"اﻷصليين"... حكاية أزلية سقفها السماء (عرض تحليلي)

  • نقد
  • 12:55 مساءً - 5 يوليو 2017
  • 4 صور



اﻷصليين

في واحد من أهم آثاره النقدية على اﻹطلاق، يحاول الكاتب والأكاديمي اﻹيطالي الراحل إمبرتو إيكو من خلال كتابه الهام "اﻷثر المفتوح" تقديم مقاربة تعريفية للعمل الفني المفتوح أو اﻷثر المفتوح بعد طول لبس طال كل من تعامل مع هذا المصطلح في اﻷدبيات النقدية، فهو يرى في كتابه أن العمل الفني المفتوح يحمل في طياته صيغة غير مغلقة على نفسها في شكلها النهائي، بما يسمح بإعادة تأويل وإعادة تشكيل عناصره المكونة لمرات لا حصر لها، وذلك حين يتواصل المتلقي بنفسه مع هذا العمل لتلمس ما يثيره هذا العمل في عقله وإحساسه، مما يؤدي إلى نوع من التكامل بين المبدع والمتلقي، فيتجه العمل في كل مرة ومع كل متلقي إلى مسار جديد بالكلية يخلق بدوره تصورًا مختلفًا لنفس ذات العمل.

وعلى الرغم من استتاره وراء بنية الحركات الثلاث المعتادة في السينما (بداية/عقدة/حل) لاعتبارات تسويقية وجماهيرية مفهومة، إلا أن فيلم اﻷصليين لكاتبه أحمد مراد ومخرجه مروان حامد يحمل وراء هذه البنية البسيطة ظاهريًا، وعلى نحو لا تخطئه العين، عملًا مفتوحًا بشكل يقترب للغاية من المعنى الذي أرساه إيكو في مؤلفه، تسمح له بإتخاذ نقاط بداية ونهاية عديدة لحكايته لا تتقيد أصلًا بالمدة الفعلية لعرض الفيلم على الشاشة، بل إن البنية المفتوحة للفيلم تنجح في وضع أكثر من نقطة بداية يمكن أن تبدأ بها الحكاية المركبة للفيلم، وأكثر من اقتراح لكيفية انتهاء الحكاية أو لا انتهائها باﻷرجح، مما يؤدي بالتالي إلى انكسار بنية الحركات الثلاث من تلقاء نفسها داخل عقل المشاهد الملاحظ لهذا التركيب في البنية.

ومن أجل التأكيد على فكرة اللابداية التي يقدمها الفيلم لحكايته، يبدأ الفيلم أصلًا بتعليق صوتي مع سواد يملأ الشاشة بأكملها، لنسمع مونولوجًا صادرًا من رشدي أباظة (خالد الصاوي) يتناول من خلاله فكرة التدجين، مقررًا أن يمد خيط الفكرة التي يطرحها من عالم الطيور إلى عالم اﻹنسان، ثم تبزغ الصورة بعد انتهاء المونولوج من النقطة التي وقع عليها الاختيار لتكون هى بداية علاقتنا نحن المشاهدين بالحكاية كما نراها على الشاشة وليس من بدايتها الفعلية والممكنة من نقاط لا متناهية، وذلك من خلال مقاربة بصرية يقوم بها الفيلم لفكرة رشدي عن التدجين، حيث تتراص الدواجن المغلفة داخل السوبرماركت في استعداد ليتم استهلاكها من قبل رواده، ومنهم الداجن البشري الذي يختاره الفيلم ليكون اﻷمثولة من وجهة نظر رشدي على فكرته، وهذا الداجن هو سمير عليوة (ماجد الكدواني) الذي يمثل نموذجًا معياريًا ومعتادًا بين البشر، رجل عائلة، في منتصف العمر، ممتلئ الجسد، يعمل في وظيفة روتينية وثابتة وتؤمن له بالتالي دخلًا ثابتًا، تسير حياته في خطوط مستقيمة لا تحيد عن مسارها، وهو ما يعبر عنه المخرج من خلال أفعاله الروتينية بلقطات متوسطة مع الحفاظ على وضعيته في منتصف الصورة تمامًا أغلب الوقت سواء داخل السوبر ماركت أو عند دفع حساب المشتريات أو عند التحرك بالسيارة أو حتى داخل المنزل مع زوجته، كل شيء يبدو في مكانه لدرجة مفرطة في المثالية.

على مدار الربع الأول من الفيلم، لا يدرك سمير كينونته كمجرد جزء من كل، أو بكونه مجرد فرد منتظم ضمن منظومة أكبر منه، لكن ربما تكون عبارة "لا يدرك" تعبيرًا غير دقيق عن حالته، أفضل عليها كلمة "يستسلم"، وهذا بناء على المعطيات التي أدت إلى تدجينه في المقام الأول من قبل البداية الفعلية للأحداث بفترة طويلة جدًا: نشأته المحافظة، انتسابه لشريحة مرفهة تحاول الحفاظ على منظومتها وتفردها عن سائر الشرائح الاجتماعية، تفوقه السابق في لعبة لم يخترها من اﻷصل وهى تنس الطاولة، تخليه عن قصة الحب الوحيدة التي عاشها طيلة حياته لصالح زيجة تقليدية خالية من المشاعر بإيعاز من اﻷم، تغلغل السلطة اﻷبوية في حياته ممثلة في استحضار سلطة اﻷب الغائب بفعل الموت وامتداد المسيرة من خلال الأم (هناء الشوربجي)، كل هذه النقاط الخاصة بحياته تقترح بدايات مختلفة للحكاية وتعيد معها ترتيبها من جديد بما يتفق مع متابعة كيفية التحول الطارئ على سمير -بشكل شبه خطي- من شخص يتلمس طريقه إلى شخص يسير في خطوط مستقيمة بفعل ما يرتضيه له الجميع من حوله.

في غمرة جزئية رؤيته للعالم وانغماسه في معيشة مستقرة معروفة تفاصيلها سلفًا، ينكسر أول خط مستقيم من الخطوط التي انتظم في سيرها كداجن عندما يأتي التهديد اﻷول في الخط الرئيسي الذي يسير بقية الخطوط، حيث يتبخر مصدر رزقه ورزق أسرته الصغيرة في غمضة عين بدون سابق إنذار حينما يتم إبلاغه بالتخلي عن خدماته في البنك الذي عمل فيه طيلة خمسة عشر عامًا، كان سمير مطمئنًا حتى اﻹفراط لوضعيته للدرجة التي دفعته للظن أنه لا يوجد شيء ليزعزع كل هذا طالما سار على نفس المسار المعتاد في عمله، ومن هنا يتحول منطق الصورة، ارتباك كامل يهز بعنف عالم الداجن ويهدده بخروجه من السور الحامي له، تتالي اللقطات القريبة جدًا والقريبة والقريبة المتوسطة ضمن تتابع مونتاجي يسلك سلوك الفوتومونتاج كموازي للقطات الطويلة الاستعراضية لعالمه المستقر في بدايات الفيلم، حيث ترصد هذه التتابعات الحادة في قطعاتها محاولاته اليائسة ﻹعادة الخط إلى استقامته مرة أخرى.

هذه الصدمة غير المتوقعة التي تقع لسمير تضعه على أول الطريق المنتظر لعودة وعيه بوضعه في العالم من جديد بعد سنوات طويلة في الانغماس في المنظور الضيق المنغلق على ذاته وعالمه الصغير، فحين يدرك أن مسار حياته كلها منظور ومعلوم ومسجل سلفًا، يكتشف أنه لا مفر هذه المرة من التخلي عن الخط المستقيم السابق والسير وراء خط بديل لكيلا ينهار خط اﻷسرة معه، والذي يحافظ عليه بحكم الاعتياد وليس بحكم العاطفة الحقة، خاصة مع التهديد الواضح الذي يمثله هذا، وهى الفكرة التي يترجمها مروان حامد في لقطة واحدة ثابتة بالغة الذكاء، فحين يحاول سحب أموال من ماكينة السحب ليكتشف أن رصيده اﻵن صار صفرًا بسبب خصم قسط الشاليه الذي تم شرائه بإيعاز من الزوجة النهمة للاستهلاك الشرس، يقوم حامد بتأطير سمير باستخدام إطار زجاج السيارة من الداخل مع رؤيته من داخل هذا اﻹطار بشكل غائم تمامًا Out Of Focus في مقابل الوضوح التام للابنة التي تشكل بنفسها ضلعًا من أضلاع اﻹطار، هذا هو منظور الابنة اﻵن ﻷبيها، بلا مال ينفقه عليها يصير على الفور بمثابة شبح بالنسبة لها وكذلك الحال ينسحب على الزوجة والابن بأكثر من تنويع بصري ودرامي.

قبل معرفة وضع سمير اﻵن بعد قبوله العمل الجديد أو بمعنى أدق الدعوة للمغامرة، لنتوقف قليلًا مع رشدي أباظة مندوب "اﻷصليين"، نحن لا يساورنا أدني شك أن هذا الاسم هو مجرد اسم مستعار يستتر وراءه تمويهًا عن هويته الحقيقية التي لا نعلم عنها أي شيء على اﻹطلاق، قد نعلم بعض اللمحات عن رؤيته للعالم بفضل طبيعة عمله التي تخول له النفاذ إلى أدق أسرار من يراقبهم، لكننا لا نعلم أي شيء آخر أبعد من ذلك: حياته الاجتماعية، خلفيته الدينية، معتقداته الشخصية... نحن نراه طوال الوقت رجلًا يتلون بين الهويات ويتحرك بينها بحرية شديدة، تارة نراه داخل بازار، وتارة أخرى بين اﻷحراش يحدثه عن النداهة، مرة يحضر إحدى حلقات الذكر الصوفية في مسجد، ومرة أخرى يحضر مولد العذراء.

هذه الهوية فائقة التلون التي يملكها رشدي -أو أيا كان اسمه الحقيقي- تترك أثرها الواضح على لغته كذلك، فبين لهجة فائقة الشوفينية والمغالاة في النزعة الوطنية التي تدفعه للجوء إلى سردياته الخاصة بمنظوره هو عن التاريخ المصري وتفاصيل الحياة المصرية إلى استخدام مفردات يغلب عليها الصبغة الدينية ويغلب عليها فكرة الاحتكام إلى السلطة اﻹلهية ومحاولة محاكاتها، وهو ما يعيدنا للنقطة الأولى التي بدأنا بها هذا المقال، وهى انفتاح مستويات الفيلم بشكل واسع على نحو يمكن تأويله على أكثر من وجه دون تغليب ﻷي منها على اﻵخرى.

بالعودة لسمير في عمله الجديد، هناك تأثير واضح لطبيعة شخصية رشدي أباظة على حياة سمير اﻵنية التي صارت مفارقة للمكان والزمان بالمفاهيم المجردة لكل منها، فمن داخل غرفته الصغيرة التي تراها على هيئة عين كبيرة مراقبة وهو في قلبها، ينجح سمير إلى النفاذ ﻷي مكان يريده بشكل افتراضي ودون ان يتحرك من مكانه بتاتًا، وهو ما يضعه على طريق التحول من شخص جزئي الرؤية إلى شخص كلي الرؤية حتى لو كلفه ذلك أن ينتظم تحت سلطة تقوم بمراقبته هو اﻵخر.

ومن حيث الزمان، يقوم الفيلم بفتح بوابة الزمن على مصراعيها بحيث تحضر كافة اﻷزمنة الغابرة والقادمة في اﻷفق في ظل حضور اللحظة اﻵنية المعاشة حاليًا، مما يضع إمكانية ضخمة وهائلة ﻹعادة ترتيب جديدة لحكاية الفيلم بأكملها على نحو أوسع هذه المرة لنرى كافة المستويات المتعددة للزمن على متوالية واحدة (الماضي/الحاضر/المستقبل)، وليس فقط على حياة سمير كما ذكرت في فقرة سابقة، فقد تبدأ حكاية الفيلم وفق هذا المنطق منذ لحظة الخلق نفسها حيث نشأت فكرة رقابة الرب على عباده وسعي البشر لمحاكاة الفكرة على حد تعبير رشدي، أو من الحقبة الفرعونية في عز ازدهارها حين انتعش الخيال اللازم ﻹبداع الحضارة مثلما تذكر ثريا (منة شلبي في محاضرتها واضمحلال هذه الحضارة مع قدوم الرومان، أو حتى من بدايات القرن العشرين سعيًا وراء الحكاية الحقيقية التي تقف وراء أسطورة ياسين وبهية بالغة التأثير في الذاكرة المصرية، والتي نراها في الفيلم بوجهتي نظر مختلفتين تمامًا، ووصولًا إلى اللحظة الحالية التي يعيشها سمير.

ومن الماضي ومرورًا بالحاضر، يمكن تلمس بوادر المستقبل كذلك مدًا للمتوالية الزمنية على كامل استقامتها: الغرفة التي يعمل بداخلها سمير لا تبتعد إطلاقًا عن التصورات الديستوبية المستقبلية للسلطة بكافة تنويعاتها كما قدمتها على نفس الشاكلة العديد من الأعمال والافلام التي حاولت تخيل المستقبل، كأن هذه الغرفة لا تخضع لقوانين الزمن، ثم قد يتلوها لحظة نهاية العالم كما يرد على لسان رشدي خلال أحاديثه مع سمير حول سيناريو خلو كوكب الأرض كما نعرفه بشكله الحالي من البشر خلال ما يزيد قليلًا عن أربعين عامًا بفعل توالي الكوارث عليها، هل ما يتفوه به رشدي أباظة مجرد تخيل ذهني أم حقيقة لم يأتي اوانها بعد بفضل قدرته على النفاذ لمختلف المستويات؟ هل يستطيع النفاذ عبر الزمن مثلما يسطيع النفاذ عبر المكان؟ هل هى نبوءة تمتد على نفس الخط الزمني أم مجرد خيال واسع؟ ربما يكون هذا محتملًا بشكل كبير حتى لو كنا لا نعرف اﻹجابة بدقة عن الكيفية أو القدرة ذاتها.

على عكس وضعية سمير كداجن داخل هذه المنظومة حتى بعد تمتعه بشيء من السلطة الجزئية المقيدة بما يمنحه له "الأصليين"، يبرز اﻵن الصوت الصارخ في البرية الذي سيضعه أمام مرآة نفسه ليكتشف مدى اعتيادية ونمطية حياته، وهذا الصوت الصارخ هنا هو ثريا جلال التي يكلف من قبل رشدي بمراقبتها عن كثب ومعرفة كل ما يصدر عنها، ومن هنا تكون الوسيلة الرئيسية للتعرف على من تكون ثريا جلال، وهى اليوميات المسجلة التي تبرز مدى ثراء حياتها وتنوع تجاربها الحياتية وجرأة خياراتها على العكس من تجارب سمير المحدودة، حيث تتوالى اليوميات المسجلة على شريط الصوت حتى تتحول إلى مونولوج واحد متصل لا ينفصل لحياة واحدة، مع مزاوجة شريط الصورة بين تصورات ثريا الواثقة عن نفسها وبين الترجمات البصرية الحرفية الصادرة عن سمير للتجارب التي تسردها بالاعتماد على المخزون البصري.

في بداية مراقبته لثريا، كان كل ما يفعله سمير هو الاختزال المتعسف لتجربتها الشخصية والاجتزاء من حديثها ما يفيده ويفيد رشدي بحثًا عن وسيلة لوضعها تحت السيطرة أو حتى لمحاولة تدجينها مستقبلًا، لكنه سرعان ما يلاحظ فيها شيء أكثر عمقًا من مجرد هدف للمراقبة، تصير ثريا بحد ذاتها هدف منشود، مثل أسمى، تجسيد حي لكل ما كان يتمناه من الحرية وعيش الحياة بملئها بعيدًا عن محدودية الحياة داخل حظيرة دواجن والعيش كداجن.

هذا التطلع الخجول للتغيير داخل سمير يشعر به رشدي، خاصة بعد حضوره ﻷول محاضرة تقدمها ثريا، ويدرك أن مجرد التهديد بالتعرض بالخط المستقيم الخاص بالعمل مع "اﻷصليين" لا يكفي بسبب قيامها على منظومة شبكية معقدة تقوم على مراقبة أكثر من 50 مليون مصري حتى اللحظة اﻵنية وهو مجرد فرد فيها يُرَاقب ويُراقِب، فيمتد إلى الخط الثاني الذي لم يجرؤ سمير حتى اﻵن على الاقتراب منه، وهو خط اﻷسرة، ألم يحن الوقت بالفعل ليدرك حقيقة ما يمثله بالفعل ﻷسرته؟ اﻵن واﻵن فقط تأتيه الفرصة الذهبية للإطلاع على الوجه الحقيقي لعائلته، مما يؤدي إلى هجره لكافة خطوط اﻷمان التي سار وفقها طيلة السنين الماضية (خط العمل/خط اﻷسرة)، وعليه اﻵن أن يتحرر أخيرًا من حياة الدواجن وأن يعيش كحيوان بري حتى لو كان لا يعرف بعد ما هى الوجهة التي سيذهب وفقها، وحتى لو كانت البداية من نقطة الصفر كما نراه واقفًا في الصحراء في طريقه للواحة يحاول التماس طريقه الجديد، بعيدًا عن "الأصليين"، وبعيدًا عن اﻷسرة التي تعاملت معه فقط كمصدر للمال لا غير، وبعيدًا حتى عن كل مصادر السلطة بما هى سلطة اﻷم التي يتماس حديثها اﻷخير معه مع حديث رشدي أباظة وتصبح الصورة أكثر وضوحًا لتتجاور كافة مستويات السلطة على أرضية واحدة (أبوية/مجتمعية/سياسية/دينية....الخ).

في خاتمة الفيلم، نرى سمير وقد تبدل حاله تمامًا بعد سنوات قليلة: بات مطلقًا، توفيت والدته مصدر السلطة الأول في حياته، افتتح مشروعه الخاص الذي استلهمه من ثريا صاحبة الفضل الأول في تحوله من داجن إلى بري، والتي يقابلها وجهًا لوجه هذه المرة وهو اللقاء الذي يمكن رؤيته من منظور مجازي أكثر منه واقعي، حيث بات كلاهما اﻵن من نفس الفصيلة المنشودة.

لكن مع ذلك، يفتح الفيلم الباب على مصراعيه أمام النهاية مثلما فتحه من قبل أمام البداية، حيث يترك لمشاهده احتمالات كثيرة للنهاية خاصة مع ظهور رشدي مجددًا ليؤكد على حضوره، وأن سمير وثريا لا يزالا تحت ناظريه، وهذه الاحتمالات لا تتقيد أصلًا بالنهاية الفعلية للفيلم، ويترك القصة ممتدة لما بعد هذه النهاية، قد يكون هذا اللقاء المجازي بين سمير وثريا دورة آخرى للقصة، ربما يحاول رشدي و"اﻷصليين" إحكام القبضة أكثر وإبراز دورهم أكثر في حيوات من يراقبونهم بدلًا من الاقتصار على المنظومة الحالية التي رأيناها، وربما تصير المنظومة أكثر شناعة في ديستوبيتها، فيؤدي اﻷمر لتوالي الكوارث وتحقق الافتراض الذي قاله رشدي حول نهاية العالم إذا صرنا وراء فكرة إعادة ترتيب القصة وفق التتابع الزمني.

إذن، فدائرة الحكاية مفتوحة تمامًا، قد تواصل دورانها لدورات جديدة بناء على المعطيات التي نملكها من حكاية الفيلم حتى تأتي لحظة توقف غير معلومة ومرهونة بضياع كل ما جيد في هذا العالم، والذي تمثله هنا ثريا بخيالها وتجاربها، تاركًا الحكاية دون أقواس تقيدها، وقد يقودنا الأمر في إعادات المشاهدة إلى اكتشاف بوابات جديدة -كمثل حجرة الصحف القديمة- تطلعنا على غوامض ومعميات هذه الحكاية الأزلية التي ما هى إلا تجسيد مكثف للرحلة الانسانية الدائمة في البحث عن الحرية المنشودة، والنموذج اﻷسمى.




تعليقات