أراء حرة: فيلم - ثرثرة فوق النيل - 1971


الاصل الادبى والشريط السينمائي

شاهدت الفيلم أكثر من مرة سابقا لكني أعدت مشاهدته بعد قراءة الأصل الروائي..ورغم الاختلاف الشديد بين النص وشريط السينما على صعيد الطرح الفكري وتركيب الشخصيات ولكن الفيلم يظل من أقوى الأعمال السينمائية المأخوذة من عمل أدبي..وطبعا لا بد من ذكر الأداء الأسطوري لعماد حمدي وعادل أدهم في دورين من اهم أدوارهم على الاطلاق


العباقرة نجيب محفوظ وحسين كمال

"" الحشيش ممنوع والخمرة مش ممنوعة... طب ليه؟ ده يسطل المخ ودي تلطش المخ...!!! ده حرام ودي حرام...!!! ده تضر بصحة ودي تضر بصحة...!!! الحشيش غالي والخمرة اغلى منه… اشمعنى القانون متحايز للخمرة ...؟ القانون بيفوت للخمرة علشان ندفع عليها ضرائب... طيب خليه بيفوت لحشيش وندفع عليه ضرايب..."" هذا ما يقوله انيس المونولوج الخاص بأنيس: محور فيلم ثرثرة فوق النيل هو :الحوار الداخلي للانيس ,تلك الحوارات او الاحاديث التي تدور داخل الانسان , تشبة الومضات البرق في ليلية عاصفة مظلمة جداً . لا يبرز فيها...اقرأ المزيد غير لمعة البرق , هنا حوارات انيسة ومونولوجة اشبه بلمعات البرق , يجلد بها نفسه والمجتمع شخصية انيس قابلة للجدل والدراسة اذا صح التعبير... يتسأل انيس (عماد حمدي) في طوال الفيلم, كثير التفكير لدرجة ليس له الوقت ليختلط مع الناس او يتحدث معهم... يخرج من الدائرة التي هو موظف فيها عندما يمشي في الشارع يتكلم مع نفسه ساخطا على المجتمع والحكومة بينما هو ليس بيده شئ... رواية نجيب محفوظ تحس فيها بناء معماري اذا امكن التعبير ذلك بالأضافة الى ذلك سحر تحريك الممثلين في العوامة وسلاسة تحريك الكاميرا واختيار المواقف المناسبة بوساطة حسين كمال. لا ادري كيف اوصف سيماء وجه عماد حمدي وكيف اوصف انعدام اكتراثه بالامر وصمته الرهيب عندما يجلس في العوامة مع اصحابه... حسين كمال له حسن ذائقة في اختيار الشخصيات وتوزيعهم في الفيلم اذ كان بأمكانه ان يضع مثلا صلاح نظمي في محل عماد حمدي. المشهد الذي يكتب فيها عماد حمدي البيان غير المكتمل الا سطرين بسبب نفاذ قلم الحبر بينما يظل يكتب الى نهاية السطر... اصدمني حقا لأنه يبين لنا غباء الناس في مهنتهم واعمالهم في دائرة الحكومة. ليس فقط شخصية عماد حمدي قابلة للدراسة بل ايضا اصحابه في العوامة (مملكتهم) وتصرفاتهم الغريبة والضحكات المدوية منهم وهم في قمة المتاع بينما الفلاح الذي يحرسهم يمثل مصر او وطن الذي لا يرضى امر هولاء المساطيل ويستغر ربه في كل مرة يشاهد فيها التصرف الشنيع النابع منهم... بينما انيس زكي (عماد حمدي) قد يمثل دور الاله او قد يمثل الضمير الحي الذي يريد الخير للمجتمع... وصف المشهد بوساطة الرواية... ((ابريل, شهر الغبار والاكاذيب, الحجرة الطويلة العالية السقف مخزن كئيب لدخان السجائر. الملفات تنعم براحة الموت فوق الارفف. ويالها من تسلية ان تلاحظ الموظف من جدية مظهره وهو يؤدي عملا تافها. التسجيل في السراكي, الحفظ في الملفات, الصادر الوارد. النمل والصراصير والعنكبوت ورائحة الغبار المتسللة من نوافذ المغلقة. كل يوم لا يحصل تغير...)) تلك هي حالة انيس المسطول(عماد حمدي) الذي ملأ قلمه الحبر وكتب البيان المطلوب ولم يكتب سوى هذه العبارة بدون احساس... ( مذكرة عن حركة الوارد خلال شهر مارس مرفوعة الى السيد مدير عام المحفوظات...) وطبعا غضب منه المدير وقال له بأنه مسطول فطلب منه الخروج والاجازة لمدة يومين وخصم الراتب... لم يكترث انيس لذلك, خرج من غرفة المدير بدون ان ينبس ببنت الشفة... شخصية انيس عجيبة تراها انها شخصية محللة لواقع الحال في المجتمع والدولة , وكثيرا ما يتسأل مع نفسه بصوت مسموع عندما يخرج من مكان العمل... لا يفهم بما تحدث الامور في الواقع ولا يفهم جنون الناس والحكومات... لا يعلم صلة ومفهوم الواجب لكلا الطرفين: الشعب والدولة... وكيفية تنسيق الضرائب... كل هذه الاسئلة نابعة من الانسان المسطول. خرج انيس الى صاحب الكشك الذي يبيع الحشيش سرا وذهب الى ضفة النهر يدخن حشيشة... كل ذلك لم يتعرف بعد على مساطيل ... وبالصدفة البحتة شاهده رجب (احمد رمزي) في ذلك المكان (كان يعرف انيس من مدة طويلة ولم يشاهد احدهما الاخر لسنين طويلة) وهنا اخذه الى العوامة بحراسة الفلاح التي المملكة الرجبية على حسب تعبير رجب يجتمع فيها مع زملائه المثقفين المساطيل. كما ان تخطيط الفيلم ممتاز جدا بغض النظر عن السيناريو السلس... كان بمقدور حسين كمال ان يجعل الفيلم ملون وليس ابيض واسود... في منتصف الفيلم يتلون عندما يعمل رجب (احمد رمزي) راقصة ويرقص مع الراقصات وتغني المطربة... ولا يتلون الفيلم الا 5 دقائق , ان ذلك يتمثل فلسفة لكني لم افهم مراد حسين كمال لكني احسست فيها جرأة في تخطيطه لفيلم.


الأستاذ أنيس روح نجيب محفوظ...وجسد المواطن التائه

تعتبر رواية "ثرثرة فوق النيل" للأديب الكبير نجيب محفوظ من روائع الأدب المصري التي تناولت تأثير أزمة نكسة 1967 على المجتمع المصري الذي أحبط وتقهقر بعدها بعد أن كان منتصراً بالشعارات والأكاذيب التي دجج بها النظام الناصري عقله وقلبه ، فاستيقظ فزعا على واقع مغاير تماماً عن ما حكته له أمه المنافقة من قصص كاذب. ولكن بعد أن استفاق وأدرك حجمه الطبيعي الغير متضخم كما كان يظن لم يفعل شئ حيال نقصه وفقره، انما عزز بلوته بمزيد من التغييب الذي كان يصدر من قبل من أعلى حيث السلطة، فصار يصدر من أسفل أيضاً حيث...اقرأ المزيد الناس أنفسهم بمباركة السلطة. وقد أسقط الأديب الكبير نجيب محفوظ شخصية المواطن المصري في هذه الفترة على شخصية "أنيس" الموظف بوزارة الصحة نهاراً ووزير شئون الكيف في عوامة المساطيل (أو نخبة المساطيل) ليلاً ، ليعبر عن ازدواجية من شأنها اثبات ترنح المواطن المصري آنذاك بين العمل الروتيني الواجب أدائه وبين الهروب من الدنيا (أو النكسة) الى عالم الكيف والفرفشة في سلبية أدت في النهاية الى مقتل الفلاحة(مصر). ولكن محفوظ لم يقصد أسلوب النواح والكآبة والندم على اللبن المسكوب، فقد جعل من أنيس السم والترياق في ذات الوقت، حيث أن أنيس كان طيلة الفيلم رغم صمته واستسلامه للتيار والمزاج فقد كان يلقي باللوم على المجتمع الضائع بغرض مراجعة النفس وتدبر الحال العكر واعادة ترتيب الأوراق المبعثرة، وان كان قد قال ذلك في غالبية الوقت أثناء سيره في الطريق متحدثاً الى نفسه كالمجنون (المرادف في هذا السياق للشخص الواعي ) فعلق مثلاً مستنكراً لملابس قصيرة لامرأة تسير بالشارع مع زوجها " يبقى عنده الثروة دي ، ويتمتع بيها لوحده ، لا لازم يمتع الناس كمان ، عشان ميبقاش أناني ، راجل شهم " ، ورغم أن مسألة الملابس النسائية القصيرة عليها اعترضات دينية وأخلاقية ومجادلات حول الحرية وغيرها، الا أن محفوظ قد أثارها بشكل قومي وضمن سياق الدراما التي تهاجم التغييب المجتمعي آنذاك، والدليل على ذلك أن محفوظ لم يسلط الضوء على ملابس المرأة فقط، ولكنه ذكر ملابس الشباب الضيقة أيضاً على لسان شخصية أخرى في الرواية وهي "محمد المجند على الجبهة" العائد لفترة اجازة. ويقول متهكماً من تقصير الحكومة وتبريراتها الحمقاء أو تبرير المواطن الغير واعي بالسياسة " لما الأدوية موجودة ليه بنحتاج نكتب تقارير (عن نقص الأدوية) ، أكيد الحكومة لها حكمة في كدا ، لأننا لما بنكتب تقارير مصانع الورق بتشتغل ، ولما تكتر التقارير نضطر نحرقها تقوم مصانع الكبريت تشتغل، ولما نحرقها الكبريت هيولع في هدومنا تقوم مصانع القماش تشتغل، قصدهم يحصل اكتفاء ذاتي". وعن تناقضات القانون (أو مشرع القانون) وتحيزاته الغريبة يقول "الحشيش ممنوع والخمرة مش ممنوعة طب ليه ؟ دا بيسطل المخ ودي بتسطل المخ ، دا حرام ودي حرام ، دا بيضر بالصحة ودي بتضر بالصحة، الحشيش غالي والخمرة أغلى منه، اشمعنا القانون متحيز للخمرة ، القانون بيفوت للخمرة عشان بندفع عليها ضاريب، طب مايفوت للحشيش وندفع عليه ضرايب" وأخيراً يطلق الأسد زئيره في وجه المجتمع النائم والذي تسبب بنومه مقتل الفلاحة وهي مصر يطلق في وجهه صرخة الاستغاثة بعد أن قام بزيارة الجبهة وتألم لحالها البائس الذي عكس حال مصر كلها، فيقول مقولته الشهيرة "الفلاحة ماتت ولازم نسلم نفسنا..لازم نسلم نفسنا" "ياناس فوقوا..الحشيش اللي احنا فيه متشربهوش..فوقوا"، وإلى الآن للأسف لم يستجب أحد لصرخات الأستاذ أنيس أو أديبنا الراحل نجيب محفوظ، بل عدنا لشعارات حضارة 7000 سنة ونصر أكتوبر المجيد والشعب الأصيل المتدين ويبقى الحال في تصاعد للأسوء ما لم يوقظنا أنيس آخر.


أحسن فيلم في تاريخ السينما المصرية !!

نجيب محفوظ قدم أفضل أعماله ..الفيلم فيه إختلاف كبير عن الرواية لكن حوار عماد حمدي و طرحه لأسئلة لاتزال موجودة ..وأداؤه الذي وصل إلى مرحلة العالمية ..وغرابة الأحداث بينما لاتزال في حد الواقع ..إخراج رائع، صورة رائعة، قصة مصرية و شخصيات من أروع ما يكون ..السبب اني اختاره إنه ليس مأخوذ عن فيلم أمريكي زي كتير من أفلامنا العظيمة، الإرهاب والكباب، الامبراطور،و أفلام أحمد حلمي أسف على الإزعاج و كدة رضا..الي الناس اخترتهم يكونو أحسن أفلام السينما في مصر .. فيلم رائع لن تجد له قرين على MBC2


ثرثرة فوق النيل

للي يعيش بوعيه في الزمن دا لازم يموت من الغيظ (ثرثرة فوق النيل - نجيب محفوظ) بزرميط يا صاحبي بزرميط الفيلم : ثرثرة فوق النيل السنة: ١٩٧١ الإنتاج: رمسيس فيلم عن العبث في ظل واقع قاسي، من الأفلام اللي أقدر أقول بأريحية انه تفوق علي الرواية الأصلية طبعاً مع إعطاء النص الأدبي كل الفضل و التقدير في خلق هذا العالم من أساسه، تحفة نجيب محفوظ الأبدية. يحكي فيلم ثرثرة فوق النيل المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ اللي اتكتبت عام ١٩٦٦ و تم صناعة الفيلم عام ١٩٧١، عن حياة مجموعة من المواطنين المصريين الذين يهربون...اقرأ المزيد من واقع الحياة الصعب في عوامة أحد الشخصيات تلو هزيمة يونيو ١٩٦٧ و تناولهم للحشيش المستمر دون توقف. من الصعب ذكر أي قائمة بأفلام مهمة أو ذات تأثير في السينما المصرية أو العالمية و لا يقال فيها إسم فيلم ثرثرة فوق النيل. فهو فيلم في غاية الأهمية من حيث السرد النقدي السياسي و الإجتماعي الذي يطرحه في ظل وقت من أصعب ما مرت به مصر . فيلم أهميته تصل لدرجة أن بعد ما يقرب من خمسين عاماً علي عرضه، فهو مازال يلمس كل مواطن مصري علي العديد من المستويات، سواء الواقع السياسي المرير الذي نعيشه مع إختلاف الظروف و التفاصيل، أو الواقع الإجتماعي و تركيبة المجتمع المتفككة من الباطن و لكنها من الخارج تبدو و كأنها علي ما يرام. الفيلم من أول كادر فيه و هو يقدم لنا البطل الحقيقي للفيلم، و هي الجوزة اللي معبّية حشيش. تتر الإفتتاح يظهر لنا الجوزة منفردة و هي سيدة الموقف و سيدة الواقع، الكل يدور حول الجوزة و قوتها و تأثيرها علي الإنسان المصري في ذلك الوقت. المخرج العظيم حسين كمال بدأ الفيلم بكادر واسع لشخصية عماد حمدي (أنيس) و هو ماشي في وسط الناس في الشارع و بيكلم نفسه، و تقريباً كل الناس ماشية بتكلم في نفسها، كله منكسر و مهزوم و في حالة عدم مبالاة من بعد الهزيمة، ياكش تولع. حسين كمال إستطاع تجسيد في إعتقادي أفضل نموذج للمواطن المصري "العادي". الكثير من المخرجين يستصعب عليهم تعريف من هو المواطن العادي، اللي زي كل الناس، اللي الجمهور كله حيبقي بيRelate له، و أعتقد أن شخصية أنيس هي أحلي شخصية للمواطن العادي اللي ظهرت في السينما المصرية. تجسيد عماد الحمدي المذهل و رحلته في الفيلم أعطوا للفيلم روح مصر في ذلك الوقت، روح الإنكسار و اللامبالاة. الشخصيات اللي كاتبها نجيب محفوظ كانت علي درجة جيدة من التنوع، فهم شخصيات ذو مكانة إجتماعية جيدة بقصص خلفية مختلفة، و لكنهم كلهم قرروا الهروب من الواقع و التجمع علي شئ واحد في العوامة اللي كانت بتمثل سياق إجتماعي مهم في ذلك الوقت في مصر، الحشيش. عندما يفشل كل شئ، الحشيش هو الملاذ، الحشيش الذي يعد صديق للمواطن المصري منذ الأبد، و الفيلم كان دايما مدي للحشيش و الجوزة حقهم في الكادرات. الفيلم مليان بالرمزية، و ده كان من الجوانب اللي جعلت الفيلم يفقد رونقه بالنسبة لي، الكثير من الرمزية المقحمة بالرغم من تأثيرها علي الأحداث و الحوار بين الشخصيات، سواء لما تمثله الفلاحة اللي ماتت و ما يمثله صوت العقل المتمثل في شخصية ماجدة الخطيب، الصحفية الصاعدة التي كانت تذهب للعوامة لدراسة النسيج المجتمعي و خطبها الواعظة للمجموعة، و كانت بصراحة أسخف حاجة، التوجيه و الإرشاد الأخلاقي للشخصيات و الذي هو بالتالي للمشاهدين. من أحلي الشخصيات اللي تم طرحها في الفيلم و كانت بتمثل الجانب الكوميدي الخفيف، و هي شخصية بواب العوامة، شخصية البواب اللعين التي تلاحق المصريين حتي يومنا الحالي، اللي مراقب اللي داخل و اللي طالع و إصداره للأحكام و التلقيحات علي اللي عاجبه و اللي مش عاجبه. و كان هو اللي الفيلم إختاره ينهي مسيرة العوامة و ما تجلبه من سطل و هطل و فك الحبل و رماهم في النيل لمصيرهم المجهول. هذا هو التمثيل الحقيقي لقوة شخصية البواب أو حارس أي مبني سكني في العموم. أداء الممثلين كلهم رائع، خصوصاً عادل أدهم بجمله الصايعة، الفيلم أصلاً كله جمل حلوة و صايعة، صياعة الجمل المصرية اللي بتلعب علي مليون نغمة و تأثير، و تم تقديم جمل أصبحت لا تتجزأ عن تراثنا اللغوي الحالي مثل "رجب، حوش صاحبك عني" بعتبر ده فيلم مصري حقيقي، فيلم من نوعية بقت منعدمة حاليا في سينماتنا المعاصرة، فيلم عرف يعبر عن حالة كاملة، حالة من الغياب الواقعي و الوعيي، عبر عن رغبتنا في الهروب من ما نعتقد ان لا يمكن تغييره، الإستسلام للقدر و الإنكسار، و لكن الفيلم بيقرر في النهاية يبعت رسالة للمصريين و لمصر علي لسان شخصية الفيلم الصامتة معظم الفيلم، الشخصية اللي كانت مهمشة في الكادرات في يوتوبيا العوامة و لكن تتصدر كادرات الواقع في الشارع، شخصية النص ميت و النص مجنون، وزير شئون الكيف أنيس (عماد حمدي) و هو بيقول "لازم نفوق، لازم نفوق"