Inside Out: بيكسار تستعيد عافيتها... وأكثر

  • مقال
  • 11:49 مساءً - 8 اغسطس 2015
  • 1 صورة



ملصق فيلم Inside Out

منذ لحظة إعلان ستوديوهات بيكسار للمرة الأولى عن مشروعها السينمائي الرسومي الجديد Inside Out، وإطلاق مقدماته الإعلانية، وعرضه الأول عالميًا ضمن فعاليات مهرجان كان السينمائي الدولي في مايو الفائت، كان جميع عشاق الأفلام الرسومية عامة ومريدي بيكسار خاصة لا يطيقون صبرًا لبدء عرض الفيلم في دور العرض العالمية، وذلك لثلاثة أسباب، الأول: أن Inside Out هو الفيلم الذي تعود به بيكسار أخيرًا إلى جمهورها بعد غياب دام عام كامل على خلاف عادتهم، والثاني: ارتفاع سقف التوقعات حول هذا الفيلم بالذات خاصة بعد ترنح المستوى الفني لأفلام بيكسار بعد فيلم Toy Story 3، والثالث: الجاذبية الشديدة التي تحملها فكرة الفيلم عن حالات المشاعر الكامنة بداخلنا جميعًا.

وبعد ثلاثة أفلام معاكسة لكل التوقعات المنتظرة من فنانو بيكسار ( Cars 2- Brave- Monsters University)، كان من الواضح أن فنانو بيكسار أمام تحد لا ينجح فيه الجميع بسهولة، فكان عليهم أن يثبتوا من خلال فيلمهم الجديد أنهم يملكون ما هو أكثر من مجرد فكرة جذابة، وأنهم قادرون على إيصالها لبر الأمان بدون أي منغصات، وأن لا تكون الفكرة فقط هي رهانهم الوحيد، والحمد لله أنهم كانوا على قدر هذه المهمة الصعبة تلك المرة.

إن أصعب اختبار يتوقف عليه نجاح أي فكرة يتم تقديمها هو المدى الذي يمكن أن تحملها إليه، بحيث لا تحدث أي فجوة بين التصور المجرد والأولي للفكرة وبين وصولها إلى صورتها النهائية، وهذا الاختبار مراوغ للغاية ولا ينجح الجميع فيه بهذه البساطة، لأنه خلال العمل على تنفيذ الفيلم قد يكتشف المخرج أن الفكرة أكبر بكثير من الناتج النهائي، وأن تصوره المتخيل لها يتجاوز ما نجح في تنفيذه بالفعل.

إذن، فالفيصل هنا هو الخيال ثم الخيال ثم الخيال، الفيلم يتعامل منذ البداية مع فكرته كنقطة انطلاق يوجزها في جملة افتتاحية يستهل بها الفيلم لكنه لا يتوقف عند هذه النقطة، بل يمد الخط على كامل استقامته ويستخرج كل التصورات الممكنة منها ولا يخاف من أن يشطح بعيدًا، ومع التقدم في المتابعة، لا يتوقف الفيلم عن إدهاشنا بما يمكن تقديمه، وكلما قلت لنفسك ما الذي يمكن تقديمه أكثر من ذلك حتى يفاجئك الفيلم ويخبرك بأنه لا يزال هناك المزيد الذي لم تره بعد، ومن الواضح أن صناع الفيلم قد عقدوا العشرات من جلسات العصف الذهني لكي يتصوروا كيف يمكن أن يخرج عالم العقل البشري جذابًا وشاسعًا وكبيرًا وممتدًا وبسيطًا ومتنوعًا على النحو الذي رأيناه، والأهم أن يكون متمتعًا بالخصوصية الشديدة التي تميزه عن أفلام أخرى دارت أحداثها داخل عقل الانسان مثل Paprika و The Matrix و The Cell و Inception وحتى Vanilla Sky.

وعلى قدر تركيب الفكرة، كان على صناع الفيلم تقديمها بأبسط طريقة ممكنة بحيث يتم الحفاظ على اهتمام المشاهد طوال الوقت ليظل قادرًا على المتابعة ومعرفة الحدود التي يتحرك بها هذا العالم الشاسع مع مراعاة تنوع وتفاوت الشرائح العمرية التي يتوجه إليها الفيلم، وهو ما نجح فيه بالارتكاز على خمس مشاعر رئيسية ذات طبائع مميزة شكليًا (المرح، الحزن، الخوف، الاشمئزاز، الغضب) بالإضافة إلى طريقة الفيلم البسيطة في التعريف بصريًا بالأماكن الموجودة داخل عقل الفتاة رايلي دون أن نشعر بالتيه حتى عندما نرى الأفق كله أمامنا، وهى نقطة قد فشل فيها بامتياز من قبل فيلم Inception ل كريستوفر نولان.

نقطة تميز أخرى تستحق المديح في الفيلم، وهى التزامن الدقيق الذي يحافظ عليه دراميًا بين حياة الفتاة رايلي وبين عالمها العقلي الصاخب، ولا يقوم للحظة بلي ذراع أحد الجانبين لحساب الأخرى، الأمور تسير بنعومة شديدة جدًا لدرجة التخيل بأنك تستمع إلى صوت خرير الماء، بل حتى تطور شخصية رايلي من الطفولة من المراهقة، ومن مرحلة المرور بالمشاعر الصريحة إلى مرحلة المشاعر المركبة يحدث بشكل منطقي جدًا وبدون أي افتعال، مع الحفاظ على البساطة الدرامية للأزمة النفسية التي تقاسيها رايلي بعد انتقالها إلى مدينة سان فرانسيسكو والصعوبة الشديدة التي تجدها في التكيف مع الحياة الجديدة.

ودائمًا وأبدًا، أجد نفسي معجبًا بفلسفة اختيار ممثلو الأداء الصوتي التي تتبعها بيكسار دومًا في كل أفلامها، فهى لا تضع معيار النجومية على نحو ملح كما تنتهج دريم ووركس في جميع أعمالها الرسومية، وإنما ترتكز على تناسب الصوت مع التخيل العام للشخصية كما يفكر فيها فنانو بيكسار بصرف النظر عن شهرة الفنان المؤدي أو مركزه بين نجوم الشباك في هوليوود.

بقدر كبير من التحيز، هذا أفضل فيلم قدمته بيكسار على الإطلاق منذ Toy Story 3، ويُثبت أن منبع الأفكار لم ينضب لديهم بعد، حتى مع كثرة الأجزاء الجديدة التي سيقدمونها في السنوات القادمة من أفلامهم السابقة الناجحة، إلا أنني مملوء بالتفاؤل بعد هذا الفيلم الرائع الذي كان مستحقًا لكل دقيقة من الانتظار، وأحب أن أقول لفنانو بيكسار: حمدًا لله على السلامة، ونحن في انتظار The Good Dinosaur في نوفمبر القادم.

ملاحظات أخيرة:

1- كم هو جميل من بيكسار حفاظها على عادتها في تقديم فيلم قصير قبل الفيلم الرئيسي، والفيلم القصير هذه المرة المعنون ب Lava كان خفيفًا للغاية على القلب ومقدم بأسلوب غنائي لطيف حتى مع اختلاف الترجمة المصاحبة عن الكلمات الأصلية في بعض المواضع.

2- نصيحة للمشاهدين: لا تغادروا القاعة بعد انتهاء الفيلم مباشرة، فقد حضرت لكم بيكسار مفاجأة لطيفة مع نزول التترات.



تعليقات