La La Land : عن الحالمين الحمقى

  • نقد
  • 06:18 مساءً - 30 يوليو 2017
  • 1 صورة



La La Land

فى عام 1994 في مهرجان كان، حدثت واقعة تم وصفها كأكثر لحظات المهرجان فوضى فى تاريخه عندما فاز فيلم Pulp Fiction لكوينتن تارنتينو بالسعفة الذهبية، فوقفت سيدة فرنسية معترضة على هذا الخيار، وهتفت لفيلم Red لكيسلوفسكي، فما كان من تارنتينو إلا أن يفعل الفعل الوحيد المتوقع من شخص مثله، وأشار لها باصبعه الاوسط.

هذا العام وفى حفل جوائز اﻷوسكار، حدثت واقعة لا تقل فوضى عن واقعة كان، حين تم الاعلان عن فوز فيلم La La Land بجائزة أفضل فيلم، وصعد طاقم العمل بالفعل للحصول على الجائزة قبل ان يعلن المنظمون أن هناك خطأ، وأن الفيلم الفائز هو فيلم Moonlight.

رغم فوضوية هذه الواقعة والتي أظن أنها لن تمحى قريبًا من الذاكرة، إلا أنها كانت ختامًا مثاليًا لفيلم لا لا لاند ، فالفيلم يتحدث عن أحلام الشباب المحطمة على أبواب لوس أنجلوس، كان من الساخر أن ينتهي مثل هذه النهاية القاسية على من شاركوا به وبالتحديد مخرجه الشاب داميان شازيل .

الفيلم من بطولة رايان جوسلينج وإيما ستون ومن إخراج داميان شازيل في فيلمه الثاني بعد فيلم Whiplash، وكفيلمه السابق يقدم شازيل لوحة عن الحالمين والجاز ويضيف فى هذا الفيلم احتفاء خاص بالسينما.

نقطة الهجوم

فى مشهد طويل من لقطة واحدة مدته خمس دقائق، يقدم شازيل تمهيدًا موفقًا لما نحن على وشك مشاهدته من خلال استعراض غنائي مميز عن تجمع عشرات الحالمين على أبواب لوس أنجلوس، منتظرين تحقيق أهدافهم وراء التل ، كذلك يوضح شازيل أن النجاح في هذه المدينة ليس سهلًا ويمهد للاخفاقات المنتظرة لهؤلاء الحالمين في هذه المدينة القاسية، وبنهاية الاستعراض يضع البوصلة التي سيسير عليها الفيلم بأنه عندما تخذلك المدينة، سيأتى النهار وسيكون يوم مشمس آخر.

الشتاء

فى أسلوب سرد شبيه بفيلم 500 Days of summer يقدم شازيل حكايته من خلال فصول السنة اﻷربعة، ويمكن الربط بين طبيعة هذه الفصول واسقاطها على العلاقة بين (سيب) و(ميا).

في هذا الفصل، يقدم شازيل تمهيدًا لحكايته التي ستسير على خطين متوازيين، علاقة (سيب) و(ميا)، وأحلامهم المتمثلة في حلم (ميا) بأن تكون ممثلة مشهورة وحلم (سيب) في عمل ملهى للجاز.

في هذا الفصل، يكون التركيز أكثر على الخط الثاني، فيقدم شازيل بطليه بأسلوب مميز، حيث يتتبع فى البداية (ميا) وحلمها فى ان تكون ممثلة وصعوبة هذا الحلم بسبب الاسلوب الجاف وعدم الاهتمام الذي تقابله في تجارب اﻷداء ، ثم نتعرف أكثر على (ميا) من خلال استعراض غنائي يُسلًطَ فيه الضوء على الطريقة السخيفة التي يحقق بها الممثلين أحلامهم والمتوقفة على الصدفة بشكل كبير فى أن يهتم بها أحد من المتفرجين ويجعلها تصل.

في النصف الثاني، يتتبع الضلع الثاني في الحكاية (سيب) عكس (ميا) التي نتعرف عليها من خلال استعراض غنائي، نتعرف على (سيب) من خلال مشهد حواري مع شقيقته، وفي ذلك توضيح للفارق بين الشخصيتين، ففي هذا المشهد نتعرف على هوس (سيب) بالموسيقى عمومًا والجاز خصوصًا، فنراه منزعجًا من جلوس شقيقته على كرسى لأنه يخص الملحن (هواغى كارمايكل) وعندما ترغب شقيقته تعريفه بفتاة، يكون السؤال الأهم بالنسبة إليه (هل تحب الجاز؟) فالجاز بالنسبة (لسيب) – كما سنعرف لاحقًا - ليس مجرد موسيقى بل أسلوب حياة، كذلك نتعرف على فلسفته فى الحياة التي قد تظهره فى إطار الشخص اللا مبالي، ولكنه عكس ذلك تمامًا، فهو الآخر له حلم مصمم على تحقيقه.

بعد ذلك نتعرف على حلم سيب فى عزف (الجاز الارتجالى) بحرية والمشكلة التي تواجهه لتحقيق ذلك والمتمثله ببساطة فى انه لم يعد احد مهتما بالجاز أو يريد سماعه، ورغم محاولته لاتمام فلسفته بالخضوع للعالم وتقبل ضرباته، إلا أن طبيعته تنتصر ويسقط وعده للمدير وينجرف في عزف الجاز وبانتهاءه يكتشف أن لا أحد يهتم بما عزفه بروحه للتو، ويخسر جولة جديدة في مباراته مع الدنيا ويُطرَد من عمله.

أما الخط الأول، فيقدم بمشهدين فى أول الفصل وآخره بلقاءات عابرة بين (سيب) و(ميا) وكانت هذه اللقاءات – كطبيعة الشتاء – لقاءات جافة وباردة.

الربيع

هذا الفصل هو اﻷطول زمنًا بين فصول الفيلم الأربعة، فيه يضع شازيل اﻷسس التي سيسير عليها الفيلم في الساعة الأخيرة، ويثبت بشكل أكبر الخطين الرئيسيين للفيلم - العلاقة واﻷحلام الخاصة (بسيب) و(ميا) - . عكس الفصل الأول، يكون التركيز أكبر في هذا الفصل على الخط الأول، فلم يلجأ شازيل لأسلوب السرد الذي استخدمه في الفصل الأول، بل يضع بطليه في مكان واحد منذ البداية، وفي عادة هوليوودية كلاسيكية في اﻷفلام الرومانسية، تكون البداية بشبه كراهية بين الطرفين، حيث تنتقم (ميا) من موقف سيب العدائي في الفصل الأول بطلب أغنية (لا تليق بعازف مثله) على حد وصفه، وتمامًا كما الربيع، تبدأ زهور علاقتهم بالتفتح رويدًا رويدًا ويظهر بوضوح التباين في الاستعراضين اللذان قاما بهما بين تعمد استفزاز في الاول وآخر أشبه بالحلم بالرقص فوق النجوم في مشهد رائع على المستوى البصري، وبين الاثنين مشهد حواري طويل بين البطلين - ذكرني بمشاهد (جيسى) و(سيلين) في ثلاثية (Before) - نتعرف خلاله بشكل أكبر على (سيب) و(ميا) ومن أين نشأ عشق الثانية للتمثيل، وسبب هوس الاول للجاز وتفضيله على باقي أنواع الموسيقى، كذلك يلقي الضوء مرة جديدة مع مشكلة الاثنين مع المدينة فهى (تقدس كل شئ ولا تقدر شئ) على حد وصف سيب، بالاضافة لذلك، يظهر في المشهد التباين في نمط التفكير بين الاثنين، فميا شخص عملي ومنطقي تقدم في تجارب الأداء لتكون ممثلة، بينما سيب شخص حالم يؤمن بتحقيق المعجزات والمبالغة فى رفع قيمة الأشياء الصغيرة.

بنهاية الفصل، تكون علاقتهم في أقصى درجات الازدهار، وتترك ميا صديقها وتعيش مع سيب ويظهر تأثر كلا منهم بالآخر في خياراتهم العملية.

أما عن الخط الثاني، فيبدأ الفصل بخسارة جولة جديدة لسيب في معركته أمام الدنيا، فنجده عازف في فرقة ليس لها علاقة بالجاز أو حتى بالموسيقى، ومع نمو العلاقة يتغير مسار تفكير الاثنين، فتبدأ ميا في التخلي عن تجارب الأداء وتكتب مسرحيتها الخاصة، ويتخلى سيب عن رغبته فى إنقاذ الجاز ويوافق على العمل فى فرقة تنحرف عن نهج العظماء.

وفى أحد أهم مشاهد الفصل تظهر مشكلة (سيب) الرئيسية في حواره مع (كيث) الذي يعترف أن عزفهم ليس تقليديًا ولكن (سيب) يريد أن ينقذ الجاز فكيف ينقذه إذا لم يكن ثوريًا، وأن سر عظمة القدماء في ثوريتهم وانحرافهم على المعهود وقتهم ، واعتقد أن هذه أحد رسائل الفيلم المهمة للشباب الحالمين، إذا أردت أن تكون عظيمًا، عليك أن تكون ثوريًا وتنحرف عن طرق من تحبهم مهما وصلت درجة عظمتهم.

الخريف

في هذا الفصل، يكون التشابك والتداخل بين الخطين الرئيسيين للفيلم في أقصى درجاته، فبالنسبة للخط الأول يستمر اسقاط الفصل على العلاقة، ففي الخريف تبدأ زهور الربيع في الموت، فى مشهد حواري بين (سيب) و(ميا)، تسقط أولى أوراق العلاقة ويطفو على السطح مشكلة التباين فى اﻷفكار بين الاثنين، (سيب) تغير ﻷجل (ميا) وتخلى عن حلمه ويبدو أنه استسلم في معركة الدنيا، بات يفعل ما يظن أن (ميا) سترضى به ولكن على العكس، فهذا التغير جعله شخص آخر غير الذى أحبته في البداية فالأشياء التي تخلى عنها مثل حلمه وأفكاره المؤمن بها هى تحديدًا الأشياء التي جذبتها إليه، وفي استخدام رائع لشريط الصوت، توقفت موسيقى الجاز تمامًا في لحظة انفجار (سيب) فهو أيضًا لم يقبل هذا التغير في شخصه، ولكنه فعل ذلك ﻹرضاء من يحب، فكان من الطبيعى أن ينفجر فى وجه (ميا) التي تنتقد هذا التغير.

تسقط الورقة الثانية لحظة تخلي (سيب) عن (ميا) يوم فشل عرضها، فهو لم يكن بالنسبة إليها مجرد حبيب، بل كان الشخص الذي يشجعها، الذي يطمئنها بشأن ما تقوم به، من يواسيها في لحظات الاخفاق، هذه كانت لحظة انفجار (ميا) عندما أدركت انه ليس بالجوار فى أشد لحظات القسوة والهزيمة، اعتذاره لم يكن كافيًا، ولذلك قررت الرحيل والعودة للموطن الأصلي، فلقد اكتشفت أخيرًا أن (لوس أنجلوس) لفظتها ولم تعد تحتمل أكثر.

مع نهاية الفصل تسقط الورقة الاخيرة مع إدراك الاثنين ان استمرارهم مستحيل وأن كلا منهم سيدمر الآخر لا يعينه، يتفقان على أن يسير كلا منهم وراء حلمه ومع ذلك سيحافظان على الحب بينهم.

بالنسبة للخط الثاني، فعكس ما يبدو فشل (سيب) لا يقل اطلاقًا عن فشل (ميا)، صحيح أنه وجد عمل ثابت وحقق أخيرًا النجاح، ولكن كما أسلفت فى الجزء الاول لم يكن هو كان شخصًا آخر، وظهر ذلك بشدة في مشهد التصوير فقد بات مسخًا، لم يعد هو الشخص الحالم بانقاذ الجاز ، أما (ميا) فليست أفضل حالًا، ففي هذا الفصل خذلتها المدينة تمامًا وأطلقت رصاصة الرحمة على حلمها بعد الفشل الذريع لعرضها وسخرية الناس منها.

ولكن مع نهاية الفصل، يعطى شازيل قبلة الحياة لبطليه، فنجحت ميا أخيرًا في تجربة أداء، وأيقن سيب أن مكانه ليس كعازف في فرقة رحالة، وإنما العودة لحلمه القديم فى إنقاذ الجاز.

الشتاء

هذا الفصل تحديدًا يوضح الفارق بين الواقع والسينما، فى هذا الفصل نقابل الأبطال بعد خمسة سنوات، في نصفه الاول يقدم (شازيل) الختام الواقعي والمنطقي لقصته بعد فراق (سيب) و(ميا) في الفصل السابق، صحيح أن كلا منهما حقق حلمه، فالأول ترك الفرقة وافتتح مكانه الخاص، حيث يتم عزف الجاز بحرية وبات يعيش حياته وحيدًا كما أراد في الفصل الأول، والثانية أصبحت نجمة مشهورة ومحبوبة، وحازت هى الاخرى بالحياة التي أرادتها ببيت هادئ وطفلة، ولكن رغم ذلك فكلاهما ليس سعيدًا، وظهر ذلك جليًا في نظرة كلا منهم للآخر. فى النصف الثانى اراد (شازيل) ان يكون عادلا مع ابطاله بطريقة لم تحدث معه هو نفسه فى الاوسكار حيث قدم رؤية اخرى للاحداث ، رؤية مثاليه لعالم مثالى ، عالم احب فيه (سيب) (ميا) منذ اللحظة الاولى ولم يكن قاسيا ، عالم سار فيه كلا منهما وراء حلمه دون ان يفترق عن الاخر ، عالم لم ينضم فيه (سيب) الى فرقة يكرهها ولم تفشل فيه مسرحية ميا ، عالم لم يترك فيه (سيب) (ميا) تسافر وحدها الى باريس بل كان بالجوار وافتتح هناك مكانة لعزف الجاز ، وفى مشهد كان من الطبيعى ان يكون فى قاعة عرض سينمائيه رأى (سيب) و(ميا) انفسهم وهم يحملون طفلتهم ، عالم لم تلفظهم فيه لوس انجلوس. ولكن (شازيل) يعلم جيدا ان العالم ليس بهذا العدل فعاد مره اخرى الى الواقع مع نظرة وداع اخيرة من (سيب) الى (ميا) التى ترحل مع زوجها.

وصلات



تعليقات