The Greatest Showman... رونق المدرسة القديمة ورشاقة المدرسة الجديدة

  • نقد
  • 06:04 مساءً - 3 يناير 2018
  • 1 صورة



في السبعة عشر عامًا اﻷخيرة، لم يعد من الممكن إغفال أو تجاوز الانتعاشة القوية والبعث الجديد الذي شهدته اﻷفلام الاستعراضية، هذا الصنف السينمائي الذي شكل لعقود طويلة جزء هائل من الميراث الهوليوودي العريق ومكون رئيسي من تاريخها السينمائي، وواجه الكثير من الخمول واﻹنحسار مع حلول التسعينات، لكنه سرعان ما عاد بقوة مع مطلع الألفية الثالثة منذ النجاح الساحق لرائعة الاسترالي باز لورمان Moulin Rouge وحتى The Greatest Showman.

من تتابعات البداية، يعلن The Greatest Showman بلا مواربة ولا اعتذار عن تمسكه بالتقاليد العريقة والمدرسة القديمة في صناعة اﻷفلام الاستعراضية ﻷجل حكايته ذات النفس الملحمي، ليس فقط ﻷن زمن حكاية بي تي بارنوم رجل العروض اﻷشهر في تاريخ الولايات المتحدة اﻷمريكية تنتمي إلى القرن التاسع عشر، وإنما ﻷن ملحمية الحكاية ومنعطفاتها الدرامية لم يكن من الممكن أن تصلا بهذا القدر بدون استخدام أدوات وبنية حكائية كلاسيكية تتماس مع رحلة بطلها الرئيسي صعودًا وهبوطًا مرة تلو المرة داخل الحكاية.

تعمل الأغنية الافتتاحية للفيلم على أكثر من مستوى في آن واحد: تقوم بدعوة المشاهدين إلى الدخول بشكل صريح في عالم الفيلم، مرحبة به ليكون جزء منه، ويحاكي الطريقة الترويجية التي كان ينتهجها بارنوم في دعوة الناس لزيارة سيركه، ويبعث للبطل الرئيسي دعوة باطنية وغير مباشرة تاتي في صورة الحلم لبدء المغامرة بالمفهوم الكلاسيكي قبل أن يرتد البطل وهو صغير إلى عالمه البائس ويخرج من هذا الحلم اﻷول.

ربما تكون أقوى نقطة يمتاز بها هذا الفيلم في العمق هو أنه لا يضع هدفًا واحدًا فقط أمام بارنوم في رحلته الطويلة نحو التحقق، بل إنه طوال أحداث الفيلم -وخاصة في نصفه اﻷول- كلما بلغ هدفًا أو تحديًا صعبًا، يجد نفسه أمام تحدي أكثر صعوبة في طريقه، وهو ما يرفع إيقاع الفيلم بشكل تلقائي مع كل هدف جديد امام بارنوم، وعلى نحو معياري جدًا يمكن تمثيله حتى برسم بياني بين الصعود والهبوط.

إن تعددية اﻷهداف التي تلعب عليها دراما الفيلم ترسم لنا خارطة واضحة لحسابات الواقع المعقدة التي توجب على بارنوم التعامل معها في رحلته وتأتيه بعد كل نجاح يحققه، ويمكن رسمها في متتالية على النحو التالي (علاقة حب محرمة على أساس الفارق الاجتماعي تنتهي بالزواج رغم أنف اﻷب/ ملل وتعب من رتابة العمل اليومي وعدم كفاية مدخوله يؤدي إلى التفكير للانعتاق منه/ تسريح من العمل يؤدي لخلق فرصة عمل لنفسه بدلًا من البحث عن عمل/ فشل مبدئي مع بدء افتتاح المتحف الذي اشتراه إلى تغيير المشروع جذريًا لشيء مختلف وغير اعتيادي/ نجاح ساحق يترافق مع اعتراضات متواصلة وعدم اعتراف من قبل المثقفين والارستقراطيين.... الخ).

هذا المؤشر المعياري الذي يعمل به الفيلم يقسمه إلى قسمين متساويين، كل قسم منهما له الدراما الخاصة، أولهما هى رحلة الصعود الصعبة، والثانية هى الرحلة المعاكسة تمامًا لما حدث في النصف اﻷول، وهو من أكثر تجليات المدرسة القديمة التي لا تحاول إخفاء نفسها، سيفضل الجميع النصف اﻷول على وجه التأكيد بما أنه اﻷكثر إشراقًا واﻷكثر بعثًا على اﻷمل، إلا أن هذا لا يمنع من التأثر بما جرى من مجريات في النصف الثاني.

هناك باعثان رئيسيان يتحركان جنبًا إلى جنب لدى كل من بارنوم وكارلايل حتى مع التباين الواضح لخلفية كل منهما ومع اختلاف مساراتهما، وهما الحب المحرم مجتمعيًا، والرغبة في التحقق، بارنوم نجح بالفعل في الحظو بحبيبته حتى مع رفض اﻷب بسبب الفارق الطبقي الشاسع، أما كارلايل، فعلاقة الحب المحرم التي يمر بها أكثر تعقيدًا ﻹن حبيبته ليست ببيضاء ولا يستطيع البوح بحبه لها علنًا ﻷن المجتمع وقتئذ لم يكن ليقر أي حب مختلط عرقيًا، كما أن ما يضاعف المشكلة أكثر هو انتمائه للطبقة الارستقراطية.

وفيما يحاول بارنوم انتزاع رضا ومباركة الطبقة الارستقراطية التي رأت في أعماله شيئًا شعبويًا لا يروق من وجهة نظرهم سوى للدهماء، فإن كارلايل يحاول التمرد على ما هو مفترض منه بتقديم نوعية الفن المرضي عنه من نفس الطبقة، وأن يعمل على رأب الصدع بين هذه الطبقة وبين الفن الذي يقدمه مع بارنوم في السيرك.

ومن شدة إخلاص صناع الفيلم للمدرسة القديمة، تشعر وكأنهم لجئوا إلى واحدة من أكثر اﻷدوات الأولية والأساسية في يد أي كاتب واستغلوها لصالح قصتهم بنجاح كبير، غير أن قماشة القصة تساعد على استغلالها، وهو قاموس المتضادات، تشعر كأن أية صفة في الفيلم ستجد نقابلها وضدها على الفور: الفقر/الغنى، الحب/الكراهية، النبذ/الاعتراف، النجاح/الفشل، الوفاء/الخيانة... الخ.

وفي مقابل المدرسة القديمة، فهناك تقديم رشيق وحيوي للغاية يتلائم مع المشاهد اﻵن، سواء من حيث اﻹيقاع الذي لا يفلت القصة للحظة من يده، أو من حيث القالب الموسيقي العصري الذي يحمل هذه القصة في وعائه، وهو ما يجعله عمل ناجح جدًا في الجمع بين الحسنيين.



تعليقات