مولانا.. شاهد العيان

  • نقد
  • 12:42 مساءً - 20 يناير 2017
  • 1 صورة



مولانا

قد يُحار المرء كليةً في اختيار المدخل المناسب لتناول فيلم على شاكلة "مولانا" للمخرج مجدي أحمد علي والمقتبس عن رواية إبراهيم عيسى ذائعة الصيت، وهو ما يمكن إرجاعه لتشعب حكايته وتطرقها لعشرات التيمات التي توجد لنفسها علاقات بالشأن العام المصري من جوانب شتى، باﻹضافة إلى بعض اﻹشارات إلى وقائع حقيقية جرت على مدار السنوات الماضية، والتي تلتحم مع بنية الفيلم ككل.

لكن ربما يكون هذا التداخل والتشعب هو بالفعل نقطة الانطلاق الحقيقية، وهي لا تأتي من فراغ أو تنشأ في عدم، فهي تأتي انعكاسًا لواقع معقد ومتشابك تشكل على أرضية مملوءة بألغام جاهزة للانفجار في أي وقت، وبالتالي نصير في احتياج عارم لمن يُدخلنا إلى هذا العالم بحيث يكون قادرًا على النفاذ لمختلف المستويات الاجتماعية وله شبكة علاقات واسعة فيها، ومن هنا يأتي دور الشيخ حاتم الشناوي.

حتى مع كل الزخم الدرامي الذي يمتليء به الفيلم من بدايته لنهايته ومع سخونة اﻷحداث، لن تستطيع إغفال مركزية حاتم الشناوي دراميًا وسط كل هذا، والسيناريو يحافظ طوال هذا الوقت على هذه الوضعية المركزية لدرجة تحويل كل ما يصادفه من أحداث لغرض الكشف عن جوانب مختلفة من شخصية حاتم الشناوي.

هذه الوضعية المركزية تشكل طوال الوقت سلاحًا ذو حدين، فهو من ناحية يخلص شخصية حاتم الشناوي من أية نمطية في التناول ويدخلك إلى عشرات الجوانب المرئية وغير المرئية منه، ولكن من ناحية آخرى تسببت هذه المركزية في بعض اﻷحيان في شيء من الاختلال في أولويات اﻷحداث الجديرة بالتركيز عليها أو بالمرور عليها سريعًا أو حتى في الاختيارات الدرامية.

يتعمد المخرج منذ اللحظة اﻷولى أن يقرب حاتم الشناوي لمن يشاهده بأن يقدمه لنا وهو يركب عربة "توك توك" متوجهًا إلى المسجد الذي يعمل به ونلمس خفة دمه من تعليقاته الساخرة على كل شيء حتى على سائق التوك توك، المسألة لا تكمن في تلميع درامي لشخصية رجل الدين بقدر ما كانت رغبة في إنزاله من عليائه وإبعاده عن الهالة المعتادة التي يصبغها عليه العامة دومًا، وحتى حينما نراه وهو يخطب خطبة الجمعة في بداية الفيلم من فوق المنبر، لا زلنا نراه بعيدًا تمامًا عن الهيبة المفترضة بفضل تأثرنا بانطباعنا اﻷول عنه مع بداية الفيلم.

بعد فوتومونتاج موجز لرحلة صعود حاتم الشناوي إلى دائرة اﻷضواء من مجرد شيخ متخرج من الأزهر يعمل براتب ثابت من وزارة اﻷوقاف إلى نجم بين الدعاة اﻹسلاميين، ندرك أن كل ما رأيناه في هذا الفوتومونتاج هو مجرد خطوات معروفة سلفًا ﻷي شخص في مكانه (الشهرة، الظهور اﻹعلامي، الزواج، المنزل الجديد الفاخر.. إلخ)، لذا يختار الفيلم أن يمر على كل ذلك سريعًا في سبيل ما هو أهم دراميًا، وما هو أكثر سخونة من حيث التيمات.

مع الوقت، ومع كل معضلة جديدة يواجهها حاتم الشناوي في حياته، تتكشف مظاهر ضريبة تلك الشهرة التي حققها، فقد ننخدع في البداية بثقته الشديدة خلال الحديث في برنامجه التليفزيوني مع الجمهور خلال مواجهته ﻷسئلة شائكة، بينما اﻷمر في الحقيقة أكثر تركيبًا من الصورة النهائية على الشاشة، فالرجل يدرك خطورة وعاقبة أي رأي قد لا يرضي عامة الناس الذين يتابعونه، لذلك نراه دومًا شخص يحاول المساومة بين ما يقتنع به بالفعل وبين ما يرغب الناس في سماعه، بحيث يكون مستفيدًا بدون خسائر من حيث ما يكسبه ماديًا من البرنامج التليفزيوني الذي يحل عليه ضيفًا أو من رصيد شعبيته لدى جمهوره.

لذا يدخل صناع الفيلم بطلهم طوال الأحداث في سلسلة من المواقف تمثل بدورها تنويعات على معضلات الشأن العام في مصر، والتي يحاول البطل أن يتعامل معها بما يملك من سعة حيلة وخفة ظل، وربما لم تكن لتكتمل لولا اختيار موفق لـعمرو سعد، الذي نجح في هضم كل هذه الجوانب المتناقضة والمختلفة للشيخ حاتم، والحوار الذي تولى مهمة كتابته إبراهيم عيسى بنفسه.

أما عن الحد الثاني من السلاح، فقد خلق الفيلم مشكلة درامية كبرى لم يستطع حلها وكانت بحاجة لحل أكثر بساطة، فعندما ننظر للتتابع الخاص بشخصية "حسن" الذي يقرر ترك اﻹسلام واعتناق الديانة المسيحية والذي يستهلك شطرًا ضخمًا من أحداث الفيلم، ثم نكتشف أن كل ذلك كان مجرد غطاء لعملية إرهابية، تكتشف أن السيناريو قد اتخذ مسار أعوج ومفرط في الطول كان يمكن تدراكه بحلول درامية أكثر ذكاء مما تم تقديمه فعليًا.

صحيح أنني لم اقرأ الرواية حتى اﻵن، لكن أستطيع القول إن فيلم "مولانا" يحاول أن يتخذ مدخل مختلف نوعًا ما لتناول الشأن العام في مصر حتى مع مشاكله الدرامية التي قد لا تمر بسهولة على ذهن المتفرج.



تعليقات