"وجدة" تنطلق بدراجتها الخضراء في القاهرة

  • مقال
  • 04:09 مساءً - 20 مارس 2014
  • 1 صورة



وجدة

اختارت مبادرة (زاوية) السينمائية التي انطلقت في منتصف الشهر الجاري في سينما أوديون بمنطقة وسط البلد بمدينة القاهرة أن يكون أول عروضها الفيلم السعودي/الألماني " وجدة"، أول أفلام الكاتبة والمخرجة هيفاء المنصور الروائية الطويلة، وذلك بعد المديح والاهتمام الكبيرين الذي نالهما بعد عرضه في عدة مهرجانات دولية، على رأسها مهرجان فينسيا السينمائي الدولي الذي نال من خلاله ثلاث جوائز، وبعد خمس سنوات من التحضير والبحث عن مصادر لتمويل الفيلم والحصول على أذونات التصوير، حيث أصرت هيفاء أن يكون الفيلم مصورًا بالكامل في مدينة الرياض، وليس مثلما حدث مع فيلم " كيف الحال؟" الذي صُور في الإمارات.

بما أن الفيلم يهتم بالتعاطي مع ما تعيشه المرأة بشكل يومي في دولة تحكمها رؤي دينية متشددة وأعراف اجتماعية بالية مثل السعودية، فإن هذا يضع هيفاء المنصور أمام تحد كبير مفاده هو: كيف يمكن تناول كل تلك المسائل من منظور مختلف دون الوقوع في فخ إلقاء اللوم بشكل جاهز على الرجال في كل صغيرة وكبيرة (كسائر الغالبية العظمى من الأفلام التي تشترك مع "وجدة" في موضوعها)، والأهم، دون الاستسلام لكافة الصور المقولبة سهلة الاستحضار في مثل هذه الأطر، ولكي نكون منصفين، فإن هيفاء قد صادفت بعضًا من النجاح – وليس كله - في هذا الأمر، كيف؟

ينشغل "وجدة" في المقام الأول بالأشكال التي تتخذها العلاقات بين النساء، وهى أشكال تهيمن عليها علاقات سلطوية بشكل واضح، حيث تظهر العديد من التنويعات طوال مدة الفيلم على هذه الفكرة داخل عالم النساء، وهذا لا يعني في الوقت ذاته أنه يُغيب سلطة الرجال على النساء من الأحداث، لكنه يجعلها ممثلة أكثر في هيئة إشارات وإيحاءات أكثر من أن تكون أفعال مباشرة.

هذه العلاقات السلطوية تتم بشكل متبادل، ففي حين نجد شخصية ما تمارس سلطة، فهى بشكل متزامن خاضعة لسلطة أخرى سواء من داخل أو خارج عالم النساء، فالطفلة وجدة ( وعد محمد) على سبيل المثال مثلما تخضع لسلطة مديرتها في المدرسة ووالدتها، فهى تمارس سلطة على زميلاتها اللاتي يشترين منها أساور النوادي الرياضية التي تصنعها حيث تبيعها بالسعر الذي يحلو لها، كما أن الأم ( ريم عبدالله) والأستاذة حَصَة مديرة المدرسة ( عهد) في ممارستها للسلطة على وجدة، فهما تخضعان كذلك لسلطة مجتمعية تلزمهما بكيفية التصرف والملبس وطريقة الحديث.

لكن المشكلة الدائمة التي لم تستطع هيفاء التغلب عليها في تناولها للموضوع هو أنها طوال أحداث الفيلم تضع الآف الخطوط تحت فكرة السلطة رغم وضوح الفكرة بشكل كافي من خلال الإشارات سالفة الذكر، وهو ما يعوق انسيابية الفكرة وراء القصة البسيطة التي تصدرها لنا هيفاء، بالإضافة إلى حضور نبرة المظلومية والبكائية المعتادة في مثل هذه الأفلام، خاصة مع شخصية الأم، حتى وإن كانت هنا – والحق يقال - أقل تطرفًا بكثير في استخدامها من أفلام أخرى.

بعيدًا عن ذلك، يحمل الفيلم فكرة آخرى جذابة تكمن في كون الدين في هذا المجتمع هو المكون الوحيد تقريبًا الذي يسمح للمرء بالترقي لمراتب عليا يحصل فيها على الكثير من التقدير المجتمعي والمادي، فتستغل وجدة هذا الأمر على نحو كبير حينما تجد أن مطلبها البسيط المتمثل في شراء دراجة، والذي يعد أمرًا مرفوضًا للفتيات في هذا الإطار، قد يتحقق إذا خضعت شيئا ما للسلطة من خلال انضمامها لمسابقة تحفيظ القرآن لكي تحصل على الجائزة المالية التي تؤهلها لشراء الدراجة، أي أنها تتحايل على السلطة من خلال الإمعان أكثر في الخضوع لقوانينها.

تتميز المخرجة هيفاء المنصور هنا أيضًا في توجيهها للأطفال، وحسن اختيارها لوعد محمد التي قدمت شخصية وجدة، و عبدالرحمن الجهني الذي جسد شخصية عبدالله، والحفاظ على درجة عالية من التوافق بينهما على الشاشة رغم التنافر الشديد في طبيعة شخصياتهما، ففي حين أن وجدة طوال الوقت مقدامة وجريئة لحد كبير، يحتفظ عبدالله على النقيض بطابع خجول ورقيق.



تعليقات