حائط البطولات: ما الذي ستراه بعد العبور من آلة الزمن؟

  • مقال
  • 02:58 مساءً - 13 نوفمبر 2014
  • 1 صورة



محمود ياسين في مشهد من فيلم (حائط البطولات)

أنت الآن في مدينة القاهرة في منتصف نوفمبر 2014، ومن المؤكد أنك قد شاهدت فيلم Interstellar منذ أيام معدودة في IMAX، قررت أن ترسل لأحد أصدقائك على Whatsapp لكي تتفقا على اللقاء في دار الأوبرا المصرية من أجل اختبار تجربة الانتقال عبر الزمن على أرض الواقع عن طريق مشاهدة فيلم كان من المفترض أن يعرض في عام 1998، ولكن كل الظروف كانت أقوى منه، وانتهى به الحال محفوظًا في العلب لمدة 16 عامًا حتى عُرض في عصرنا الحالي، والفيلم المقصود بالطبع هو ( حائط البطولات) الذي عرض بحضور صناعه وأبطاله في عرض خاص ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

واﻵن، انت واقف بصحبة صديقك أمام بوابة المسرح الكبير بدار اﻷوبرا في انتظار الدخول وتحمل تذكرتك في يديك، تخيل معي أن جهاز كشف المعادن الذي تمر منه هو عبارة عن بوابة زمنية ستعود بك إلى عام 1998، وتودع بعدها عالمك الحالي بشكل مؤقت لمدة تزيد عن الساعتين، ما الذي ستراه هناك؟

الشيء اﻷول الذي ستعرفه بالتأكيد هو اﻹجابة عن التساؤل المستمر منذ سنوات عن سبب توقف إنتاج اﻷفلام الحربية، واﻹجابة البديهية هى عدم قدرتنا من اﻷساس على إنتاجها أصلًا، فكل المشاهد الحربية في الفيلم هى صور أرشيفية تم استخدامها من قبل عشرات المرات، والجديد في هذه المرة أن المخرج محمد راضي قد استعان بالصور اﻷرشيفية التي استخدمها قبلًا في فيلم (أبناء الصمت)، كما كان هناك مقطع أرشيفي داخل الفيلم يحمل شعار قنوات CBS!، وربما لو كان الفيلم قد أنتج في أيامنا الحالية، لاستعان المخرج بالمقاطع المرفوعة على Youtube ووجدنا مقاطع مكتوب عليها link مثلًا، أو حاملة للعلامة المائية ﻷي موقع صحافي الكتروني.

ستري فيلمًا من المفترض أن تصنيفه السينمائي "فيلم حربي"، لكن 90% من مشاهده مصورة في استوديوهات مغلقة، ليكون كمثل سهرة تليفزيونية تُبث على شاشة التليفزيون الرسمي بعد الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل، وبأساليب تصوير شبه مقصورة على استخدام الدوللي والزووم إن والزووم آوت، مع استخدام مُضحك عفى عليه الزمن للرافعة في مشهد تفجير مدرسة بحر البقر، وتبدل جنوني يسبب الصداع لـ Aspect Ratio بين كل لقطة وآخرى.

ستكتشف مشاهد رومانسية لا زالت تكتب وتُصور بأقصى درجات الكلاسيكية بالتعريف المتطرف لها، فكل أماكن اللقاء التي تلتهب فيها العواطف في أماكن خضراء شاسعة والورود متفتحة على كل الجانبين والعصافير تغرد والجنة مفتوحة أبوابها، مع حوارات مُتلفزة ومكررة من نوعية "ازيك؟" "وحشتني قوي" " وانت كمان" "ياما نفسي يجي اليوم اللي نتلم فيه تحت سقف واحد" "أصل بابا وماما مش موافقين" " إخص، طب حنعمل إيه؟".

ستحاول البحث عن أي منطق زمني متماسك يحكم الفيلم فلا تجده، ستجتهد للبحث عن أي مظهر يدل على أن ما تشاهده يدور خلال الستينات والسبعينات فيما عدا النافذة الزرقاء التي تنكسر من تلقاء نفسها بسبب الطائرة الاسرائيلية التي تخترق حاجز الصوت لكنك لا تجد أي شيء أبعد مما رأيته، ليكون الفيلم " تسعينيًا " أكثر خاصة في أجواء اﻷماكن أو في تصميمات الملابس المدنية للأبطال.

ستجد نفسك تائهًا في التسلسل التاريخي للأحداث إذا كان هناك تسلسل من اﻷصل، ففجأة يشير الفيلم في أحداثه إلى عملية 27 رجب الذي نفذت في عام 1971 ثم بعدها على نجو فجائي، تصير في يوم 6 أكتوبر 1973، أي أن هناك سنوات تمر بنا ونحن نشاهد، ولا نشعر بأي اختلاف على اﻹطلاق، حتى أن زوجة الشاويش مجاهد تصير حاملًا دون أن نعرف نحن في أي عام بالضبط، لنجدها قد وضعت ابنها بالتزامن مع يوم 6 أكتوبر بالضبط!

ستقابل قيادات الجيش الاسرائيلي التي تفني أعمارها طوال الفيلم داخل غرفة الاجتماعات، والذين تحولوا من كثرة تواجدهم هناك على ما يبدو إلى أشرار سلاحف النينجا الكلاسيكيين (بيبوب وشريدر وروكستيدي وكرانج)، وبالطبع لابد أن يحرّفوا الحروف عن مواضعها في أحاديثهم، فتصير الراء غينًا، والسين زين، والحاء خاء، ومثلما كنا نسمع قرقعة ضحكاتهم الشريرة وتهديدهم ووعيدهم المستمر للمصريين، يأتي مشهد انهيار موشى ديان وجولدا مائير على كراسيهم بعد نجاح العبور الذي من المفترض أن يكون مشهدًا دراميًا فإذ به يصير كارتونيًا مضحكًا، حيث تشتعل نجمة داوود من وراءهم - حرفيًا - وتظهر لطخات حمراء طولية على الشاشة بالسبراي لتكمل الروح "المرحة" للمشهد.

ستشهد الكثير من الذكريات اللطيفة التي تعيد إليك حنين التسعينات: سترى فاروق الفيشاوي في صورته المعهودة التي تركتها عليه وهو يتطلع إلى الكاميرا بشعره المصبوغ، سترى محمود ياسين في لمحات خاطفة وهو يتلقى مكالمة أو وهو يجري مكالمة معظم الوقت في مكتبه، ستشهد خالد النبوي في مراحله المبكرة قبل أن يصير " نجمًا عالميًا "، أو مصطفى شعبان قبل أن يكون السبب في جنون " النسوان " بعد سنوات طويلة، أو غسان مطر للمرة اﻷولى منذ سنوات بدون نظارته الشمسية والتي يستبدلها هنا بعصابة عين، أو حتى أحمد بدير بنفس ملامحه وتشنجه المميز في ( بطل من ورق) وهو يردد " حنموت كلنا ".

وبعد أن تعود إلى عالم 2014 من جديد، سيهاجمك بغتة سؤال وجودي مؤرق: بماذا كان يشعر أبطال الفيلم وهم يشاهدوا ذواتهم الماضية على الشاشة بعد عبورهم مع الجمهور من آلة الزمن؟



تعليقات