  • 1 صورة



عمرو واكد

فيلم جنينة الاسماك ينطبق عليه مصطلح فيلم مهرجانات وليس فيلماَ جماهيرياً كما هو شائع بين الاعمال التي يقدمها مخرجون مختلفون في أفكارهم وتطلعاتهم لتقديم صورة فريدة للسينما المصرية تختلف عما هو سائد , جنينة الأسماك فيلم مليء بالقضايا والأحداث المعاصرة , ولا أحد يستطيع أن ينكر بأن المخرج وكاتب السيناريو قد جمعا معاً صوراً لا بأس بها من المشاكل سواء البارزة في حياة المواطن المصري أو المشاكل المستترة داخل نفسه الإنسانية .
لقد حقق المخرج وكاتب السيناريو نجاح في اعادة بث هذه المشاكل بشكل مختلف وطريقة ساحرة مبتكرة غير تقليدية من خلال الصورة والحوار , كان الحوار فيها من أهم العناصر التي وظفها المخرج الي جانب الصورة لتوصيل فكرته, ولكن سطوة المشاهد ولغة الموسيقي التصويرية فرضت جمال اكبر من لغة الحوار ولكنها وإن يصح فيها القول أن الأداء التعبيري والحركي للكاميرا خلقت ربما مصطلحات جديدة لقواعد التصوير السينمائي , فلو نزعنا شريط الصوت الخاص بحوار الشخصيات وعوضنا عنه بالموسيقي التصويرية فقط بجانب اللغة التعبيرية , لوصلنا الي أقصي درجة للاستمتاع بهذا الفيلم .
ونعود إلي ملامح الشخصيات التي أنهكتها إنفعالات كثيرة في مدة قصيرة جداً هي مدة عرض الفيلم , فمن الحزن الي الفرح ومن الضجر الي السخرية والخوف واليأس والهروب ألخ .. كلها مشاعر إختلطت عند الشخصيات المتعددة للمؤلف وكأنهم واقفون علي مسرح يلعبون شخصيات متعددة في لحظات محدودة , في صورة أشبه ما يكون إلي مخاطبة الذات وخصوصاً في المشاهد التي قدمها الممثلون وكأنهم ليسوا أمام كاميرا بل مرأه النفس .
تبوح كل شخصية بما يخالجها , وإن كانت بعض الشخصيات تحتال علي هذه المرأه بالكذب , لكنها تعكس علي وجوههم صدق ما بداخلهم من احاسيس معاكسه لحديثهم , فجميع شخصيات الفيلم دون إستثناء يكذبون علي أنفسهم وبالطبع علي من حولهم , يستترون داخل رداء الصمت المطبق والإنفلات من مواجهة أنفسهم , فنري المذيعة الإذاعية ليلي بكر التي قامت بدورها الرائعة هند صبري , وها هي نفسها المرأة المقنعة بقناع الصمت الداخلي , تخلع قناعها صباحاً لترتدي الأخر مسائاً
إمرأه ذات مشاعر مضطربة قوتها المبالغ فيها تنبع من ضعف شديد وخوف وحرمان يسيطر عليها , فتاة متوسطة الجمال وقد تجاوزت الثلاثين من العمر ولم تتزوج بعد لسبب نجهله , والجميع من أصدقائها يدركوا جيدا علاقتها بإحدي الرجال الكبار في السن والسلطة , لكنها لطالما كانت تؤكد أن شكل العلاقة بينهما لم تتجاوز الصداقة .
تلك العلاقة التي تسمح له بملامستها وهو بجوار زوجته , فهو يمثل مفتاح الأمان بالنسبة لشخصية ليلي , بإمتلاكة للقوة والنفوذ , فمن هنا تنبع قوة ليلي التي تستمدها من التقرب منه , في الوقت نفسه الذي نراها فيه تضعف للحظات وهي تحاول أن تشعر أنها إمراه تبحث عن حب .
أما يوسف دكتور التخدير الذي يؤدي دوره عمرو واكد , كل هوايته في الحياة الإستمتاع بسماع اعترافات المرضي اثناء خضوعهم لعملية التخدير قبل إجراء أي جراحة لهم , ومن ثم الطواف بسيارته ليل نهار حول جنينة الاسماك , هذا العالم الخفي الذي يحوي الكثير من الاسرار بداخله
هذه الحياة التي يفيض بها احساس الدكتور يوسف الفضولي للتسلل اليها وإفراغ محتواها أمام بصره , ظلام يقترب منه يوسف تدريجياً عندما يقترب للمرة الأولي ويخترق عالم الاسماك , يتجسد له هذا الظلام في الغرائز التي تطفح بها كهوف الجنينة وتكسر حوض السمك بداخلها
الوصول الي كهف الجنينة وممارسة الرزيلة بداخلة مجرد نتيجة لأسباب عديدة يبرز لنا المخرج بعضها خارج الجنينة , في شوارع القاهرة المختلفة , المليئة بالفقر والتمرد والعصيان والجهل والفساد والمرض والوحشية في المعاملة والبطالة , كلها مشاعر إختلطت معانيها عند جيل الشباب الذي يعتبر الجمهور الأول لجنينة الاسماك , كل هذه الاسباب وربما المزيد منها أدخلت هذا الجيل الي جنينة الاسماك والتسكع ليلا علي الطرقات وبداخل السيارات والقوارب الليلية , اما بحثاً عن حل أو هروباً منه .
المخرج يسري نصر الله عودنا دائماً في تقديمه لأي عمل سينمائي علي الغريب, أن يبقي المشاهد متيقظاً في مقعده طوال عرض الفيلم , هو من المراتب الاولي في نجاح صانع العمل .
نشهد احيانا تجارب كثيرة لعديد من المخرجين يحاولون فيها التودد لنوع معين من الجمهور أو بالتحديد لجيل الشباب الأكثر متابعة لجديد السينما , وذلك إما بإختيار الطرق الأسهل وصولاً لذهن المتلقي أو بالطرق المحببة له سواء بالكوميديا أو العنف أو الإثارة , لإيصال هدف أو فكرة العمل الفني, تلك الطرق التي باتت أكثر الطرق استسهالا لجيل الشباب .
فعلي سبيل المثال ناصر عبدالرحمن مؤلف هذا الفيلم جنينة الاسماك , هو أيضا مؤلف فيلم حين ميسره وإن كان الفارق بين الاثنين ان المخرج يسري نصر الله اشترك معه في كتابة السيناريو هذه المره , فالاصل يبقي محفوظ لناصر , الذي طرح نفس هذه المشاكل في عملين سابقين له هما فيلمي الغابة وحين ميسرة , إلا أن كل عمل منهم قٌدم برؤية وصورة مختلفة عن الأخر , وهذا الإختلاف يعتمد علي رؤية مخرجي هذه الأعمال وهذا أمر لا جدال فيه وهو ان كل مخرج صاحب رؤية خاصة عند صياغتة للعمل السينمائي , ولكن اذا كنا نتحدث عن كاتب واحد لعملان فنري مثلا ان ناصر عبد الرحمن في حين ميسرة او في هي فوضي او حتي الغابة , تمكن من أن يجعل الحوار هو البطل الرئيسي للعمل الفني وان يصل من خلال هذا الحوار لكل طبقات المجتمع سواء ممن يمتلكون ثقافة سينمائية أو من جيل الشباب العاديين جداً الذين يمثلون قطاعاً كبيراً من المصريين , أما في هذا الفيلم جنينة الاسماك ربما كان سيختلف الأمر كثيراً إن لم يتدخل المخرج في صياغة السيناريو مع الكاتب , بالاضافة الي جمال الصورة والاداء الراقي لفريق الممثلين , ونجح المخرج ايضا بإسلوبة الفريد بخطف الاضواء عن الكاتب , لتبقى سينما يسري نصر الله لغة الصورة فيها طاغية على لغة الحوار .



تعليقات