أراء حرة: فيلم - الجوع - 1986


الجوع وابعاده السياسية

عندما علمت أن فيلم الجوع للمخرج علي بدرخان ضمن الافلام المشاركة في مهرجان أبو ظبي الدولي وأنه قد تم الاحتفى به على شرف ميلاد الكاتب الكبير نجيب محفوظ قررت أن اشاهده مرة أخرى او مرة ثالثة إذا دققت التعبير ، فوجدتني اعيش من خلاله داخل حارة فقيرة بسيطة يتحدث عنها الفيلم تدل على شريحة لمجتمع كامل في ظروف معينة مرت بها البلاد وهي مرحلة تاريخية من عمر مصر حيث كانت الحارة تحكمها ما يسمى بالفتوة والذي يتولى أمورها ورعاياها ، وبعيدا عن قصة الفيلم التي هي كلاكيت ثالث مرة لنجيب محفوظ بعد فيلم الحرافيش...اقرأ المزيد وشهد الملكة والكلاكيت السابع بعد أفلام كثيرة تدور عن نفسي القصة لمست ابعاد سياسية غايةفي الاهمية فصعود بطل شعبي من وسط مجموعة من الناس الفقراء يختارونه بمحض ارادتهم لمواجهة القهر والظلم وليحقق لهم الامن والأمان فإذا به يتحول بسرعة البرق إلى ديكتاتور ظالم فاسد ليظل صراع الفقراء وكبتهم محل نفوسهم رافضين ذلك القمع في الوقت الذي يطغو فساد ذلك الفتوة وهذا ما يحدث في اكثر المجتمعات العربية والتي يحكمها حكام طغاه ، كذلك نجد تضارب مصالح الفتوة مع حقوق الغلابة والمقهورين فبعد أن يتزوج من (يسرا) ابنة التاجر الثري ويصبح مصالحهما واحدة غير معير لمصالح هؤلاء الفقراء الذين عاهدهم بحفظ حقوقهم اي اهتمام وينقلب ع نفسه من شخص محقق للديمقراطية إلى شخص ديكاتور مستغل ،كما يركز الفيلم على بعد اقتصادي اخر حيث احتكار الفتوة (محمود عبد العزيز) للسوق بعد ان قام باخفاء السلع حتى يرفع اسعارها ويمكنه من التحكم ف قوتهم ، بعض الرموز التي وردت ضمن احداث الفيلم تربطنا بحقائق واقعية نعيشها وخاصة ما يحدث داخل المجتماعات العربية وع الاخص مصر ولهذا فإن فيلم الجوع من اكثر الافلام التي اعتبرها في السينما المصرية تمثل واقع ممتد لحاضر بعيد


اللقاء المحفوظي البدرخاني

عندما سأل أحد الصحافيين المخرج " على بدرخان " عن اذا ما كانت القصة مُستوحاة من ملحمة الحرافيش لنجيب محفوظ رد قائلا : أساساً الاتهام موجّه لي أني أخذت حكاية ''سارق النعمة'' وعملت ''الجوع''، أي أنني سرقت القصة من نجيب محفوظ وأنت تقول الآن أن الفيلم مأخوذ عن حكاية ''قرة عيني''، وناس قالوا أني أخذتها من حكاية ''عاشور الناجي'' وآخرون زعموا أني عملت ''الجوع'' من مجموعة الأفلام المأخوذة عن حكايات الحرافيش ! وكل ذلك خطأ تماماً ، الحقيقة كان عندي رغبة في إخراج جزء من الحرافيش إنتاج يوسف شاهين، وبعدها...اقرأ المزيد بدأت ووجدت أن الموضوع لا يتجزأ ولا يمكن تصوير جزء منفصل... ''الحرافيش'' مجموعة حكايات، نعم، إنما عمل واحد متكامل. أنا متأثّر بالحرافيش ولا أنكر. أعجبتني... لكن إذا أخذت جزءاً منها فأنا أشوّهها! ... وذلك معناه أني لا أفهم نجيب محفوظ. وأيضاً لم أفهم ''الحرافيش'' كعمل أدبي متكامل''. ويضيف بدرخان:''لي الشرف أن يوضع إسمي بجانب نجيب محفوظ، ولكن في هذا الحال سأكون غير أمين. وأكون متاجراً باسم نجيب محفوظ وأيضاً أغشّ المشاهد الراغب في رؤية عمل لنجيب محفوظ...''. لكن إذا أخذت جزءاً منها فأنا أشوّهها! ... وذلك معناه أنى لم أفهم ''الحرافيش'' كعمل أدبي متكامل'' هذا ما أعجبنى فى رد على بدرخان . إختار على بدرخان القصة لتكون أحداثها فى عام 1887 م ، ولكن القصة تعبر عن كل زمان وخاصة ما نعيشه حالياً فى مصر وغيرها من الدول العربية من توقعات بثورات جياع وغيرها . محمود عبد العزيز فى دور متميز كثير الصعوبة و التعقيد يجسد حكاية الفتوة أو الطاغية وكيفية صناعته يشاركه عبد العزيز مخيون فى دور الشخص الخيّر الذى يقف فى وجهه لصالح الحرافيش ومعه سعاد حسنى فى دور أكثر من رائع . هناك جوانب إبداعية كثيرة فى الفيلم منها أيضاً موسيقى الفيلم التى أبدع فيها جورج كازازيان فهى موسيقى مُلفتة من بداية الفيلم حتى آخر مشهد وسقوط الطاغية بأيدى الحرافيش . تقييمى للفيلم 9/10 فهو من أفضل الافلام التى شاهدتها فى السينما المصرية ويوم عن يوم أثق بأن السينما المصرية كانت عظيمة فى يوم ما وربما تعود كما كانت .