مقتل غزال مقدس.. هل تقتل إبنك فداء لبقية الأسرة؟

  • نقد
  • 05:26 مساءً - 10 نوفمبر 2017
  • 5 صور



في تجربته الثانية في تقديم فيلم ناطق بالإنجليزية، والإستعانة بنجوم السينما الأمريكية، يقدم المخرج اليوناني يورجيس لانثيموس معالجه عصريه لأسطورة إيفيجينيا، تلك التي تدور حول الإلهة آرتيميس التي أعلنت غضبها الجم على القائد الإغريقي أجاممنون، عندما قام بقتل الغزال المقدس الذي كان فى حمايتها، وأصابته بلعنة أوقفت تقدم اسطوله المتجه إلى طروادة لمحاربتهم، بل أنذرته بإن رجاله سوف يواجهون الموت قبل ان يتحركوا من أماكنهم، وأن اللعنة سوف تطول أفراد عائلته الواحد تلو الآخر حتى يفنوا جميعًا، والسبيل الوحيد لإنقاذه من تلك اللعنة، أن يضحي أو يقدم قربانًا وروح في مقابل الروح التي أزهقها، وكان الثمن باهظًا لأن المطلوب أن يكفر عن خطيئته بدم ابنته المحبوبة إفيجينيا، وتؤكد الأسطورة أن أجاممنون لم يجد أمامه حلاً للتخلص من لعنة الإلهة آرتيميس غير ذبح ابنته، نعم الإلهة "مابتهزرش"!

في القرن السابع عشر، قدم الرسام الفرنسي فرانسوا بيريير لوحة عظيمة عن مأساة اجاممنون، وإبنته إيفيجينيا التي كانت حياتها قربانًا لرضاء الإلهة وثمنًا لما اقترفه والدها من خطيئة.

المعالجة الحديثة التي قدمها المخرج يورجيس لانثيموس، وكتب لها السيناريو الذي ثمنته لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائي ومنحته جائزة أفضل سيناريو، يستبدل القائد الإغريقي أجاممنون بجراح قلب ماهر ويده "تتلف فى حرير"، ولكنه يتسبب بسبب الإهمال وربما العنجهية والثقة المتناهية في مهارته في وفاة أحد مرضاه، خطأ مهني كان يمكن أن يمر بسلام، أو بقليل من تأنيب الضمير، أو حتى المساءلة، ولكن المشكلة أن ستيفين مارفي "كولين فاريل" لم يعترف بخطأه المهني، بل أحاله إلى طبيب التخدير، ربما اعتقد أن الحكاية إنتهت، وأصبحت في طي النسيان.

ولكن الأمر لم يصبح كذلك بالنسبة لابن المريض المتوفي، وهو مارتن "باري كيوجان" صبي مراهق غريب الأطوار، مخيف فى صمته ونظراته وقدرته على الاقتحام، يخفى أكثر مما يظهر، وقد جاء لتحقيق العدالة من وجهة نظره، حياة مقابل حياة، في البداية نشاهد لقاءات مكثفة بين جراح القلب الشهير ستيفين ميرفي وبين الصبي مارتن، ولم نفهم أسرار تلك العلاقة التي يبالغ فيها ستيفن رغم تحفظه الشديد، في تدليل الصبي، وإغراقه بهدايا ثمينة، ومحاولته إخفاء تلك العلاقة عن محيطه الاجتماعي، ويطلب الصبي صراحة أن يتعرف بأسرة الجراح الكبير، فيدعوه إلى عشاء عائلي، ويلتقي لأول مرة بآنا "نيكول كيدمان"، زوجة ستيفن وبابنته المراهقة وطفله الصغير، ولكن يحدث بعد فترة وجيزة أن الابن الصغير، لا يستطيع أن ينهض من فراشه ويعجز تمامًا أن يحرك ساقيه، فيما يشبه الشلل، ويحتار الأب في الأمر، ويعرضه على الأطباء والمتخصصين في الأعصاب، وبعد إقامته في المستشفى، يؤكد الأطباء أنه لا يعاني من شيء على الإطلاق، ويعتقد الأب أن طفله يقوم بتمثيلية لجذب الانتباه، أو للتخلص من أعباء الذهاب للمدرسة، ولكن يحدث أن الابنة المراهقة تصاب أيضًا بنفس الحالة، ويعجز الأب عن ايجاد تفسير منطقي لما يحدث، وهنا يكشف "مارتن" عن وجهه الحقيقى، ويؤكد لستفين أن ما اصاب ابنيه هى لعنة لن تنتهي، بل سوف تتزايد ويفاجأ بأن ابنائه ينزفون دماء من عيونهم حتى الموت وأن هذه الأعراض سوف تنتقل لأفراد الأسرة ولن ينقذهم من هذا المصير إلا التضحية بفرد منهم، يختاره الأب ليكون قربانًا وعقابًا عما اقترفت يداه!!

هنا ينقلب حال الاسرة تمامًا ويدب الذعر في قلب الأبناء، الطفل يحاول أن يبدو مطيعًا ويقوم بحلاقة شعره وهو ماكان يرفضه تمامًا رغم غضب والده، وكأنه يحاول أن يقنعه ويرجوه بألا يضحي به، وكذلك تفعل الفتاة، كل من الطفلين يحاول ألا يكون هو الضحية، ويقع الأب في حالة مخيفة من الألم لمجرد أنه بدأ يفكر في أي من الطفلين يمكن التضحية به، أما الأم نيكول كيدمان، فهى تؤكد للأب أنهما يمكن أن يعوضا الابناء لأنهما لا يزالا قادرين على الانجاب!!!! الإختيار المرعب المخيف يزلزل كيان ستفين الذي أصر حتى هذه اللحظة على رفض الإعتراف بخطأه الذي أودى بحياة والد مارتن اثناء عملية قلب مفتوح كان خلالها ستيفن في حالة سكر بيًن وهو يُجرى العملية، العنجهية والكبر من ضمن الخطايا السبع التي تجلب البلاء على صاحبها.

رسم يورجيس لانثيموس شخصياته بعناية فائقة، ستيفن هاديء الطبع متحفظ ولكنه يخفي كم هائل من انحراف السلوك، فهو يطلب من زوجته أن تبدو وكأنها تحت تأثير بنج كلي قبل أن يضاجعها، كي تبدو مثل جثة بلا حراك ولا إرادة! رغم هدوئه الظاهري إلا أنه يهدد طفله بقص شعره وإجباره على أكله لو لم يستجب لقص شعره طواعية، وهى فكرة غريبة وشريرة أن تطرأ أصلًا على بال الأب! ومع ذلك فهو يصاب بالهلع لما أصاب أبنائه، ويسعى لحماية كيان الأسرة ولو اضطر للتضحية بأحدهم.

يطرح السيناريو فكرة الإيمان بالعلم في مقابل الوقوع في أسر الخرافة وما وراء الطبيعة وخارج التفسير المنطقي، الصبي مارتن تجمع تصرفاته بين الجنون والشر المطبق، وكإنه شيطان صغير يحمل قدرة لا نعرف مصدرها لإيذاء الآخرين ووصمهم بلعنة لا تنتهي إلا بتنفيذ ما أراد!

مدير التصوير برثيموس بكاتاكيس، إستطاع بكاميرته والإضاءة داخل منزل ستيفن إضفاء أجواء مرعبة على الأحداث، التحرك في أروقة المستشفى والبرودة التي تنتقل من المكان وترمي بتأثيرها على الأشخاص، كولين فاريل ينتقل إلى مكانة لم يصل اليها قبل لقائه بالمخرج يورجيس لانثيموس سواء فى فيلمهما السابق The Lobster أو مع مقتل غزال مقدس، تطور هائل وملحوظ في الأداء، موسيقى الفنلندي جان راتييه من أهم العناصر المؤثرة فى إضافة أجواء من التوتر والإرتباك لدى المشاهد، وشريط الصوت عمومًا من عوامل التميز فى الفيلم.




تعليقات