أراء حرة: فيلم - Les Misérables - 2012


دليلك الوحيد على بقاء الحرية

عندما قرر فيكتور هوجو أن يقدم روايته (البؤساء) في القرن التاسع عشر لم يكن يعلم بأنها ستتحول إلى هذا الكام الكبير من الأعمال الفنية، والتي لاقت نجاحا وإقبالا فنيا وجماهيريا، وأصبحت المنهل الأساسي للعديد منها، ليأتي المخرج العبقري (توم هوبر) ليقدمها مرة أخرى في ملحمة موسيقية خالقا معها أجواء مختلفة، بحرفية متقنة وكأنك تشاهد أبطالها على خشبة المسرح وليس أمام فيلم سينمائي غنائي، فمع كل مشهد سينتابك إحساس بالرغبة في التصفيق لبراعة المخرج هوبر في دفع ممثليه للغناء مباشرة أمام الكاميرا حتى أنك تشعر مع...اقرأ المزيد صوتهم بالحزن والشجن والغضب الشديد لما يتعرضوا له، ولن يقل ذلك الإحساس عندما تندفع في الغناء معهم وكأنك واحد منهم، كذلك تجلت براعته وقوته في اختيار الممثلين خاصة الممثلة آنا هاثاواي التي نجحت بإتقان شديد في تقديم شخية (فانتين)، وبالرغم من دروها قصير إلا أن قوتها في تأدية الشخصية رسمت خط أساسي لها بالفيلم وقدمت صورة جمالية للأم وتضحيتها العظيمة، وكانت جرأتها في إقدامها على قص شعرها بهذا الشكل لتؤكد أن الدور رسم لها شخصا. ولن يقل أداء كل من النجمين راسل كرو، وهيو جاكمان عن نفس قوة هاثاواي حيث نجح الجميع في زيادة المعاني الجميلة للرواية، وبعيدا عن القصة المعروفة والتي قدمت كثير كما ذكرنا وأذكر منها رائعة عاطف سالم والتي قام ببطولتها وحش الشاشة المصرية فريد شوقي، فتلك المرة يضطر فالجان إلى سرقة رغيف عيش فيتم الحكم عليه بالسجن وبعد خروجه يهرب من المراقبة فيظل الضابط خافير يبحث عنه ليعيده خلف القضبان... نجد الكاتب (اﻻن بوبليل) ركز في الحوار على الرسالة الحقيقة التي دائما يقدمها هوجو في كتاباته ومؤلفاته حيث الرسالة الإنسانية والتي يطرح من خلالها أبعاد عميقة تمثلت في غياب حرية اﻹنسان والقمع والظلم الذي يتعرض له واﻷوضاع الاجتماعية السيئة التي تقهره وأهمها الجهل.... وإذا اكتملت كل عناصر النجاح من طاقم عمل وقصة ومخرج.... فإن اختيار الاغاني التي قدمت بالفيلم كانت من أهم العناصر التي ساعدت في تتويج هذا النحاح خاصة الأغنية الأولى بفتتاحية الفيلم (Look Down) والتي إن دلت فإنها تدل على القهر الذي يتعرض له اﻹنسان، كذلك أغنية (One Day More) وغيرها من الأغاني الجميلة التي كتبها كلود مايكل سكونبيرج> للأسف لن يسعني المكان هنا لذكر كل الجماليات بالفيلم ولكن كل ما أستطيع أن أذكره وأقوله أن الفيلم يستحق أن تشاهده أكثر من 100 مرة باﻹضافة إلى أنه يعد ضمن أفضل 100 فيلم على اﻹطلاق، ولابد من الاحتفاظ به ضمن مكتبة أفلامك.


Les Misérables إنه عالم واحد

" لقد قتلنا ملكًا وأتينا بآخر وهو ليس بأفضل من سلفه، ولكننا سوف نخلعه لأن الشعب الذي بحث عن الحرية أصبح يبحث عن الخبز ". تلك كانت الصرخة التي أطلقها Gavroche طفل الثورة الفرنسية المجيدة فى وجوه من شاهدوا الفيلم الملحمي البؤساء Les Misérables الذي بدأ عرضه فى السينمات العالمية ليلة الكريسماس وعُرض فى مصر منذ أسبوعين تقريبًا، اعتمد الفيلم على الأوبرا الفرنسية المستمدة من رواية هوجو الشهيرة والتى ترجمها _أي الأوبرا_إلى الإنجليزية Herbert Kretzmer ووصلت أخيرًا إلى Tom Hooper ليقدم لنا أقوى عمل...اقرأ المزيد سينمائي موسيقى قُدم خلال العشرة الأعوام الماضية ولن نبالغ إن قلنا إن هذه الملحمة الرائعة تأتي لتنافس أعمال أخرى شهيرة مثل "صوت الموسيقى" و"أماديوس"و "شيكاجو" بل وتكاد تتفوق عليهم. دخلت الفيلم مرتين؛ مرة لأرى الأوبرا التي سمعتها قبل ذلك بصوت المغني الأيرلندي Colm Wilkinson ومرة ثانية لمعاودة اقتناص البهجة التي انتابتني فى المرة الأولى، ويا لسخرية القدر فأهم أفلام هذا العام كأنها أُنتجت خصيصًا لتلقن المصريين دروسًا غفلوا عنها منذ قيام ثورتهم؛ ففيلم Lincoln يأتي ليحذر الساسة من الشقاقات الأهلية و حاجة الوطن لمن يوحد صفه ويلم شمله لا لمن يرغب فى تقسيمه أيدلوجيًا وعقائديًا، و Argo يظهر لنا أن كرامة المواطن في الخارج من كرامة دولته عبر تناول قضية السفارة الأمريكية في طهران عام 1979 وجهود الحكومة الأمريكية في إنقاذ رعاياها، أما les Misérables فهو الوحيد بينهم الذي يخاطب الجماهير والساسة على حد سواء بتحذيرهم من نتيجة المعادلة البائسة التي تتكرر فى كل زمان ومكان؛ شعب فقير وبائس وسلطة أمنية غاشمة يحركها حاكم عابث لا يأبه لمطالب شعبه وثورة تقوم قد لا تبقي ولا تذر ووطن يحترق على مذبح العنف. الفيلم يحكي قصة سجين حُكم عليه بخمس سنوات ثم تضاعفت المدة لمحاولته الهروب مرة بعد أخرى إلى أن وصلت لتسعة عشر عامًا قضاها السجين Jean Valjean (جان فالجان( فى سجنه البائس تحت إمرة Javert (جافير) المفتش الصارم ليخرج بعدها محاولًا الهروب من ماضيه وينجح عن طريق مساعدة قس رحيم _يلعب دوره هنا جان فالجان الأوبراليColm Wilkinson_ فى أن يبدأ حياة جديدة بشخصية جديدة و تتابع الأحداث خلال السرد الموسيقي الرائع ويتم إلقاء الضوء على الثورة الفرنسية و تضحيات جيل شاب دفع عمره لترى أجيال أخرى بلاده كما نراها نحن اليوم قلعة للحرية والعدل والمساواة، لن أتحدث عن الصوت والإضاءة والأزياء والماكياج فمن سيرى الفيلم سيعلم إن أي مديح في حق تلك العناصر الفنية سيصبح مبتذلاً لتفوقها بشكل كبير ، ولكن تظل ميزة هذا الفيلم الأساسية التي يجب الإشادة بها أن الأغاني المقدمة فيه جاءت بصوت الممثلين أنفسهم وليست بصوت آخرين كعادة الكثير من الأفلام الموسيقية، أخرج الفيلم Tom Hooper الذي نال فيلمه السابق خطاب الملك جائزة أوسكار أحسن فيلم العام الماضي، وقام بدور فالجان (Hugh Jackman) الذي تخلى عن الظهوركبلاي بوي ليقدم أعظم أدواره على الإطلاق في هذا الفيلم الذي يستحق به أوسكار أحسن ممثل رغم منافسته المحمومة مع الأسطورة Daniel Day Lewis ومعه جاء (Russell Crowe) بآداء لايرقى لمستواه فى أفلام أخرى ولكن عزى النقاد ذلك لعدم تمرس Crowe على الوقوف على برودواي كزميله Jackman ولعبت دور العاملة Fantine فانتين (Anne Hathaway) فى آداء راق حصدت به الجولدن جلوب كأحسن ممثلة مساعدة منتظرة تتويج الأوسكار، ولكن ما استوقفني طويلاً هو عدم ترشح المخرج عن فئة أحسن مخرج في الوقت الذي ترشح فيه ستيفن سبيلبرج بفيلمه Lincoln رغم الهنات الواضحة وتحديدًا المط والتطويل في بعض أجزاء الفيلم من وتوتر الإيقاع وعدم ترابط بعض الأحداث وهو ماجعل بعض المشاهد تأتي ملتبسة وغامضة! ويجعلنا هذا نتذكر مهازل اقترفتها الأكاديمية فى حق بعض الأفلام المميزة التي حُرمت الأوسكار بسبب توجهات أعضاء الأكاديمية الغير خاضعة للمهنية في كثير من الأحيان، أيًأ ما سيحدث بالأوسكار سواء فاز الفيلم بجوائز يستحقها أو لم يفز يظل حالة سينمائية قلما تتكرر ولذا فعندما تطل علينا مثل تلك الأفلام نحتفي بها احتفاءً يليق بصورةٍ سينمائية متقنة ودراما إنسانية مبهرة .


الصدمة

منذ ان تم الاعلان عن تصوير مثل هذا العمل وانتظرته طويلا وعندما شاهدت التريلر الخاص به وتوقعت ترشيحه لعدة جوائز أوسكار وقد كان. عندما علمت بنزوله دور العرض وقررت مشاهدته الشئ الوحيد الذي يوصف مدى سعادتي اثناء الذهاب للسينما لاشاهد هذا العمل هي فرحة طفل برئ في السادسة ذاهب الى الملاهي لاول مرة. عندما دخلت لحجز التذكرة فوجئت بالمسئول عن حجز التذاكر يصف الفيلم بالموسيقي مع ثلاث ساعات وقت عرض وبجملة "ده محدش بيدخله" ولكني حجزت انا وصديق وهنا كانت الصدمة انا وصديقي وحيدين في قاعة عرض واسعة في واحدة...اقرأ المزيد من اكبر دور العرض في القاهرة اذا اين هؤلاء المهتمين بالفن المهتمين بالتصوير والديكور المهتمين بالموسيقى المهتمين باي حاجة في السينما المهم بدأ الفيلم ومن اول مشهد استطعت ان اعيش في هذا العالم في فرنسا واجواء الفقر والثورة في القرن التاسع عشر ابهار لا حدود له من كامل عناصر الفيلم كل هذه العناصر تكاملت وتناغمت واختني الى دوامه جميلة على اصوات ابطال هذه الملحمة الرائعة. وجاء مشهد النهاية مع تلك الاغنية الرائعة حيث معها لم استطع منع دمعة من عيني. خرجت من الفيلم وانا سعيدا ان هناك فن بهذا الرقي في العالم ثم توقفت لافكر وتذكرت مشاهد دور العرض اثناء عرض الافلام اياها ذات المحتوى والعناصر المعروفة (الراقصة، المطرب وابتذال الحوار) فلماذا الذوق في بلدي متدني لهذه الدرجة المخيفة