لمن يريد أن يعرف المصريين

إذا كانت الأفلام تصنع شهادات توثيقية للتاريخ، فإن هذا الفيلم ربما يكون المرجع المصور الأهم بعد خمسين عاماً للتأريخ لواقع المجتمع المصري في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، فالفيلم يحلل شرائح المجتمع المصري على اختلافها دون أي صراخ أو حوارات زاعقة مباشرة، يرصد ببساطة حالة القهر والشعور بانعدام الكرامة لدى المواطن المصري أياً كانت الفئة الاجتماعية التي ينتمي لها، الفتاة التي لا تملك سوى جسدها لكي تبيعه وتحصل على المال ولقب مغنية، شقيقتها الكادحة التي تكبت حزنها على حالها حتى تدخل عزاء بالخطأ فتنفجر باكية حتى ليظن بعض الحاضرين أن المتوفى قريبها، المذيع المقهور أمام حاجته للمال والنجومية فيرضى لسنوات باستضافة فنانين هو يعلم أن لاعقة بينهم وبين الفن ويجب أن يقدمهم للجمهور تحت لقب فنان كنوع من الدياثة، وحبيبته السيدة المسيحية التي قهرتها قوانين الكنيسة الذكورية فرفضت التصريح لها بالزواج مرة ثانية وصرحت لطليقها الذي لا يطاق على حد تعبيرها، والكوافير الشاب المقهور على أكثر من مستوى، مديره في العمل الذي يطرده تخوفاً من طموحه، وحبيبته التي باعت جسدها من أجل المال، ووالدته التي تعمل حفافة تزين النساء من أجل ممارسة جنسية ممتعة مع رجالهم وهى بلا رجل وفى حاجة للجنس حتى لو كان مع شخص مختل في سيارة النقل العام. هذه الشخصيات على تعددها وتباينها واتفاقها في الشعور بالقهر وفقدان الكرامة، تسترد قوتها وكرامتها للحظة واحدة هي التي أحرز فيها \"محمد أبو تريكة\" هدف الفوز لمنتخب مصر في نهائي كأس الأمم الأفريقية لعام 2008، وبالرغم من أن معظم الشخصيات ليس لديها أي اهتمام بالكرة إلا أن الفرحة تغمرها بشكل مبالغ فيها، ليس لتحقيق المنتخب نصره الكروي، وإنما في واقع الأمر لشعورهم بانعدام القهر واسترداد الكرامة ولو لليلة واحدة هي ليلة الفوز بالكأس. \"كاملة أبو ذكري\" تصنع ولأول مرة أسلوبها الخاص، ففي أفلامها السابقة (ملك وكتابة) و(عن العشق والهوى) و(سنة أولى نصب) كان من الممكن أن تدرك بسهولة أنها أفلام صنعتها مخرجة ما تزال تبحث لنفسها عن أسلوب خاص في التصوير والإضاءة وحركة الممثلين، وبمشاهدة واحدة لهذا الفيلم ستدرك فوراً أنها وجدت أسلوبها، إضاءة واقعية لأقصى درجة ممكنة، تستغلها لتطوع حركة الممثلين للخروج بتأثير درامي معين، تأمل المشهد الذي تواجهت فيه الأختان \"نادية/زينة\" و\"ريهام/نيللى كريم\"، وبخاصة اللقطة الأخيرة في المشهد الذي تدور حول الخوف من الله، ديكور الشقة كان يسمح بأن يدور هذا الحوار في أي ركن من أركانه، ولكنها تختار باب الشقة حيث الإضاءة القادمة من الشراع القديم عبر الزجاج المخرفش وتأثيرها الروحاني على الصورة ككل عندما يغمر الضوء نصف وجه \"نيللي كريم\". أيضاً صورت معظم المشاهد بكاميرا محمولة (ستيدى كام)، وهو ما أضفى طابعاً واقعياً وتوثيقياً في نفس الوقت، كما سمح لها كمخرجة بالتقاط تفاصيل دقيقة ربما يبدو أنها لم تكن مقصودة ولكن تكرارها يؤكد أنها أصرت على رصدها، كشحوب وجه \"نيفين/إلهام شاهين\" الخالي من المكياج معظم الوقت، والرذاذ الفموي المتطاير من الشخصيات عند إنفعالها، وأسنان \"لطفي لبيب\" غير الموجودة، وأخيراً فإنها أدارت ممثليها بشكل سمح لانفعالاتهم بالانطلاق، فمن الواضح في بعض الجمل الحوارية بالفيلم أن الممثلين بدلوا كلمة بأخرى ولكنها لم تقطع التصوير للإعادة لأنها وصلت للانفعال المطلوب منهم، تأمل مثلاً المشهد الذي ترد فيه \"نادية/زينة\" على الملحن اللبناني لتتأكد من ذلك، أو المشهد الذي يتشاجر فيه \"سليم/حسين الإمام\" في الكافيه، وبالمناسبة فإن الدور الذي لعبه \"حسين الإمام\" هنا هو بلا شك أفضل دور قدمه على مدار تاريخه السينمائي، كما أنه (وقد لا يتفق البعض مع ذلك) أفضل أداء في هذا الفيلم الذي شهد العديد من المباريات التمثيلية المميزة. وبالرغم من الروعة الإجمالية للفيلم، إلا أن به نقيصة صغيرة تمنعه من أن يصبح أفضل فيلم في تاريخنا السينمائي وإن كانت لا تمنعه من كونه واحد من أفضل أفلامنا حتى الآن، وهى نقيصة في السيناريو تتعلق بالخط الدرامي الخاص بالسايس \"رجب/لطفى لبيب\" وحفيده تباع الميكروباص، فهذا الخط يبدو مقحماً فقط من أجل أن يتجمع الأبطال في قسم الشرطة في النهاية، ولكنه لم يشهد أي تطور درامي حقيقي، أو صراع مؤثر على الشخصيتين، بالرغم من أن هذا الخط يشكل حالة ثرية درامياً ولكن هذا الثراء الدرامي لم يستغل في أحداث الفيلم على الإطلاق.

نقد آخر لفيلم واحد صفر

عنوان النقد اسم المستخدم هل النقد مفيد؟ تاريخ النشر
لمن يريد أن يعرف المصريين أحمد بدوى أحمد بدوى 7/7 20 ابريل 2009
شاهدت لك: واحد - صفر Fady Baha'i Seleem Fady Baha'i Seleem 3/6 28 ديسمبر 2009
واحـد صفـر… فيلــما يقدم درامـا اجتمـاعيـة لماسـأة مجتمـع Morad Mostafa Morad Mostafa 3/4 9 مارس 2009