Café Society.. كشف حساب قاسي لـ وودي آلِن

  • نقد
  • 08:47 مساءً - 21 اكتوبر 2016
  • 2 صورتين



بوستر الفيلم

قد يحمل عنوان المقال من النظرة الأولى شيئًا من التحامل على الكاتب والمخرج وودي آلِن، لكنني في الحقيقة لا أمقت الرجل إطلاقًا، بل بالعكس أحمل في داخلي حب جارف للأفلام التي كان يقدمها حتى نهاية التسعينيّات، لكنني في الوقت ذاته أشعر بالحزن الشديد مما يفعله اﻵن في نفسه مع حلول اﻷلفية الثالثة بعد أن استنفذ كل ما يحمله في ذهنه من أفكار، وكل ما بات يفعله هو إعادة تقديم أفكاره وتوليفاته الناجحة مرارًا وتكرارًا، خاصة مع حرصه الشديد والمستميت على التواجد بفيلم في كل عام مهما كان الثمن ومهما كان مستوى الفيلم، ولم يعد يهم بالنسبة له إذا كان المُشاهد سيتذكّر فيلمه بعد انتهاء المشاهدة أم لا، أو إذا كان الجمهور يهتم بمشاهدة جديده بالفعل من عدمه، وإذا كان أصلًا يحمل في عمله الجديد حكاية تستحق عناء المشاهدة.

وفيما عدا -ربما- فيلمي Match Point، وMidnight In Paris، اللذان حملا بالفعل أفكار مدهشة تحمل نفس رائحة أفلام "آلِن" القديمة حتى مع مشاكلهما الدرامية، لا أعتقد أن هناك عملًا واحدًا من أعمال وودي اﻵن في السنوات اﻷخيرة يستحق التوقّف عنده أو أن تتذكر أي شيء منه بعد الانتهاء من مشاهدته على اﻷقل، والحال لا يختلف كثيرًا مع أحدث أعماله "Cafe Society" الذي عُرض منذ بضعة أشهر في حفل افتتاح مهرجان كان السينمائي الدولي.

مع المراقبة الدقيقة للنقلات الدرامية في سيناريو الفيلم، ستشعر -خاصة إذا كنت من متابعي وودي اﻵن- أن التحرك الدرامي كله يأتي باﻷساس من أساسيات الحرفة الكتابية وليس من ناحية التطوير الطبيعي للحكاية، بمعنى آخر، فإن ما يقوم به وودي هنا يأتي أصلًا مما يعرفه بالفعل عن الكتابة بحكم الخبرة العملية كأي كاتب سيناريو يكتب بالضبط حسب اﻹرشادات الموجودة في أي كتاب لتعليم السيناريو، دون أن يهتم بسرد حكاية من لحم ودم وتنجح في التطور دراميًا على نحو طبيعي وليس على نحو ميكانيكي بلا روح، فمع كل خط يضيفه أو كل شخصية يضمها، سوف تعرف بغريزتك أين سيضعها وفيما سيطوّعها، واﻷمر لا يحتاج لذكاء خارق من المُشاهد.

هذا الجانب الحرفي اﻵلي الذي يكتنف السيناريو يجعل كل خطوة يخطوها وودي اﻵن مع مشاهده بالغة التوقع والمعلومة سلفًا بحكم خبرات المُشاهد السابقة والمتراكمة، بل لا توجد مبالغة بأن المُشاهد سينجح حتى في كشف ما سيقوله البطل مع الجملة التالية، وكيف سيكون سير العلاقة بين الحبيبين بوبي وفوني، وما المفاجأة الصاعقة التي يخبأها القدر لهما (وهى ليست بمفاجأة بالطبع!)، فيصير الفيلم أشبه بتكرار مُشاهدة لعبة شطرنج واحدة للمرة العشرين، حتى تحفظ متى سيحرك اللاعب الطابية، وإلى أين سيوجّه الفيل، وما الذي يهدّد الوزير في مساره.

ومن فرط التوقع الذي يحيط بكل خطوة في القصة، سيشعر المشاهد شيئًا فشيئًا باللامبالاة نحو التجربة برمتها، لن يتماس وجدانيًا، لن ينفعل شعوريًا مع قصة كفاح بوبي لتحقيق الذات، بدءًا من هوليوود وحتى نيويورك، ولن يشعر بفرط المفاجأة من مصادفات القدر سواء فيما حدث مع خاله أو مع شقيقه الذي يتعاون معه في الكازينو، ﻷن كل العناصر التي يجمعها الفيلم لا يوجد أصلًا أي تناغم بينها، وإنما هى مُنتقاة من كتالوج عريض وتم صفّها جنبًا إلى جنب داخل سياق الفيلم.

هناك سبب آخر يقف وراء عدم اهتمامنا بقصة الحب بين بوبي وفوني، أو بين فوني وفيل سترن، واللتان تحوّلتا على يد وودي آلِن، إلى مجرد تكرار "سمج" لكل التنويعات على علاقات الحب المُركّبة التي قدمها على مدار مشواره السينمائي، فلم يقتصر اﻷمر فقط على التوقّع واللامبالاة، بل امتد للإفلاس الفني.

هناك مشاهد وحوارات كاملة لن تقاوم الشعور أمامها بأنك قد شاهدتها وسمعتها مسبقًا عشرات المرات كمشاهد التعارف في الحفلات أو مشهد العاهرة الذي كان مشهدًا مزعجًا، وحتى نفس الشريحة المُفضّلة من الشخصيات التي يفضّل "آلِن" تناولها دراميًا، وحتى المزاج الموسيقي الذي يغلب عليه موسيقى الجاز هو هو في سائر أفلامه، الرجل ببساطة بات "ينحت" من نفسه ومن لحمه الحي.

وحتى حينما اختار أن يعود بحكايته "الجديدة" إلى حقبة الثلاثينيّات، لم ينجح اﻵن حتى في الاستفادة من الإمكانيات الدرامية لتلك الحقبة الزمنية سوى في بعض القشور البسيطة، ولكي تدرك المشكلة، قارن عمله هنا بفيلم "Midnight In Paris" الذي يعود من خلاله لحقب مختلفة من الحياة الباريسية، وستعرف الكم الذي أهدره في "Cafe Society".

أتمنى حقًا أن يقف وودي اﻵن في يوم من اﻷيام مع نفسه وقفة للتأمل في منجزات سنواته اﻷخيرة، وأن يأخذ قسطًا من الراحة بدلًا من انشغاله المحموم بتسليم كل نص جديد في موعد التسليم المطلوب والمُسارعة في البدء بالتصوير حتى لا تكون الحصيلة النهائية كمًا هائل من اﻷعمال التي لن يتذكرها أحد بعد الانتهاء من المُشاهدة، بل إني لا زلت مترددًا في مشاهدة تجربته التليفزيونية اﻷولى "Crisis In Six Scenes"، التي أنجزها أيضًا هذا العام.

وصلات



تعليقات