أراء حرة: فيلم - الكنز: الحقيقة والخيال - 2017


الكنز.. الرابط المجهول

الكنز.. الرابط المجهول دعني آخذك في رحلة غامضة، رحلة هدفها البحث عن كنز من آلاف السنين، دعني أقص لك محاولات العثور عليه على مدى العصور، فمنذ عصر الفراعنة حاول الكثيرون الوصول إليه -أو لم يحاولوا- وباءت محاولاتهم بالفشل، ماذا تريد أن تعرف؟ ما هو الكنز؟! للأسف لا أستطيع أن أجيبك، سأريك لقطة منه فقط مما يبدو كأنه مقبرة فرعونية قديمة ولكن لا أدلة أخرى غير ذلك، ماذا تقول؟ إذا كان الكنز مقبرة ونحن نعرف مكانها فما المشكلة في التنقيب عنه وإيجاده! لما أنت بهذه السذاجة! بالطبع...اقرأ المزيد هناك بعض العقبات الخرافية التي تمنعنا من تحقيق ذلك، كشخص يظهر ويختفي عند التفكير في البحث عن الكنز، ولا يمنعك بأي شكل لكنه فقط يقول لك أنه ليس من حقك الحصول عليه! أعتقد أن هذا هو تأنيب الضمير فحسب ليس إلا، وإذا حكيت لك عن القصة الأولى والتي بها حتشبسوت (هند صبري) وعشيقها المهندس الفنان (هاني عادل) ستدرك ربما أنهم هم واضعوا الكنز في المقام الأول (على الرغم من معرفتنا أن مقبرة حتشبسوت نُهبت ومعبدها دُمر من مئات السنين) ولكن دعنا نسير خلف تلك الفرضية، جاء عصر الحكم العثماني واستطاع علي الزيبق (محمد رمضان) بالصدفة الوصول لمكان الكنز ولكنه لم يستطع اخراجه، القصة حتى الآن تسير بشكل جيد، ولكن ما علاقة بشر باشا (محمد سعد) وزمن الضباط الأحرار والثورة بكل ذلك! ففي تلك القصة لم يتم ذكر الكنز بأي شكل من الأشكال، على الرغم من طول تلك القصة وأبعادها العديدة إلا أنها الوحيدة التي لم يذكر فيها الكنز الذي يدور حوله الفيلم! لقد جئت معك لأبحث عن كنز ما لا لأرى (أحمد أمين) يؤدي فقرات استعراضية و(محمد رمضان) يتغزل في (روبي) بشكل رخيص! ما علاقة كل ذلك ببعضه! إذًا الفيلم لا يتحدث عن الكنز فحسب، ربما هو عن العلاقات الإنسانية وصراع السلطة الذي يتكرر كل عدة سنوات، تلك الفكرة التي بني عليها فيلم Cloud Atlas ، حسنًا دعنا نسير خلف ذلك الخط، في قصة علي الزيبق نرى الجملة الرنانة التي قيلت له "من أراد كل شيء خسر كل شيء" وتكررت تلك الجملة في قصة بشر باشا وكاهن حتشبسوت قال لها ذلك أيضًا ولكن دعنا نلقي نظرة على القصص، حتشبسوت تزوجت تحتمس وأصبحت ملكة مصر وأمورها تنفذ ومع ذلك لم تخسر عشيقها وظلت معه، بشر باشا أصبح رئيس البوليس السياسي وأيضًا تقدم لعشيقته وقبلت الزواج منه، على الزيبق هو الوحيد الذي كان أمام اختيار إما الهروب مع حبيبته (وهي قصة روميو وجولييت الكلاسيكية أن الشخص لا يعشق إلا الفتاة التي لا يمكنه الزواج منها) وإما نسيانها والبقاء في السوق والأخذ بثأر والده! إذًا فنحن أمام إثنان من ثلاثة حصلوا على كل شيء بالفعل! لذلك فتلك الجملة ليست هي الرابط بين الثلاث قصص بالرغم من تركيز المخرج عليها ولكنها لم تتحقق. دعنا نأخذ الجملة الأخرى والتي تبدو بديهية جدًا ولكنها أيضًا لم تظهر بشكل جلي في القصص وهي "كل زمان فيه شاطر وظالم"، ففي قصة على الزيبق بالفعل الظالم هو الكلبي وعلي هو الشاطر تلك بديهية، في قصة حتشبسوت هل هي الشاطرة والكهنة الذين ينوون قتلها هم الظالمون؟ حتشبسوت التي فرضت رأيها على زوجها وأخذت من عشيقته أبنها لتربيه هل هي الشاطرة!، نحن بالكاد يمكننا مسايرة تلك النظرية، ولكن في قصة بشر باشا تختلط الأمور كثيرًا! فمن هو الشاطر ومن هو الظالم! هل رئيس البوليس السياسي الذي يستغل سلطته في الزواج من عشيقته وأيضًا يحابي الاحتلال البريطاني هو الشاطر! أم الضباط الأحرار الذين يريدون حرية بلدهم وفي سبيل ذلك يقومون بقتل عدة قيادات هم الظالمون! الموضوع يحتاج وقفة للتفكير فيمن يستحق ذلك اللقب في تلك القصة، لذلك فتلك الجملة أيضًا ليست هي الرابط الحقيقي بين الثلاث قصص. إذًا نحن بعد أكثر من ساعتين ونصف فشلنا في معرفة الرابط بين الثلاث قصص أو هدف الفيلم في الأساس! ربما هذا بسبب أن ذلك هو الجزء الأول فقط ولكن يجب أن نصل لأي معلومة في ذلك الجزء مما يدفعنا لمشاهدة الأجزاء الأخرى! يجب أن يكون كل جزء قائم بذاته ويتم استكمال القصة العامة فقط خلال الأجزاء لا أن تنقل لي التحضير في جزء والعقدة في جزء والحل في جزء! هذا هو الفشل الأول في القصة السنيمائية كما يسميها (شريف عرفة)، الفشل الآخر هو أبعاد الشخصيات، هل علي الزيبق الفتى الذي مات والدة غدرًا وهو صغير وأقسم على العيش حتى يأخذ بثأر والده ستكون شخصيته بتلك الحيوية والطرافة! أعتقد أنه يجب أن يكون أقرب لشخصية The Punisher الشهيرة الذي لا يرى أمامه أي شيء سوى الانتقام، نفس الكلام ينطبق على عدة شخصيات ولا نرى أحد نجح في إظهار أبعاد الشخصية سوى بشر باشا (محمد سعد) غير ذلك ما هم إلا شخصيات مسطحة لا عمق لها. من حيث الإخراج فشل ذريع في إخراج المعارك التي كان يجب أن تخرج بشكل أفضل من ذلك، لم يتم الربط بين القصص سوى مرتين بشكل سيء للغاية أحدهما كانت جمل مباشرة قالها حسن (أحمد حاتم)! القصص جاءت واحدة (قصة بشر باشا) جيدة وعميقة وذات أحداث جيدة والثلاث قصص الأخرى جاءت مقتضبة سطحية لا يوجد بها من الأحداث ما يعادل القصة الأولى، كان يجب تحقيق التوازن في الثلاث قصص حتى ندرك الرابط بين الأحداث إذا كان هناك رابط. الأداء جاء جيدًا من محمد سعد للمرة الأولى التي نراه فيها في دور جدي من بعد (اللمبي)، أداء يتراوح بين المتوسط والمتواضع لباقي الأبطال، بالأخص محمد رمضان الذي تعامل مع شخصية علي الزيبق كأنها أحد شخصيات السبكي وظل بجلده المعتاد لم يغيره.


عمل سيء جدا في المجمل

عمل سيء جدا في المجمل, و لكن أسوأ ما فيه السيناريو و الحوار, و من بعدهما التمثيل. العلامة الإيجابية الوحيدة هو محمد سعد. أداء تمثيلي مميز و كانت مشاهده هي الوحيدة التي جذبتني في المشاهدة. كذلك هيثم ذكي, و لو أنه ظهر في مشاهد قليله للغاية, كان تمثيله مميزا. بالنسبة لمحمد رمضان, فأداءه التمثيلي كارثي. شعرت طوال الوقت بأنه كان ذاهبا لعطله أو كان يستمتع بوقته و كان التمثيل مجرد نشاط جانبي يقوم به. نفس تعابير الوجه لا تتغير. ينظر بوجهه في مكان أخر ثم يعدل وجهه للكاميرا, و يستمر في ذلك بغض النظر...اقرأ المزيد عن الحوار الموجود. من شاهد الفيلم يدرك بأن شخصية الأب و الإبن لا تختلفان عن بعضهما, و هذا دليل على فشلة الذريع في التنوع بين الشخصيات. و إذا أراد أي شخص التأكد من سوء الحالة التمثيلية لمحمد رمضان, فيكفيه أن يشاهد مشاهد تجمعه مع سوسن بدر لكي يتأكد من فرق جودة التمثيل. الحقبة الفرعونية بأكملها كانت لا يوجد لها أي قيمة تذكر في الفيلم, و يبدو أن كاتب الفيلم حاول إقحام هذه الحقبة فقط من أجل أن تبدو القصة جامعة لكل العصور, و من أجل أن يوضح بأن الكنز قديم قدم هذه الفترة. أما بالنسبة للسيناريو و الحوار فحدث و لا حرج. أعتقد بأن لو قام أحدهم بعمل نسخة parody ساخرة من الفيلم فإنه يكفيه أن يقوم بإستحدام السيناريو و الحوار الواردين في الفيلم. الحوار في الحقبة الفرعونية كوميدي في المقام الأول قبل أي شيء. كذلك الحال في الحقبة المتوسطه, و التي تأثرت أكثر بجودة التمثيل السيئة. حتى في العصر الحديث, كانت بعض المشاهد عبثية. مثلا, عندما كان الإبن يحدث نفسه عن الروايات التي يقرأها, تشعر و كأنه كان يقرأ كتابا عن النظرية النسبية مثلا. السيناريوهات المفترضه لبعض الشخصيات ليست واقعية بأي حال من الأحوال. على سبيل المثال, السادات و هو في السجن يتحدث مع أقرانه, تشعر بأن اللذي يتحدث يا إما شخصية خيالية أو أنه يقوم بإجراء فقرة كوميدية. في الواقع, لو قام أحدهم بالشد على قبضة يده و هو يقول وقفة رجل واحد بهذه الطريقة, يا أما أن نقول أنه يمزح أو أنه مجنون. بالإضافة إلى كل ذلك, دور السادات كان هامشيا للغاية. التحدث باللغة العربية في الحقبة الفرعونية كان لمحاولة إقناع المشاهد بإنه عصر مختلف, على الرغم أن هذه الحقبة لم تتحدث العربية من الأساس. هذا و خصوصا بإنهم تحدثوا بالعامية المصرية في الحقب التي بعدها. فوق كل ذلك, التحدث بااللغة العربية كان ضعيفا للغاية و خصوصا من هند صبري. جودة التمثيل أيضا كانت كارثية و خصوصا و هم يتحدثون عن الألهه و خلافه. من شاهد السيناريو و الحوار مع جودة التمثيل الردئية سيشعر بإنه برنامج كوميدي ساخر ليس أكثر. و مازاد من فداحة ذلك هو إحساسي بإن الممثلين كانوا على وشك الضحك في مشاهد كثيرة. هناك مغالطات تاريخية كثيرة من حيث الملابس و مساحيق التجميل, و يبدو أن هناك ممثلات عدة لا يمتلكون الثقة لكي يظهروا بدون مساحيق تجميل, أو على الأقل بقليل منها. بالإضافة إلى ذلك, الحقبة الفرعونية إحتوت على العديد من الحوارات الجانبية التي تثبت عدم دراية الكاتب بماهبة العصور في هذا الوقت, مثل الإختلاط الثقافي بين الحضارات, الميزان التجاري, و كيف يتم تنظيم الموارد ما بين الحضارات, بالإضافة إلى مفهوم كلمة دولة من الأساس. لو وردت بعض تلك الأخطاء في أحد الأفلام الغير المصرية, لأتهمتهم بالجهل, و لكن المحزن بأن ذلك الفيلم, المفترض, عمل مصري. فوق كل ذلك, الفيلم ممل جدا و بطيء لدرجة, بدون مبالغة, أشعرتني بأنني لو كنت في محاضرة تاريخية لأستمتعت بوقتي أكثر. الكاتب و المخرج حاولا أن ينقلانا بين الحقب المختلفة من أجل التنويع و تسريع الرتم, و لكن المحتوى نفسه كان فقيرا بشدة. في أي مشهد يكون عندك القدرة أن تعرف على ماذا سوف ينتهي, و مع ذلك يستمر لعدة دقائق بدون داعي. هناك مشاهد كثيرة لو تم إقتطاعها من الفيلم لن يحدث شيء على الإطلاق.


الكِنز.. بين النجاح العظيم.. والفشل الذريع!

قبل مشاهدتي لفيلم الكِنز، تحديدًا عند رؤيتي للإعلان الخاص به، تحمست وأصبحت مُتلهفًا لرؤية هذه الملحمة العظيمة، بقيادة المُخرج الكبير (شريف عرفة) ومُدير التصوير المُتميز (أيمن أبو المكارم). ولما جاء موعد العرض بدأت طوائف معجبي الفيلم تَجول الصفحات على الإنترنت، والسُباب ينهال من أفواه أغلب النقاد. الشَك والحيرة تناوبوا عليّ، وظللت فترة طويلة مُنتظرًا رأي أحد الأصدقاء فجاء إيجابيًا جدًا، ورأيت الفيلم. بدأ الفيلم بسلسلة من (الفلاش باك) السريع والخاطف والغير مفهوم، فاعتدلت في جلستي وأيقظت حواسي...اقرأ المزيد لأستمتع بهذا العرض المُميز. ثم بدأت حركة الكاميرا، حركة غريبة وغير مفهومة على الإطلاق لكن كُل هذا بالتأكيد سيزول، لكنه لم يزول، بل إزداد غرابةً و بعض الأحيان أصبح "مقرفًا" لدرجة فائقة الوصف. كادرات سيئة للغاية.. للغاية.. للغاية.. وكأنني أرى مشاهد لمُخرج مُبتدئ لا يعلم شيئًا عن مجال الإخراج، لدرجة أنني تعجبت أن مُخرج هذا العمل هو (شريف عرفة) ذاته! الديكور الخاص بالفيلم (وخاصة الحقبة الفرعونية) كرتونيًا إلى حدٍ كبير مما أثار غيظي، أما في باقي الحقب كان "عاديًا" لا يَرتقي حتى لـ"جيد"، وهذا يعود على مواقع التصوير التي كانت مَحدودة وغير مُميزة لعين المُشاهد، وهذا ما أثار غيظي في العصر الفرعوني، فالأماكن كانت (قصر حتشبسوت - المعبد - السوق)، ثلاثة أماكن لا غير، بكادرات يتعجب لها العقل من شدة سوءها.. وحركات كاميرا غير مُبررة على الإطلاق. السيناريو والحوار للعظيم "عبدالرحيم كمال"، مؤلف ونّوس والخواجة عبدالقادر، السيناريو لا بأس به ولكني لست من معجبينه، اما للحوار.. فكان كارثيًا.. كارثيًا! تحديدًا في الحقبة الفرعونية - الحقبة الأسوء على الإطلاق تمثيلاً وإخراجًا وتصويرًا وحوارًا.. وكُل شي.. كُل شيء! - . الحوار لم يَكن سيئًا في الحقبة العثمانية - علي الزيبق - وكان رائعًا في الحقبة الملكية - بِشر باشا - ، ولا أدري ما هذا التحول والتغير! فتقريبًا.. ما أنقذ الفيلم هو أداء العظيم.. العبقري.. الظالم بحق ذاته محمد سعد، هذا الرجل هو الكنز الحقيقي لهذا الفيلم، كُلما طلّ على الشاشة كُلما إبتسم وجهي تلقائيًا، هيبة ووقار وشخصية رائعة سواء كتابةً أو تمثيلاً. محمد رمضان بذل مجهودًا لا بأس به في هذا الفيلم، وأخرج لنا دورًا جميلاً، ليس له لحظات مُتفجرة كمحمد سعد لكنه في الحقيقة لم يكن سيئًا أبدًا. أما هند صبري فلا أدري هل كانت كسولة لتخرج بتلك الدرجة من السوء أم لم يرق لها السيناريو بعد توقيع العقد، أنا أحب هند صبري وأحبها بشدة لكني لم أحبها في هذا الدور.. ولو لوهلة! هاني عادل أسوء مُمثل وبكل ثقة وتقدير، أسوء من أي شيء تقريبًا! أحمد رزق عبقري، في الحقيقة كُل من أدى دورًا حتى لو ثانية في حقبة الملكية الخاصة بمحمد سعد فهو عظيم، وتلك الحقبة حقيقةً هي من أنقذت الفيلم. المونتاج كان كارثيًا، والإنتقال بين الأزمنة كان بشعًا بشدة، في مُنتصف انجذابي لمشهد ما - هوووووب - أجد نفسي في حقبة ثانية.. ومشهد ثاني وإحساس مُخالف تمامًا لما أحسسته في المشهد الأول! لكن في النصف الثاني أصبحت كُل العناصر متكافئة - عدا الحقبة الفرعونية - ، فالتمثيل أصبح جيدًا على كافة المستويات - عدا الحقبة الفرعونية - ، والإخراج والتصوير والإنتقال بين الأزمنة - لن أقولها مُجددًا - . إنتهى الفيلم بلافتة ( نهاية الجُزء الأول )، نهض كُل من في السينما سعداء بتلك النهاية وإنتظارهم الشديد للجزء الثاني.. حتى أنا! أنا من قُلت كُل هذا النقد وحاولت إساءة صورة الفيلم، لكني لما وجدت الشاشة السوداء مُعلنة نهاية الفيلم شعرت بأني أود المزيد، أود رؤية محمد سعد يُبدع ويُبهر الجميع مُجددًا، اود سماع موسيقى هشام نزيه وأود رؤية روبي وأمينة خليل! في النهاية وخلاصة كُل هذا الكلام، الفيلم ليس رائعًا، وليس من أفضل أفلام السينما في تاريخ مصر كما يدّعي البعض، وليس من أسوأها كما يدعي البعض الأخر.. فالفيلم جيد، ثلاثة ساعات لم أشعر بالملل قط - عدا الحقبة الفرعونية - . أدخل الفيلم إن شئت بعض المتعة التمثيلية من محمد سعد وأحمد رزق ومحمد رمضان وروبي وأمينة خليل، ولا تنتظر من أي فرد آخر أي متعة! تقييمي للفيلم 6.5 من 10 .