"عن يهود مصر".. والارتحال مع الزمن لمعاندة النسيان

  • مقال
  • 04:02 مساءً - 6 سبتمبر 2014
  • 1 صورة



"عن يهود مصر".. والارتحال مع الزمن لمعاندة النسيان

منذ حقبة الخمسينات من القرن العشرين، شكلت مسألة الخروج الكبير لليهود المصريين من مصر هاجسًا لعدد كبير من المفكرين والمؤرخين، سواء بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية وقدوم قوات ألمانيا النازية إلى مصر، أو بعد تولي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مقاليد الحكم وتنامي المشاعر العدائية تجاه اليهود المصريين، وهو ما تم ترجمته إلى عشرات الكتب والدراسات حول حياتهم في مصر، والأسباب المباشرة وغير المباشرة التي أدت لخروج غالبيتهم العظمى من مصر، ومسارات حيواتهم بعد عمليات الخروج هذه، والشتات الذي أصابهم في بقاع الأرض.

وعلى الرغم من المخزون الثري الذي تملكه حياة اليهود المصريين قبل وبعد الخروج من الحكايات الواقعية ومن المداخل الصالحة دراميًا، إلا أن السينما المصرية قد اهتمت بهذه المسألة على استحياء، وقد لا تتذكر سوى بعض الأمثلة القليلة للغاية التي جاءت في بعض الأفلام، مثل الخط الدرامي الخاص بشخصية إيزاك عنبر ( سليمان نجيب) في فيلم ( لعبة الست)، أو حكاية سارة ووالدها ( نجلاء فتحي و يوسف وهبي) في فيلم ( إسكندرية، ليه؟).

لكل هذه الأسباب، كان شيئًا طبيعيًا للغاية ذلك الانتظار والترقب الذي حازه فيلما المخرج أمير رمسيس الوثائقيان بخصوص هذا الشأن: ( عن يهود مصر) الذي وجد طريقه إلى دور العرض المصرية خلال العام الماضي، و( عن يهود مصر: نهاية رحلة) الذي بدأ عرضه منذ أسبوعين ضمن مبادرة زاوية.

بعد مشاهدة الفيلم الأول، كانت هناك مشكلتان رئيسيتان كانت لهما اليد الطولى في الفيلم، وهى مشاكل ترتبط أكثر بالمنهاج السردي والتوثيقي الذي يختاره صانع الفيلم، وليس لها علاقة بالموضوع الذي يقوم عليه، أما المشكلة الأولى فتتمثل في حيرة المخرج في المدخل المناسب لعمله الوثائقي، مما دفعه إلى استخدام مدخلين في آن واحد، مدخل يعتمد على الاسترجاع التاريخي لما جرى، ومدخل ثانٍ يعتمد على إجراء المقابلات الشخصية مع عدد من اليهود المصريين الذين عانوا من سياسات الحقبة الناصرية، لكن المخرج لم يستطع على اﻹطلاق أن يوفق بين المدخلين المستخدمين، وصار الفيلم تائهًا بينهما.

المشكلة الثانية هي أن الفيلم مثقل للغاية بالمادة العلمية، مثقل لدرجة أن ما تم عرضه في الفيلم يكفي لصنع سلسلة وثائقية تليفزيونية كمثل السلاسل التي اعتادت هيئة الإذاعة البريطانية أو ناشيونال جيوجرافيك أن تنتجها، وبالتالي فإن فيلمًا تبلغ مدته ساعة ونصف أو حتى ساعتين لا يكفي على اﻹطلاق لعرض كل هذا.

أما في الفيلم الثاني، فيبدو أن أمير رمسيس قد تدارك كافة اﻷخطاء التي حفل بها الفيلم الأول، لينحاز أكثر ﻹبحار في تجربة شخصية فريدة يوليها كل اهتمامه لواحدة من أبرز الشخصيات في الطائفة اليهودية المصرية، وهى السيدة ماجدة شحاتة هارون، ابنة القيادي اليساري الشهير شحاتة هارون، ورئيسة الطائفة التي جاءت خلفًا لكارمن وأينشتاين التي توفيت في شهر أبريل من العام الماضي.

من اﻷوجه اﻹيجابية التي ترجح (عن يهود مصر: نهاية رحلة) عن سلفه هو عمله الدؤوب من خلال الحوار المتواصل على ثلاثة محاور تتداخل فيما بينها مما أعطى ثراءً هائلًا لمادة الفيلم، وساهم في استدعاء الكثير عن حياة اليهود المصريين على نحو ضمني وليس كخط كامل كما في الفيلم السابق: الذكريات، والواقع اليومي المعاش، واﻷحلام واﻷمنيات، فنحن متواجدون طوال الوقت مع ماجدة، وفي كل اﻷماكن التي تذهب إليها يوميًا: المكتب، المنزل، المعابد اليهودية التي تقوم بزيارتها، دار المسنين.

كما يقوم أمير رمسيس بمنح فيلمه نزعة ساخرة ومريرة في نفس الوقت من خلال التساؤل عن المصير المنتظر للباقين على قيد الحياة من اليهود المقيمين في مصر والذين رفضوا مغادرة وطنهم، والذين تجاوزت أعمار غالبيتهم الثمانين من العمر، وهى نزعة نكتشف مدى المرارة الكامنة فيها ليس من خلال ما تقوله ماجدة فحسب، بل كذلك من خلال المشهد المؤثر الذي تزور فيه ماجدة وشقيقتها نادية قبر أبيهما، وتقرأ له إحدى خطاباته، وكذلك النهاية التي تجعل هذا الهاجس حاضرًا وملموسًا، حتى مع كل محاولات المناورة لتجنب الرحيل في طي النسيان.



تعليقات