"طريق طويل".. تألُّق لأنيميشن مصري

  • نقد
  • 10:02 مساءً - 29 مايو 2017
  • 1 صورة



فيلم "طريق طويل"

ضمن فعاليات مهرجان الإسماعيلية الدولى للأفلام التسجيلية والروائية القصيرة بدورته التاسعة عشر المنتهية منذ أسابيع قليلة، خطف فيلم الأنيميشن المصري "طريق طويل" جائزة أفضل فيلم عربي، وهي جائزة ثانوية للمهرجان تنافس عليها عددًا من الأفلام التسجيلية والروائية ذات الإنتاج العربي، وهو أمر يجب النظر إليه كخطوة هامة تُحسب للأفلام المصرية بوجه عام، وأفلام التحريك المصرية بوجه خاص، نظرًا لكون هناك أكثر من فيلمٌ عربيٌ كبير -سواء على صعيد الفكرة والقصة أو على سبيل التمويل- لم يتمكن من نيل الجائزة.

يبدأ الفيلم بشاب يافع أزرق اللون يرى أمامه كلمة "طريقٌ طويل" هي عنوان الفيلم وربما وصف أولي لماهية هذا الطريق، وبعفويّة واضحة يخترقه وينطلق فيه، الذي شيئًا فشيئًا نعلم أنه طريق حياته ذاتها، ورغم وجود الكلمة بشكل واضح أمامه تُخبره أنه أمام طريقٌ سيواجه به الصعاب، إلا أن الشاب لا يقف للحظة ليفكر في الأمر، أو ليسأل حتى عن حقيقة هذا الطريق، كالطفل المُتلهف لاختبار كل ألوان الحياة وتجربة كل شيءٍ فيها، لذا بنزعة فضولية، تبدأ الرحلة الحياتية.

يركض الشاب وينظر حوله أثناء الركض، يرى العديد من أمثاله، يراهم ربما لأول مرة كأنه في أول يومٍ في المدرسة الابتدائية، لا يعيرهم الكثير من الانتباه ويُكمل طريقه، يُفاجئه الأمر، يرى المزيد، نمادج حياتيّة مختلفة تركض معه، يجد المطبات والأرصفة تعترضه محاولًا نخطّيها، في صورة لا تخطئها العين ولا تتطلب الكثير من الفهم لرمزيتها عن عقبات رحلة الحياة لكلً منا.

يرى الشاب الذي يريد أن يوقعه أرضًا، يرى العجوز الذي يحمل أولاده الصغار على ظهره، ويرى شابة جميلة يُعجب بها، يقترب منها فيسيرا جنبًا إلى جنب، وعندما يتعثرا في مطبٍ بسبب إنشغالهم بالتحديق في أعين كلاهما، يتشقلبا سويًّا ويُتابعان ركضهما بعد أن ظهر مولودًا فجأةً في الكادر تلتقطه الأم سريعًا، في واحدة من المشاهد الفكاهية التي لم يستطع أحدًا من الجمهور أثناء العرض الفيلمي التماشي معها بدون ضحكة صوتية على الأقل.

يكبُر الشاب ليصبح رجلًا فعجوزًا وهو ما زال يركض في الطريق، لا يستطيع أن يحمل عائلته بسبب تقدمه في السن .. لذا يتوقف لحظةً وهو منهك ومُتعَب، فيجد ابنه يمد يده ليساعده، بعدها يُكمل الزوجان العجوزان الطريق، ويسلك حينها الإبن طريقًا آخر، في تطابق شكلي واضح بين الشابين أزرقي اللون؛ الوالد في البداية والإبن في النهاية، يركض الشاب حيثما بدأ الوالد، يركض في طريق حياته الخاص، لينتهي الفيلم بقطعٍ مُفاجئ.

المميز في الصورة الختامية للفيلم هو عدم انتهائها بشكل معهود من ناحية نهاية القصة التي عادة ما تكون بشكل دراماتيكي أو على الأقل تكون مُمهدة الإنتهاء بطريقةٍ ما، الأمر هنا أقرب لكونها النهاية (الزمنية) للعالم الفيلمي فقط.. لكن كحياة هي لا تنتهي أبدًا، وكأن هذا الفيلم الأنيميشن جاء ليعيد تذكيرنا بالاستمرارية السرمدية لعالم الواقع في شكل العالم الخيالي الكرتوني الذي أعطى لنا هذا الإحساس.. .. ما زال الشاب يجري، ما زالت الحياة طويلة، وبشكلٍ ما القصة -في الواقع الحياتيّ- لم ولن تنتهي أبدًا، لذا فمن هذا المنطلق ليس من المُفترض أنه هناك نهاية حقيقية في سياق القصة، والمشهد الختامي خير مُعبّر عن هذه الحالة من الناحية المونتاجيّة بكونه انتهى بشكل مفاجئ قاطعًا على ركض الإبن المُكمل لمسيرة والده وهو ينظر للأفق.

الأمر مذهل تمامًا حين تفكر بإمكانية الأفلام الكارتونية تلك من الناحية القصصية، لا شك أنها أكثر الأنواع التي تتميز بمساحة إبداعية وقدرة على التعبير بالأفكار ورواية أشكالًا وأنماطًا من القصص التي توصل المعنى في نفس المُشاهد لا توازيها في ذلك أي نوعيّة فيلم حي/واقعي. . وكونها عديمة الحوار (صامتة) -كحال فيلمنا هذا- يزيد القدرة التعبيرية برأيي، خصوصًا إذا ما كانت الأفلام الكرتونية تلك قصيرة، الذي تشترط وجود نوع من الابتكار على مستوى الفكرة تتوافق مع العملية السردية للفيلم خلال زمنٌ قليل.

أكثر ما جذبني في القصة هو التعددات التعبيرية التي يمكن أن يتخيلها المُشاهد من الدواخل على الشاب في طريقه الحياتيّ/المغامراتي هذا، كُلًا منا يمكنه صياغة موقفٌ ما أو مرحلة عمرية كمثل التي رأها صديقنا في رحلته، ورغم هذا فإن الناحية الرمزية هنا ليست كبيرة، بل على العكس الصورة مُباشرة وشديدة الإستجابة والتفاعل معها، ربما هذا لإعتماد الفيلم بشكل أساسي على النزعة الكوميدية المرحة التي تسيطر على أجواء القصة، وربما لم تكن لتخرج بهذا الشكل الظريف إذا ما كانت بطريقةٍ أخرى، القصة ذاتها تحتمل أبعادًا كثيرة من الرمزية والإسقاطات على الواقع المعيشي وأشياءٌ من هذا القبيل: كفكرة ضرورة خوض زمام الرحلة الحياتية التي لم يتطرق إليها الفيلم وفضّل توريطنا مباشرةً ببدئها، أو فكرة معرفة الطريق الذي يريد أن يسلكه المرء بحياته، وإذا ما كانت كل هذه الأبعاد التي تحتملها القصة ليست ضمن قاموس صانع الفيلم، وهدفه الأول كان التعبير عن (صيرورة الحياة) بنمط كارتوني يتقبله المُشاهد فهو بالتأكيد نجح في ذلك.

الفيلم ليس عظيمًا إذا ما قورن بالأفلام الأنيميشن الأخرى المنافسة على جائزة (أفضل أنيميشن قصير) الذي لم يظفر بها، خصوصًا من الجانب الفني والابتكاري لتصميم المُجسّمات الحاسوبية الـCGI للشخصيات المتحركة، التي بدا العمل معها مهتمًا بالفكرة الرئيسية أكثر بكثير من إنشاء عالم كارتوني يحتضنها، على عكس معظم أفلام التحريك الأخرى بالمهرجان، لكنه من ناحية القصة قويٌ ومؤثر وسهلٌ أن يجذب المُتلقي: أولًا بكونها قصة ذات نزعة شعورية عن الحياة ذاتها وتلامس البعد العاطفي قليلًا للمتلقي، وثانيًا لأن تنفيذ هذه الفكرة لم يتعدى الخمس دقائق هي عمر الفيلم، والتي لم تستطع أفلامٌ أخرى تجسيد أمرًا كهذا وحجم المعاني التي تغلفها قصتها بأضعاف هذه المدة الزمنية.

الفيلم للمخرج المصري الشاب عادل البدراوي الذي درس بقسم الرسوم المتحركة بالمعهد العالي للسينما، وهو فيلم يتسم بالذاتية الشديدة إذ أن مخرجه هو نفسه كاتب القصة ومُصمم الأشكال الكارتونية للشخصيات، ومن الجدير بالذكر أن المخرج قد حصل عام ٢٠١٤ على دبلومة متقدمة في مجال الرسوم المتحركة من مدرسة رسوم متحركة أمريكية ساعدته على تنفيذ فيلمه هذا.

وصلات



تعليقات