It's Only the End of the World.. المسألة غير مقلقة لتلك الدرجة

  • نقد
  • 03:58 مساءً - 24 نوفمبر 2016
  • 1 صورة



It's Only the End of the World

من منظور المشاهد المتمرس والمعتاد على مشاهدة اﻷفلام، لا يصعب كثيرًا الإدراك أن عمل زافييه دولان اﻷخير It's Only The End Of The World كان في اﻷصل عمل مسرحي قبل أن يجد طريقه للسينما على يد دولان، ليعيد من خلاله عدد من موضوعاته المفضلة في قالب قد يبدو مختلفًا عن عمله السابق Mommy.

صحيح أن هناك جوانب عديدة من هذه النزعة المسرحية لا تغيب عن الفيلم طوال أحداثه بطبيعة الحال (وحدة المكان، طبيعة الحوارات المطولة، عدد الشخصيات المشاركة في اﻷحداث -وهي خمس شخصيات فقط-، مساحات اﻹضاءة والظلال)، إلا أن دولان لا يدعها تخرج تحت سيطرته، واﻷهم أنه يوجهها طوال الوقت نحو الوجهة التي يريدها هو لا الوجهة التي قد تفرضها عليه الطبيعة المسرحية للنص.

في بداية الفيلم، يلقي المخرج عبر حوار داخلي تجريه شخصيته الرئيسية، وهو الكاتب المسرحي لويس، أهم معلومة ربما سينالها طوال الفيلم، وهي أن هذا البطل قد بات على بعد خطوات من الموت، وأنه يرغب في أن يخبر عائلته بهذا الخبر اﻷليم، لذا يقرر العودة لمنحهم زيارة تأتي بعد 12 عامًا من الغياب، وما أن ندرك هذه المعلومة حتى يتركنا دولان تمامًا لما يحدث أمامنا وهو في صحبة عائلته.

حتى نهاية الفيلم، يشغلنا دولان بسؤال "ماذا سيكون رد فعل العائلة على خبر الموت الآتي في اﻷفق ذلك؟" لكننا مع توالي التوترات داخل العائلة، والتي لا نستطيع الوقوف على أسبابها أو خلفياتها، ندرك بأنفسنا أن دولان كان يدفعنا نحو السؤال الخاطئ، ليكون السؤال الصحيح في اﻷصل هو "هل سيقوم أصلًا بإخبارهم؟ هل سينجح في اقتناص اللحظة المناسبة لكي يبلغهم؟"

وفي انتظار تلك اللحظة التي لا نعرف متى ستأتي، يدخلنا دولان في دوامة من المشاهد الحوارية التي يخوضها البطل مرغمًا، والتي يكتفي خلالها باﻹجابة بابتسامة دبلوماسية وبضعة كلمات قليلة، ربما كلمتان أو ثلاثة على حد قول اﻷم، فهو يخوض كل هذه الحوارات بنصف عقل، منشغلًا بطريقة إبلاغ الخبر، والتفكير في ذكريات بعيدة تعود ﻷيام الطفولة والمراهقة، تلك اﻷيام البعيدة السعيدة حين لم تشغله أية هموم تجثم على صدره، فيفكر في ألعابه مع شقيقه اﻷكبر، وذكرياته مع حبيبه اﻷول الذي جاءه عبر النافذة ليمارس معه الجنس، وكل ذكرياته مشوشة لا تظهر فيها الوجوه على نحو كامل تبترها أقل إشارة من عالم الواقع، كلها ذكريات بعيدة جدًا، يحاول "لويس" بالكاد استعادتها من غيابها.

كل هذه الحوارات تأتي كفرص مؤجلة طال انتظارها، كل منهم يحاول أن يتحدث عن نفسه أكثر من مشاركة الذكريات نفسها: اﻷم، الشقيقة، زوجة الشقيق، وكأنها كانت فرصة طال انتظارها للبوح، الكل هنا لا يشعر بالراحة، وبدلًا من ذلك، الكل محاصر وواقع تحت وطأة ضغط عاطفي ونفسي يؤكده طوال الوقت ذلك الاستخدام غير المريح عن عمد لهذا الكم الهائل من الظلال في الصورة، مع إضفاء اللون اﻷزرق الغامق وما يماثله من رماديات تلقي هي اﻷخرى بثقلها الجاثم في كافة جنبات المنزل، حتى يصير بيت أشباح بمجرد البقاء فيه، باﻹضافة إلى إكثاره من استخدام اللقطات المقربة، دولان يحول تجربة البقاء في هذا المنزل طوال هذا الوقت بقصدية شديدة إلى تجربة مزعجة وغير مريحة للنفس حتى يتوق المرء للخروج منه بأسرع وقت.

إن الحوارات الوحيدة التي تأتي ليس للبوح، وإنما لكتم هذا البوح هى حوارات الشقيق اﻷكبر "انطوان"، نحن لا نعلم بالضبط أسباب هذا الصراع المكتوم الذي يتفجر في المشاهد اﻷخيرة من الفيلم، إنها أسباب لا يعلمها كما هو واضح من الحوار إلا كلاهما فقط، خاصة مع إشارة "لويس" اللفظية العابرة والتذكيرية، إلا أننا ندرك مع الوقت أن "انطوان" هو صاحب المصلحة اﻷكبر في بقاء تلك اﻷحوال القميئة التي تحيا فيها اﻷسرة على ما هى عليه، مما يحول هذا الشقيق الغائب من عضو في اﻷسرة إلى مجرد دخيل من وجهة الشقيق اﻷصغر، كأن مجيئة بعد كل السنوات لم يغير شيئًا، ولن يكون كذلك، مما لا يترك له خيارًا سوى الانعتاق بكل مستوياته: انعتاق من الحياة، انعتاق من الذكريات اﻷليمة، انعتاق من سلطة الظلال الكثيفة.

على بساطة الفيلم بنائيًا، قد يبدو العمل للوهلة اﻷولى عملًا صعبًا ومملوء بالفراغات الدرامية التي لا نعرف من أين نملأها، لكن ربما مع إعادة النظر في كل خبرناه أو مع إعادة المشاهدة مجددًا، ومحاولة اﻹطلال برؤوسنا داخل هذا البئر السحيق الذي صنعه دولان، ربما -وربما لا- نقدر أن نرى شيئًا وسط كل هذا الظلام الذي يكتنف البئر ونلتقط ما فات عبر الهفوات واﻹشارات العابرة والعلامات المحفورة قبل انقضاء الوقت وموت الطائر الساكن داخل الساعة.



تعليقات