"آخر ديك في مصر".. من عيسى اﻷيوبي إلى علاء الديك

  • نقد
  • 12:48 مساءً - 23 فبراير 2017
  • 1 صورة



آخر ديك في مصر

لمن واظب على مشاهدة اﻷفلام المصرية، سيتذكر بالتأكيد من أفلام حقبة الستينات فيلم "عدو المرأة" الذي أنتج في عام 1966، حيث ينبري من خلاله الدكتور عيسى اﻷيوبي "رشدي أباظة" في اﻹدلاء بآراء عنصرية وتحقيرية بشأن المرأة بناءً على تجربة شخصية دفعته إلى تعميم آرائه حول المرأة قبل أن يأخذ في تغيير رأيه تدريجيًا مع دخول امرأة إلى حياته.

يمكن بطريقة ما أو آخرى اعتبار فيلم محمد رمضان الجديد "آخر ديك في مصر" أنه امتداد طبيعي للفيلم السابق من حيث الفكرة اﻷساسية التي ينطلق منها، حيث المواقف المسبقة ذات النزعة التعميمية نفسها، لكن بالتأكيد مع تغير العصر واختلاف اﻷدوات المتاحة في اليد للتعبير عن هذا الحس التمييزي.

لكن علاء الديك "محمد رمضان" على الخلاف من عيسى اﻷيوبي لا يُكون رؤيته عن المرأة بالتجربة الشخصية، وإنما من التلقين المنتظم الذي يتلقاه من والده على مدار سنوات حياته، معززًا ذلك باسكتشات كوميدية لرجال من مختلف العالم في شجاراتهم مع زوجاتهم.

هنا تختلف تمامًا وسائل التعبير عن الرؤية الذاتية للمرأة، فبينما كان يلجأ عيسى اﻷيوبي ﻷداة المقال الصحافي والعزلة التامة عنهن، فإن المرأة في حياة "الديك" لا تعدو أكثر من أداة للإشباع الجنسي لا غير، ولذلك يأت بالتأكيد لقب "الديك" لما يحمله في المخيلة الشعبية من نشاط جنسي فائق، كما يعبر عن آرائه فيهن من خلال سلسلة فيديوهات ساخرة يسجلها مع أصدقائه وجمل على غرار "امسح مكياج صاحبتك حتلاقي سيد ابن عمتك" وذلك على العكس من الجمل الإنشائية التي كان يرددها عيسى من نوعية "المراة مخلوق ناقص" و"المرأة حشرة".. إلخ.

لكن مع رحلة التحول من النقيض للنقيض من احتقار المرأة إلى تقديرها واحترامها، يقع هذا الفيلم في نفس المأزق الذي وقع فيه "عدو المرأة"، من 50 عامًا، وهي أن رحلة التحول تلك يتم ترجمتها سينمائيًا من خلال قالب حواري يغلب عليه الشعارات اﻹنشائية وليس من داخل اﻷحداث نفسها حتى مع كون اﻷحداث واعدة بتحقيق تحول أكثر حيوية، مما يفقد التجربة الشخصية للبطلين أي معنى درامي (رهان وتحدي ينقلب لحب في الحالة اﻷولى- موت جميع رجال العائلة وبقاء البطل ليكون هو الرجل الوحيد المسؤول عن عائلته التي باتت مكونة من نساء فقط في الحالة الثانية).

ومع فقدان التجربة لمعناها، يسير الفيلم قدمًا للأمام فقط بدفع من متتالية المواقف الكوميدية التي يحتويها، وإن كان هذا لا يمثل مشكلة في الكثير من الحالات أو أغلبها حتى، إلا أنها هنا كانت في أمس الحاجة لدفع موازي من الدراما الذي يقوم بترجمة كل شيء يريد قوله عن طريق الحوار أو الشعارات، بل أن الفيلم نفسه ينتهي بجملة شعارية عن قيمة المرأة، مشبهًا إياها بالمظلة التي لن تدرك قيمتها إلا إذا وضعتها فوق رأسك.

ومع كثرة الشخصيات النسائية في الفيلم، كان من الممكن استغلال هذا الكم العددي في سبيل خلق مساحات كوميدية جديدة لكل شخصية في العمل، إلا أن هذه الكثرة -مع اﻷسف- كانت تعمل فقط بطريقة متعسفة على خدمة رحلة التحول التي يخوضها علاء الديك في نظرته للمرأة، حتى أن هناك شعور بأن وظائفهم قد انحصرت في فرش الطريق ﻹفيهات البطل فقط.

حتى حينما يحاول الفيلم أن يصنع خط رومانسي للبطل مع رانيا محمود "مي عمر" لتخدم رحلة التحول تلك، فإن هذا الخط ينعدم وجوده وتأثيره تمامًا أغلب الوقت، ولا يتضح إلا مع خواتيمه فقط، كما أن طريقة دخول رانيا في حياة علاء والعائلة جاءت على نحو غير مستساغ دراميًا على اﻹطلاق، خاصة مع تواجدها شبه الدائم في كل تجمعات العائلة، كما تنحصر وظيفتها أغلب وقت الفيلم في حل جميع المشاكل التي يمر بها علاء وأسرته نظرًا لعلاقاتها النافذة، ما أن يقع أحد أفراد العائلة حتى تظهر هى لتحل المشكلة من جذرها باتصال هاتفي، وحتى هذه الوظيفة لم يوفق في تكييفها كوميديًا.

وحتى مع توافر النية الصالحة لتقديم عمل فني يحث على احترام المرأة في ظل العيش في مجتمع يحقر من شأن المرأة طيلة اﻷربعة وعشرين ساعة، إلا أننا يجب أن نعى طبيعة الوسيط الذي نتعامل معه، فنحن بصدد فيلم، والفيلم يجب أن تكون أسلحته الرئيسة هى السرد ولغة الصورة، وليس الشعارات والخطابات على غرار المقالات الصحافية، وهو ما لا يدركه "آخر ديك في مصر" مثلما غفل عنه من قبل "عدو المرأة".



تعليقات