"القرد بيتكلم".. وعليه أن يلزَم شجرتَهُ

  • نقد
  • 10:30 صباحًا - 12 فبراير 2017
  • 1 صورة



القرد بيتكلم

هذا فيلم من الأفلام التي تَحار مِن أين تبدأ عنها الكلام، وما الذي قد يستحق حديثك عنه من بين كُل عناصره. وتبلغك الحيرة أيضًا إن قررت البحث عن إيجابيات تشفع له - أو تحفظ ماء وجهه - بعد أن أهدرت تسعين دقيقة في مشاهدته، فأنت تعلم مُسبقًا أنه مهما طال بحثك، لن تجد ما يُرضي فيما شاهدت، وأنه كلما نَقَّبت تبدّت لك مساوئ عن ذي قبل، وكأن الفيلم يُخرج لسانه متحديًا إياك؛ فهو زاخر بالمساوئ التي لن يصمد أمامها عَشّم.. لكن تبقى إيجابيته الوحيدة - بالنسبة لي - أنه دليل دامغ على صحة شعوري تجاه أفلام المخرج والمؤلف الشاب بيتر ميمي.

العام الماضي، فاجئتني إيرادات فيلم بيتر ميمي الأخير بعنوان "الهرم الرابع"، وكان له مردود إيجابي لا بأس به عند كثير من المشاهدين، وعلى الجانب الآخر كان هناك من يرددون أن الفيلم اقتباس أبكم عن المسلسل الأمريكي "Mr Robot"، الذي لم أشاهده بعد. وبرغم أنني كنت أميل للرأي الأخير بعد تجربتي السيئة مع فيلم "سبوبة" لنفس المؤلف والمخرج، إلا أنني قررت منحه الفرصة ومشاهدة هرمه الرابع. ورغم أنني لم أشاهد المسلسل الأمريكي، فالفيلم لم ينل إعجابي ولم يثِر انبهاري للحظة، ومَر علي مرور الكِرام. وركنت إلى أن الكلام السائد عن اقتباس الفيلم من المسلسل الأمريكي هو الأقرب للصواب؛ فأنا لم أشعر خلاله بأي بصمة، غير أني لمست بنفسي اقتباس أبكم آخر يفتقر لأي إبداعية - عن فيلم "Reservoir Dogs" لـ"تارانتينو" - في فيلم سبوبة.

ثم يأتي فيلم "القرد بيتكلم" بفريقه العامر بالنجوم، والقادر على أن يُمَنِّي المُشاهد بفيلم جيد على الأقل. لتكتشف معه أن بيتر ميمي طوّر موهبته بأن جعل فيلمه ألبومًا يقتبس فيه من كل فيلم أغنية! فتجده يؤسس فيلمه على منظومة الفيلم الأمريكي "Now You See Me"، ولا مانع من اقتباس خُدعة بعينها من فيلم "The Prestige" لـ"نولان"، ويا حبذا لو تممنا الأمر بالجمل الحوارية التي تخص كشف الخدعة السحرية، ثم هيا بنا نقتبس تلك الحيلة من فيلم "Leon" لـلوك بيسون في النهاية، وحتى لا نتجرد من أصالتنا هَلموا نقتبس هذه الجزئية من فيلمنا المصري "لصوص لكن ظرفاء". لتجد نفسك بينما تشاهد الفيلم، وكأنك في تحدي للكلمات المتقاطعة، تُرى من أي فيلم سيكون المشهد التالي؟!

والمشكلة ليست في الاقتباس، فكَم من أفلام مُقتبسة كانت عظيمة ولا تقل عظمة عن أفلام أصلية أخرى. لكن الاقتباس بحد ذاته صنعة تحتاج إلى قدر كبير من الإبداع، فأنت لا تعكس العمل على مرآة وانتهى الأمر؛ بل تُلَقمّهُ برؤيتك وتضيف له الروح المطلوبة لكي يتفق مع منظور المتلقي ولا يشعر به غريبًا عنه، تضع به لمساتك التي تُميزه عن العمل الأصلي وتحفظ له هويته الخاصة، تحاول بقدر إمكانك أن تُصقِل عناصره وتصون إتزانها وملائمتها بينما تضيف لعملك هذه اللمسات وتصُّب به تلك الروح. وهذا ما لا يقربه ميمي في أفلامه، فهو يحل محّل المترجم لا أكثر، ويقتبس دون أي نية إبداع يُضفيه، فيخرج العمل باهتًا لا يحمل أي روح في ثناياه، وتتسابق عناصره على التشتت والضياع، لينتهي العمل دون أن يترك لك سوى فرصة التفكير في الاقتباس الهزيل الذي لم يرقَ لرُبع جودة الأصلي، وفي ضيقك البالغ وأنت تتابع مَشاهد فقدت ترابطها وعناصر تجتهد لتبدو أضعف.

حتى مع تنحيتنا مشكلة الاقتباس جانبًا في فيلم "القرد بيتكلم"، ستجد عناصر الفيلم بأسرها تتكالب على مضايقتك. فالموسيقى مثلًا تُلاحقك أينما ذهبت في الفيلم، وستُدرك أن "ميمي" استعاض بها عن البناء الدرامي والأداءات التمثيلية وعن كل شيء تقريبًا. فهو لم يُكلّف نفسه عناء البناء الدرامي لشخوص فيلمه أو متسلسلة المواقف التي تجعلك تلتحم مع الأحداث، وعِوضًا عن ذلك ينهال عليك بالموسيقى في كل شيء، الأبطال مُوشكون على تنفيذ مهمة خطيرة - وأنت لا تكترث لهؤلاء الأبطال لأنك لا تشعر بهم من الأساس - إذًا فلتعلو موسيقى حماسية صاخبة تداعب في المُشاهِد حِس الخطورة. مشهد يلفظ به البطل كلمات رومانسية حانية يُوجهها لبطلته - ولا زلت لا تكترث لهما بالمناسبة - إذًا فلتشدو موسيقى رومانسية درامية تداعب حِس العاطفة لدى المُشاهِد. مهلًا، نجح أبطالنا - الذين لا نهتم لهم بالمرة - في خدعتهم وانطلت لعبتهم على الأشرار، فلتضج موسيقى ثائرة مُتباهية تُعلن الفرحة بالانتصار! وهكذا دواليك، دون كلل أو ملل من صُناع الفيلم.. ناهيك عن الموسيقى التشريفية التي تصحب أول ظهور لبعض الشخصيات، مع الـ Slow Motion - دون أي مناسبة تُذكَر - للشخصية وهي تتحرك على الشاشة، فقط لتفهم أيها المُشاهد التَعِس أن "البرنس" وصَّل أو "البرنسة" وصَّلِت.

بالطبع في منظومة صِبيانية مثل تلك، لم تنجُ الأداءات التمثيلية حتى مع الأسماء الكبيرة التي تؤديها للأسف. عمرو واكد وأحمد الفيشاوي وريهام حجاج، في أداءات تفتقر لأي إقناع، اصطبغت بصِبيانية المنظومة؛ فيصبح شغل أبطالنا الشاغل هو إبداء حركات تُوحي بأنهم بالغين الخطورة وأنهم "روشين" و"بيجيبوا الديب من ديله"، فتحزن أن تشاهد نجومًا بحجمهم في مثل هذه الأداءات السطحية. وإن التمست العذر لهم بسبب ضياع عناصر الفيلم، يبقى جدير بالذكر أن هناك أكثر من مشهد، يتجادل خلاله أبطالنا الثلاثة، وفجأة تجدهم يصيحون على بعض ويصرخون مُحاولين إبداء التوتر العاصف، وقد تاه عنك ما الذي صَعَّد الموقف لهذا الحد! وما الذي فاتك في كلماتهم التي لفظوها وضايقهم بهذا الشكل! ثم يتأكد يقينك بأن الأمر تحول لتلك اللعبة التي كنت تمارسها مع زملائك بمدرستك الإعدادية، حين تتظاهرون بأنكم ممثلين وتلعبون فيلمكم الذي يُوحي بخطورتكم ومدى إجرامكم. وتّدرك أنها واحدة من معايير "الروشنة" التي يراها صانع الفيلم مُستجلبة لانتباه المُشاهدين وإعجابهم! ربما أداء سيد رجب هو الذي حاول الصمود بقدر الإمكان في أطلال الفيلم، لكنه لم ينجح.

وإن كنت من سعداء الحظ الناجين من كل ما سبق، ومن ملاحقة الموسيقى لك طيلة مجريات الفيلم. إذًا إليك الضربة القاضية، ولتنضم الالتفاتات والمفاجآت لتُلاحقِك هي الأخرى في خاتمة فيلمنا. فتُبتَلىَ قُرب خاتمة الفيلم بمفاجآت من كل صوب واتجاه، التفاتات لا تكترث لمنطق ولا تهتم لموضوعية؛ فالمنطق والموضوعية شكليات وتفاهات أمام "روشنة" فيلمنا وأبطاله. وينهال مخرجنا بكشف ألعاب أبطاله وخدعهم، ويُبليك بالتفاتة وراء الأخرى دون رحمة، لدرجة أنه - هو نفسه - يتوه بين التفاتاته تلك، وربما غفل أن أحدهم يُلاشي آخر ويُجهِز على وجوده. بينما أنت تُشاهد ضاربًا كَف بكَف، مستنكرًا إلى أى مدى قد تسوء الأمور أبعد من هذا.

فيلم "القرد بيتكلم" بالغ السوء، ولم يمنح مشاهدُه عنصرًا واحدًا يستحق الاحترام أو التقدير. ولم يُقدّم سوى اقتباس أبكم لمشهد من هنا والتفافة من هناك وجملة من هنا وكلمة من هناك؛ تقليد أعمى يليق فعلًا بالقرود، لكن دون أي روح أو إبداع. وإن كان هذا ما سنراه عندما يتكلم القرد، فعليه إذًا أن يلزم شجرته.



تعليقات