أراء حرة: مسلسل - Game of Thrones S8 - 2019


السقوط في فخاخ الليلة الطويلة

في الموسم الأخير من السلسلة الأضخم في تاريخ التليفزيون، خرجت الحلقة الأكثر انتظارا ربما في تاريخ أي عمل درامي وهي حلقة الليلة الطويلة، ولكن مع الأسف أصابت الحلقة الكثيرين من عشاق السلسلة الأشهر بالإحباط لعدة أسباب منها ما هو درامي وما هو تقني. لن أتحدث هنا عن المشاكل التقنية والتي كثر فيها الحديث بالفعل مثل سوء الإضاءة والذي أدى في كثير من الأحيان لعدم قدرة المشاهد على تحديد ما الذي يحدث، بل سأتحدث هنا عن العيوب الدرامية الكثيرة في الحلقة، والتي مثلت من وجهة نظري واحدة من أكبر الانتي-كلايماكس...اقرأ المزيد في تاريخ الأعمال الدرامية- سينما أو تليفزيون- بهذا الحجم. حماية الابطال منذ الموسم الخامس تقريبا اتضح الابطال الرئيسيه للعمل وهم جون، داني، تيريون، بران واريا، مفهوم تماما لماذا يرغب المسلسل في الحفاظ على هذه الشخصيات ففي النهاية ما يزال هناك ثلاثة حلقات وهؤلاء الخمسة بالإضافة للثلاثة سانسا، جيمي، وسيرسي يمثلون العصب الدرامي للعمل، مشكلتي الحقيقية مع هذه الحلقة ليست نجاتهم وإنما طريقة النجاة، في السابق بالتحديد في المواسم الأربعة الأولى التي كانت معتمدة على الروايات وشارك في كتابتها جورج مارتن كان نجاة هذه الشخصيات مقبولا دراميا، جون سنو نجا من ماني رايدر من خلال الحيلة، جيمي نجا من معركته مع روب بسبب ان قيمته وهو حي اكبر كثيرا من قيمته في حالة موته وغيرهم من الشخصيات التي كانت نجاتهم دائما مرتبطة بسبب درامي معقول. هذا لم يحدث في تلك الحلقة فكانت نجاة الابطال بطرق تستخف بعقل المشاهد على طريقة افلام الاكشن من الدرجة الثانية والثالثة والمعتمدة على أسلوب غريفيث (إنقاذ اللحظة الأخيرة) وأحيانا على طريقة تهامي باشا "ازاي البطل يخسر من غير قاضية" فنجد ان التنين الذي أسقط الجدار في نهاية الموسم السابق واسقط أسوار وينترفيل في الحلقة نفسها تقف نيرانه أمام جدار عادي ببساطة لان جون سنو يختبأ خلف هذا الجدار. نفس الأمر يحدث مع باقي الأبطال يتم انقاذهم في اللحظة الأخيرة بطرق غير مقبولة. المشكلة في هذا الشئ انه سحب كثيرا من مقدار الشحن والتوتر، قارن هذه المعركة مع معركة البلاك ووتر من هذه الزاوية، تجد أنه في البلاك ووتر كان التوتر والقلق على شخصيات مثل تيريون ودافوس وبرون أضعاف التوتر هنا، ببساطة لأن وقتها لم يكن أحد محمي، أي شخص يمكن أن يموت. مجددا المشكلة ليست في نجاة الابطال، معركة البلاك ووتر المذكورة نجا منها كل الشخصيات الرئيسية، المشكلة في كيفية نجاة تلك الشخصيات. اين الوايت واكرز على مدار أحداث الحلقة غاب تماما اي تأثير للوايت واكرز في المعركة مما أضعف الصراع كثيرا، مما ظهر على مدار المسلسل الوايت واكرر شخصيات عاقله لديها خطة ويمكنهم الحرب والمبارزة، عكس الوايتس أو الموتى الذين يتم إعادة احيائهم من خلال النايت كينج، فما سبب غيابهم، حتى ظهورهم في النهاية جاء باهتا وخاليا من اي تأثير. الكثير من الشخصيات أضاع التفاصيل حاول المسلسل استغلال كل اللحظات المؤثرة الممكنة من خلال تواجد كل الشخصيات في المعركة، فكانت النتيجة أن تلك الشخصيات تاهت وسط الزحام، جورا مثلا كان في طليعة الدوثراكي ولكنه عاد بمفرده، كيف عاد وكيف انتهى جيش الدوثراكي اصلا بهذه السرعة ليس المهم فجورا على موعد مع لحظة اهم في النهاية. نفس الأمر مع سام، كم مرة أنقِذ سام في الحلقة؟ ماذا كان يفعل اصلا؟ شخص بلا أي قدرة على القتال، ولا يملك أي قدر من الشجاعة، ما فائدة وجوده في أرض المعركة، عكس تيريون الذي كان قرار ابعاده حكيما. ما هو دور السير دافوس أكثر الشخصيات خبرة عسكرية بعد جيمي؟ جيمي نفسه مع بريان اقتصر دورهما على قتال مئات الوايتس في مشاهد عبثية. والطامة الكبرى جون سنو الذي تم تحييده بشكل جيد درامياً الحقيقة مع داني من خلال العاصفة الثلجية ولكن ما الذي فعله للعودة إلى المعركة؟ حتى لحظته الأهم وهي مواجهته للنايت كينج تاهت في الضباب ولم يكن واضحا من يفعل ماذا. نفس الأمر مع بران الشخصية التي من المفترض أنها الأهم، لماذا لم يستخدم الغربان في صد الهجوم؟ لماذا لم يستخدم قدراته التي شاهدناها مرارا في المعارك مثل منزل كراستر والهجوم على كهف الغراب ذو الثلاثة عيون؟ بران كان يشاهد المعركة مثلنا تماما. هذا الارتباك في التعامل مع زحام الشخصيات كان له دوره كذلك مع شخصية ميليساندرا، والتي اُستخدِمت كمجرد أداة من أجل دفع القصة للأمام فبعد دخولها القلعة في بداية الحلقة ظهرت فجأة من أجل إشعال الخندق ثم اختفت لتظهر فجأة مجددا مع اريا ثم تختفي حتى تظهر مجددا في النهاية دون أي تفسير لكيف نجت مثلا مع الهاوند من هجوم الوايتس. أضاع المسلسل على نفسه كذلك فرصة ذهبية من خلال مواجهة الأصدقاء وقد أصبحوا أعداء بعد إعادة احيائهم مثل اد وسام، الهاوند وبيريك، ليانا ودافوس، لكن الذي حدث أن إعادة احيائهم كان لمجرد تمثيل صدمة للجمهور دون أي غرض درامي يذكر. الانتي-كلايماكس في أبهى صورة كل تلك الأشياء كان يمكن تخطيها وعدم الوقوف عندها طويلا في حالة جاءت النهاية مرضية، ولكن في نظري كانت النهاية هي المسمار الأخير في نعش حلقة مخيبة للآمال. منذ اللحظة الأولى في المسلسل والوايت واكرز هم الخطر الأكبر، ومنذ الموسم الرابع يتم ذكر ذلك بشكل مباشر على لسان الشخصيات أنفسهم، كم مرة ذكر جون سنو مثلا ان صراع العرش غير مهم وأن الخطر الحقيقي في الشمال؟ كل ذلك التمهيد والخطر كان من أجل اللاشئ. بداية من شخصية النايت كينج نفسه والذي جاء ظهوره باهتا الي ابعد حد، ولن ابالغ اذا قلت ان هذه الحلقة هي الظهور الأسوأ له على مدار المسلسل، فلقد عانى نفس معاناة جون سنو فلم يكن له أي دور في أرض المعركة والمشهد الذي جمعه بجون وداني لم يبين اي شئ كما اسلفت، صحيح انه حصل على اللحظة الأفضل في الحلقة حين ابتسم بسخرية لداني، ولكن هل كان هذا يكفي الشخصية الأكثر غموضا والأكثر انتظارا في السلسلة؟ ثم تأتي لحظة النهاية حين قُتِل بمنتهى البساطة على يد اريا، ولن أتحدث هنا عن كيف وصلت اليه اريا وقتلته بتلك السهولة، فلقد كثر الحديث في تلك النقطة، ولكن شخصية النايت كينج بكل هذه الهيبة والجلال اللذان تم بناءهما على مدار الأحداث وان كان لابد من موته الم يكن يستحق لحظة اكثر ملحميه؟ هناك مشكلتان أساسيتان في تلك النهاية، الاولى متعلقة بشخصية النايت كينج والثانية متعلقة بالأحداث التالية في الثلاث حلقات الاخيرة، اولا شخصية النايت كينج، موت الشخصية بتلك السرعة وتلك السهولة ترك الكثير من الاسئلة غير المجاب عنها، مثل من هو النايت كينج قبل أن يحوله اطفال الغابة؟ لماذا انقلب على أطفال الغابة وحاربهم؟ اذا انتصر عليه الابطال بتلك السرعة وتلك السهولة كيف اذا لم يقدر عليه أطفال الغابة والرجال الأوائل؟ كيف تمت عملية نفيه؟ لماذا اختفى الاف السنين وعاد هكذا فجأة؟ ما هو هدفه؟ لو انه حقا كما قال بران يريد مسح ذاكرة البشر لماذا لم يذهب اولا للسيتيدل؟ والاهم ما هي قدراته، مما ظهر في الحلقة هو لا يملك الكثير، هل يستطيع رؤية الأحداث مثل بران؟ مما ظهر في حلقة The door هو يستطيع ذلك كيف إذاً لم يعلم بخطة استدراجه الى بران؟ في الموسم السابق رأيناه يقتل التنين من مسافة بعيدة جدا، في هذه الحلقة فشل من مسافة اقل ببساطة لان هذه المرة التنين كان على ظهره داني. عندما تموت شخصية وتترك خلفها كل تلك الاسئلة دون اجابة فان هذا فشل كبير، ولو انه صحيح ان القناة قررت عدم الاجابة من اجل احد المسلسلات القادمة والتي ستتحدث عن الليلة الطويلة بالتفصيل فان هذا القرار بمثابة انتحار، حيث خلق فجوة كبيرة في حبكة Game of thrones ولم يبني تشويقا للمسلسل الجديد، لأنه وببساطة من سيهتم بشخصية قُتِلت بتلك السهولة، كيف سيشعر المشاهد بالخطر والتهديد. أما على مستوى الأحداث المتبقية فما حدث في الحلقة الثالثة هو انتي-كلايماكس بامتياز، كما اسلفت فان التمهيد على مدار المواسم السابقة ان الحرب الحقيقية هي حرب بين الحياة والموت، الان وهذه الحرب قد انتهت لماذا يهم باقي الصراع، هل من المفترض أن نهتم بمن يجلس على العرش؟ هل أصبحت تمثل سيرسي أي نوع من أنواع الخطر على جيش هزم الموت نفسه؟ اعتقد ان الصراع الذي سيقود المسلسل للنهاية هو صراع جون وداني وسانسا، ولكن هل هذا الصراع بنفس حدة الصراع مع الموت؟ في نظري لا. في البناء الدرامي يجب أن يتصاعد سلم الخصوم حتى يصل البطل في النهاية الى اقوى خصومه، هذا لم يحدث هنا بل العكس فقد انتصر الابطال على الخطر الاكبر بالفعل وعادوا الآن إلى خصم أضعف كثيرا، فحتى مع خسارة داني لنصف قوتها او اكثر فما تزال اقوى كثيرا من سيرسي وحتى من جون. في نظري المسلسل يدفع الآن ثمن رفع قدرات اريا، فلم يعد مقبولا ان تواجه اي مشاكل فهي قادرة على التخلص من اعدائها بمنتهى السهولة ولن تكون مفاجأة لو جلست في النهاية على العرش، فقد جعلها المسلسل اقوى كثيرا من جميع خصومها. اعتقد ان الخطأ الاكبر للمسلسل هو وضع تلك الحلقة في منتصف الموسم وليس في نهايته، فلو أن هذه هي النهاية لم تكن لتسبب كل هذا الجدل، وكان ليحصل على المزيد من الوقت لغلق التساؤلات وإزاحة الضباب حول النايت كينج. هذه الحلقة هي النهاية الطبيعية للمسار الذي اتخذه المسلسل منذ الموسم الرابع- منذ ابتعاد جورج مارتن عن المشاركة في الكتابة- وشخصيا هي نهاية مخيبة للآمال، فما جعل المسلسل مميزاً ليس الفانتازيا او المواجهات الملحمية وانما الصراع الدرامي بين الشخصيات والتسلسل المنطقي للأحداث. ما زال هناك ثلاثة حلقات ولا أظن أن المسلسل سوف يتأثر بالسلب كثيرا من هذه الحلقة على مستوى المتابعة، ولكن اتصور بشدة انه تأثر بالفعل على مستوى الشغف.