وهج العشق  (2009) 

5.1

  • دليل المنصات:



مشاهدة اونلاين




صور

  [1 صورة]
المزيد

تفاصيل العمل

  • نوع العمل:
  • ﻣﺴﺮﺣﻴﺔ


  • بلد الإنتاج:
  • مصر

  • هل العمل ملون؟:
  • نعم


أراء حرة

 [1 نقد]

وهج العشق- رؤية نقدية تحليلية

وهج العشق هل ينطفئ ؟ وهل ينقلب السحر على الساحر ؟ رؤيا نقدية تحليلية بقلم د / أميمة منير جادو عضو اتحاد الكتاب العرب والانترنت هذا هو عنوان مسرحية قدمها البيت الفني للمسرح (مسرح الشباب) برعاية وزارة الثقافة ، في مهرجان المسرح بمصر وفي القاهرة على مسرح ميامي صيف 2009 للمخرج د عمرو دوارة .. لغة الحوار والسرد : اللغة العربية الفصحى ، ولعل هذا ما جذبني في العرض المسرحي ( وهج العشق ) لأكتب عنه . جذبتني حلاوة اللغة وطلاوة الأسلوب ورقي مستوى الحوار الدرامي ورؤية الكاتب الفلسفية وهو الكاتب المسرحي...اقرأ المزيد الموهوب والمظلوم كرم محمود عفيفي ، وقد شاهدت له قبلا (للحياة رائحة أخرى ) وشرفت بالكتابة عنها وسعدت بمشاهدتها أيضا لأنها تعبير عن رقي الفن ودوره الحضاري ورسالته الهادفة . قلم الكاتب ينم عن موهبة حقيقية قلم يقدم نصوصا جادة وأفكارا معبرة عن فلسفة اجتماعية وسياسية ورؤيا ابداعية فنية راقية تتناول السياسي الاجتماعي في قالب انساني فني متميز . يحسب للمخرج عمرو دوارة هذه الرائعة المسرحية الفنية ، تحسب له في تاريخه الفني وتضيف إلى جهوده المسرحية المعروفة حيث يوظف طاقاته الإخراجية وثقافته المسرحية وزخمه الفني المبدع في هذا العرض الأكثر من رائع .إنه عرض مسرحي يتفوق على نفسه . فكرة النص : تدور فكرة النص حول إحياء قيم الطُهر والشفافية في زمن السقوط والانكسارات وضياع القيم النبيلة والجميلة . يؤكد النص كيف يمكن للطهر أن يكون مبدأ وعنوانا لنا في زمن الإفلاس والضياع ، حين تنكسر مرايانا ونعجز عن الرؤية الحقيقية للضوء ، حين يصير التشويه هو القاعدة والجمال هو الاستثناء . موضوع ودراما المسرحية: يقدم العرض دراما تحكي حكاية فتاة(منى) أحبت فتى(أحمد) منذ زمن الطفولة حيث البراءة والنقاء هي مجال الحب وإطاره ، واستمرت مشاعرهما الراقية متبادلة نابضة بالوفاء والطهر رغم كل الاغتيالات التي تعرضا لها والاختبارات الصعبة التي مرت بهما . تدور الدراما المسرحية عاكسة الأحداث المؤسفة التي وقعت لكل منهما لتستدر أسف وحنق المشاهد وتستفز قيمه في آن واحد ، فالبطل أحمد أو الممثل (هشام الشربيني)هو فتى الأحلام ونموذج المحبوب المتفاني قد فقد أسرته في حادث مشؤوم مما أصابه بالإحباط النفسي والأكتئاب فاعتزل العالم والحياة الاجتماعية منزويا في صومعته المقدسة أو مرسمه ليمارس الرسم كفنان موهوب ، ومما زاد الطين بلة أن يفقد أيضا حبيبته البطلة منى ( ولاء فريد ) عبر صفقة زواج خاسرة عقدها أهلها مع ثري رغما عنها ، ولنكتشف بعد الزواج أنه عاجز جنسياً مما يدفعه لاغتصابها بالقوة والعنف انتقاما من ضعفه وعجزه قاهراً إياها ممتهناً كرامتها ، مما يفجر حقدها عليه ورغبتها في الانتقام من كل من تسبب لها في مأساتها هذه ، بمن في ذلك الأب والأم والأخ الوحيد . هنا تتحول الشخصية من النقيض للنقيض ومن موقع المهزومة المقهورة إلى شخصية قوية عنيفة قادرة على الانتقام والإيذاء ، تتحول البراءة إلى شخصية متمكنة مستفيدة بذكاء من كل معطيات زواجها الجارح والمهين . إنها تستفيد من مال وسلطة زوجها العاجز للانتقام من أسرتها ، ويساعدها في ذلك ما يهديه إليها واقع أسرتها من نقاط ضعف وثغرات اجتماعية وأخلاقية. عرض واقعي لثقافة الفقر في بعض الأسر العربية : يقدم العرض المسرحي صورة واقعية وإن كانت مشوهة تشويها كبيرا للأسرة العربية التي تعيش الإزدواجية ما بين الشكل والمضمون ، ما بين الإيمان بالمبدأ كشعار وممارسة الفعل المضاد في الواقع . هذه الأسرة تنتقل بهذه الزيجة من فقر مدقع إلى ثراء مفزع . ويتمثل هذا الفزع في ازدواجية البناء الأسري نفسه ، فالشكل العام والإطار الخارجي الذي يمثل برواز صورة الأسرة يشير إلى حياة لائقة اجتماعيا داخل القصر وشكلا معترفاً به أمام الناس ، وفي نفس الوقت عبر المناظر وسيموغرافيا المسرح نراهم في الحقيقة جزرا منعزلة وحيث كلٍ يهيم بواديه الخاص به وحده وعالمه السري المختبء عن الآخرين والمختلف أيضاً ، فلا أحد يسمع أحد ، ولا أحد يشعر بأحد أو حتى يحترم عزلته ، كلهم ملوثون ، وكلهم مشغولون بأنفسهم وأنانيتهم ،وكلهم لا يثق بغيره وإن بدا ظاهريا عكس ذلك . صور من العرض دالة على ما ذهبنا إليه : صورة الأب : و يجسدها الفنان ( محمد دسوقي ) الذي أبدع في تقديم هذه الازدواجية الشخصية ،إنه يصور رجل الدين بجلابيته وعباءته والسبحة التي لا تخلو منها يده أبدا حتى في أقذر اللحظات التي يعيشها ، فهو في الواقع لا يراعي أية حرمات ويتظاهر بالتدين ، إنه من المنافقين والمرائين والمتاجرين بالدين متخفيا به ساعيا وراء شهواته ورزائله ، حين يواعد الخادمة سراً (عبير الطوخي) ويقيم معها علاقة محرمة ومشبوهة في غيبة زوجته. * صورة الزوجة (الأم) : وتؤدي الدور ( الفنانة ناهد اسماعيل) التي تبرع في تقديم دور الأم والزوجة الساقطة المنحلة التي لا تستحق لقب أم . إن الزوجة في العرض تتفوق على زوجها في السفالة والانحطاط والإجرام ، فهي تقيم مجموعة من العلاقات المحرمة مع الشباب في الخفاء بعيداً ، وتبدو كالعجوز المتصابية التي لا تراعي للدين أو الأخلاق أية حرمة أو اعتبار مبررة هذا السقوط بسبب حرمانها من حقوقها الزوجية . *صورة الأخ الوحيد : يؤديه الفنان(أحمد ابراهيم)ليكمل ثالوث الفساد الأسري باعتباره ضحية لأبوين فاسدين ، لم يتلق القدوة عنهما ،يمثل نموذج الإدمان والعلاقات المحرمة مع النساء لاسيما الخادمة . القهر يؤدي للانتقام : هكذا تقوم الأبنة الشابة (منى) (ولاء فريد) بتجسيد دور البنت والزوجة والحبيبة المجهضة أحلامها من جميع الأطراف (أبوها -أمها-أخوها-زوجها)وتذهب لممارسة الانتقام علناً وفق مصوغات شخصيتها التي تتقوى بسلاح مال الزوج ، وانطلاقا من الظلم الواقع عليها ، الذي ينقلب لرفض وثورة وتمرد وانتقام حقيقي حتى من أقرب الناس إليها (أسرتها وزوجها) ولا يتبقى لها في الحياة من بارقة أمل أو لحظة نقاء أو صدق حقيقي إلا مع ذاتها ، فتعود لحبيبها الرسام أحمد (هشام الشربيني) والذي جسد شخصية الانسان المهزوم المقهور المكتئب تجسيداً رائعا متميزاً ، حيث قدم شخصية الفنان الحساس الوفي الرقيق والعاشق عشقا بلا حدود ، عشقاً متوهجاً دائما ، والمحب ذلك الحب العذري الأفلاطوني مجردا من كل الشهوات دون الوقوع في براثن الخطيئة أو الانفلات ، فالمحبوبة مازالت زوجة لآخر ورغم أنها ترفض زوجها وتكرهه إلا أنها لا تخونه رغم محيط الخيانات حولها في أسرتها ، إنها ترصد واقع الخيانات وترفضه بعفة وشرف وكبرياء حتى في أحلك لحظات حياتها مع أحمد ورغم إغلاق الباب دونهما في مرسمه حيث تلقاه دائما هناك لتقويه لا لتضعفه . إن منى بالنسبة لأحمد تمثل له (سلمى كرامة ) معشوقة جبران خليل جبران في رائعته ( الأجنحة المتكسرة ) ، لذا يأبى أن يدنسها أو يلمسها أو يسيء إليها ، إنه يتعفف ليس فقط عن علاقات نسوية رغم حاجته إليها لكن حتى عن تدنيس علاقته بها ورغم كونها زوجة فهي مازالت شريفة طاهرة نقية ، إنه يناديها سلمى لأنها رمز للطهر والعفة والشرف. * يعري العرض انتهاك الحقوق الأسرية وردود الفعل : يعري العرض الكثير من الممارسات الأسرية والزواجية الخاطئة ويفضحها بجرأة صادمة للمشاهد ، مثل إهدار حقوق الزوجة بشكل مباشر وفاضح ، لا ليقدم تبريرا للخيانة الزوجية لكن تعليلا للضعف البشري وفلسفة السقوط نتيجة الحاجة الغريزية اللا مشبعة ، يصرح العرض المسرحي على لسان الزوجة بأن زوجها لم يعاشرها منذ أثنى عشر عاما ، كما تعلن الأم عن فارق العمر بينهما ، في الوقت ذاته لا يعفي الأب نفسه من مسئولية إهدار حقوقهم في إطار لحظة التطهر فيعلن في نبرة أسى ومرارة وندم : متمنياً لو عاد الزمن للوراء وأتى بأطفال آخرين يعيد تربيتهم من جديد فسوف يحسنها ، ولا يبيعهم كما باع ابنته للثري وابنه للمخدرات والإدمان ، ليكونوا أبناء بررة كرام ،إنه يعترف أنه لا يستحق برهم بل عقوقهم لأن هذا حصاد ما زرعته يداه ، إنه يجني ثمرة ما أفسدته نفسه هو . هكذا يعري العرض المسرحي فضائح الأسرة لأب مراهق وأم متصابية وابن مدمن شمام ،ويبدو القصر ملعونا بما اقترفوه جميعا من خطايا ، إن أحدهم لا يشعر أنه في قصر بل قبر ،كلهم مدفونون فيه أحياء ، ويتبادل الجميع السخريات من بعضهم وفي الوقت ذاته تقيم معهم الخادمة (هند) التي تمثل جاسوساً عليهم تنقل أخبارهم جميعا لجهة أخرى أعلى ترصد وتتابع أخبارهم ، وتبرع الخادمة في تمثيل دور العميل المزدوج فهي عميلة لصاحبة القصر منى هانم ، وهي عميلة أيضا لجهة أخرى أعلى منها . إن (منى هانم /ابنتهم/العروس الشابة) هي التي أتت بها جاسوسة على أهلها لترصد لها سقطاتهم ، لاسيما أخوها الشغوف بالنساء ، فقد وضعتها عن عمد في طريقه لإغوائه ، هكذا يمزج العرض بين الاجتماعي والسياسي . * القراءة المباشرة والضمنية الرمزية للعرض : في القراءة المباشرة نقرأ الفساد الاجتماعي الأسري دالة لثقافة الفقر وانعدام القيم ، وفي القراءة الضمنية والغير مباشرة عبر القراءة الرمزية نقرأ بوضوح الفساد السياسي ، وبهذا تشير الفكرة العمة للنص المسرحي بأن الفساد الاجتماعي هو جزء من فساد مجتمعي أكبر هو الفساد السياسي . يؤكد العرض على قوة وسلطة المال لشراء كل شيء حتى الذمم والضمائر حتى أعلى المناصب بما فيها السلطة ، لقد اشترى الزوج الغائب – الذي لم يظهر طوال العرض- القصر لزوجته واسرتها ، ولقد نجح عمرو دوارة مخرج العرض في تغييب الزوج - مصدر المال والثروة – عبر أسفاره ليؤكد غيبة وجوده المادي والمعنوي معاً ، حيث لا يمثل أي قيمة بالنسبة لزوجته منى التي تلتقي يوميا بحبيبها الرسام أحمد ذلك الفنان المنزوي بعيدا والمحبط بكآباته ، إنها تحاول أن تسترده من عزلته وتأخذه للحياة الاجتماعية حيث العالم والناس والعمل والأمل والتواجد ، وهي تصمم انطلاقاً من إيمانها بقدرة الحب التي تصنع المعجزات، لكن أحمد /الحبيب في المقابل يرفض بل مصمماً على رفضه مؤكدا بمهارة عجزه التام عن اقتحام الحياة بعدما اغتالوا أحلامه وآماله فنكص مرتداً لعوالم البراءة والطفولة حيث الطهر والنقاء إنه يعيش في عزلته مجتراً أحلى ذكرياته يقتات منها لأيامه الكئيبة الحالية . يقدم العرض تبريراً لسلوك أحمد الذي يبدو في البداية مدهشاً بالنسبة للمشاهد الناقد الذي يمكنه طرح هذا السؤال : هل العرض يدعو للعزلة والاغتراب والكآبة ؟؟ لكن سرعان ما يعلل ويبرر العرض عزلة أحمد وتصميمه عليها من خلال التقنية الفنية (الاسترجاع/الفلاش باك) مع استخدام الإضاءة والمؤثرات الصوتية الموحية ، فنشاهد كيف عُذِب أحمد ظلماً باتهامات ملفقة مزورة غير حقيقية فسلبوه كرامته حين سلبوه رجولته اغتصاباً ، ليصير هو الآخر عاجزا بائسأ مشلولاً جباناً . يناقش العرض كيف تجبر السلطة الديكتاتورية الشعب على الاستسلام والخضوع والخنوع ، وكيف تسلبهم إرادتهم وحرياتهم وآرائهم وأفكارهم لتحولهم إلى مسوخ مشوهة جبناء منزوين في بيوتهم وإن خرجوا لضرورات الحياة مشوا بجانب الحائط ، قانعين بالظلال . يؤكد العرض من خلال البطل العاشق أحمد على هذه الحقيقة وهذا الواقع المأساوي لكلا العاشقين حيث ترفض منى استسلامه وتصفه بالجبن والخنوع وترفض حياتها وتقرر الذهاب للسلطة العليا ( أمن الدولة) أي مصدر الحماية للشعب عاقدة العزم على التبليغ عن زوجها تاجر المخدرات الكبير ورجل الأعمال الشهير ، إنها ترى أنها تقوم بواجب وطني وبدافع إنساني لاسترداد حقها في الحياة الكريمة ، إنها ستسجنه وتطلب الطلاق منه بعد ذلك ولترتبط بأحمد معشوقها الوحيد ، أجل إنها قررت وستنفذ ما قررته أخيرا إنقاذا لذلتها ولأحمد وانتصارا للحب والقيم الجميلة . وبالفعل تذهب منى للقاء المسئول الكبير في أمن الدولة ، الذي كان بانتظارها هو الآخر ، هنا يضعنا الكاتب أمام مأزق درامي رمزي سياسي آخر ،تتصاعد الدراما ليكشف العرض عن فلسفة سلطوية (حاميها حراميها) وبتوظيف أكثر بشاعة ليكون حاميها هو مجرميها ومغتصبيها وقاتليها ... إلخ إن المغتصب الحقيقي هو مصدر الأمان فرضاً هو ذاته من يسلب الأمان . يجسد لنا الفنان المتمرس (مجدي إدريس) بطوله الفارع ولياقته البدنية وصلع رأسه وصلابة ملامحه وقسوة آدائه يصور لنا تصويرا رائعاً شخصية رجل الأمن أو رجل مراكز القوى ليؤكد لها أنهم يعيشون جميعا في عصر القوة والقرصنة ، وأن القوة تتدرج ، فكل يتقوى على من دونه وكل يقهر من دونه ، إنها سلسلة من قهر الأقوى دائما وفقا لشريعة الغاب . إن أهل منى قهروها وظلموها ببيعهم إياها وحرمانها من حبيبها ، وعندما حاولت الهروب والرفض والمقاومة ، تتبع أثرها أخاها وقهرها مرة أخرى بالقوة وأعادها لأهلها ليزوجوها غصباً للثري الذي يستفيدون منه بهذا الزواج ، والفكرة قديمة مستهلكة من أفلام الأبيض والأسود ، لكنها في طرح سياسي جديد . إنها حاولت الانتقام بنفس السلاح (المال) حيث اشترت الخادمة (هند) بالمال ووظفتها عندها لتوقع أباها وأخاها في فخ السقوط والخيانة ، كما وظفت عشرة من الشباب بنفس سلاح المال لتوقع أمها في نفس الشرك ، وهاهو الأمن والسلطة ذاتها مباعة لتجار المخدرات ويقاسمونهم النهب والسلب والولاء ، فهاهو رجل الأمن ذاته يراودها عن نفسها متعللا بسمعتها المستباحة مع أحمد وعلاقتها المكشوفة به والتي لا تخفى على احد ، وحين تتعلل بأنها تلقاه في وضح النهار وأمام الناس وتجهر بذلك لثقتها من ذاتها بأنها طاهرة وشريفة ، فإنه لا يصدقها ، إن زوجها هو الىخر أشترى رجل السلطة والأمن ووظفهم لحسابه ، ورجل السلطة أشترى بدوره (هند) ووضعها في طريقها ليراقبها في بيتها . صارت (هند) الجاسوسة رمزا للعمالة والخيانة مباعة لكافة الأطراف ، هكذا انقلب السحر على الساحر ، وكل من نصب شركاً أو فخاً للآخر وقع فيه ، ومن أعمالكم سُلط عليكم . هكذا يكشف العرض عن مكائد ومصائد وخيانات ، لا أحد خال منها ولا أحد سليم النية تماما نقي القلب والضمير ، الكل يباع ويشترى ، فالكل يكيد للكل ، والكل يقهر الكل وان للحيطان ألاف الآذان ، فالعيون والجواسيس في كل مكان ، ورجل الأمن قد نزع الأمن فلا أمان في البيوت ولا أمان في المدينة ، وفي كل بيت هند وفي كل مدينة ألف ألف هند . الجواسيس منتشرة والعيون مراقبة والأنفاس مقهورة ، لا أحد يقتنع أو يفهم البراءة والنقاء والطهر ، لا مكان للحب البريء المزعوم عند هند وأحمد ، لا يعرفه أحد ولا يمارسه غيرهما فقط ، إنه زمن السقوط والجنس والتردي والنحلال وقوة المال التي تشتري كل معنى وكل فضيلة ، إنه عالم خطير محفوف بالمنكرات والشهوات واللهاث خلفها . * رجل الأمن يسلب الأمن : لقد وضعها رجل الأمن ذاته بين خيارات صعبة ، خياران أحلاهما مر وحنظل ، إما أن يغتصبها برغبتها وإما أنه يفضحها بعلاقتها بأحمد الذي لن يصدق أحد طهرها ، لقد دعم تهديده بصور التقطها لها واستطاع تزويرها ومنتجتها لإدانتها ، لقد انقلب السحر على الساحر وكما تدين تدان ، إنها نفسها فعلت ذلك بأسرتها حتى لو كانت مظلومة تسترد حقوقها . إنها في عالم انقلبت موازينه ، فالكون صار بلا موازين ، وصار الحق سجين ، والعاشق هو المجنون في زمن غابت عنه الرحمة والجمال والحب والخير والقيم الجميلة . وأخيرا لم تجد منى - رمز الطهر والحب والرومانسية –مفراً من الوقوع في براثن رجل السلطة ومراكز القوى ، فاغتصبها رغما عنها حيث لا مفر من فضيحة أخرى ، إنها أرادت أن تحمي سمعة أحمد وسمعة حبها الطاهر من التلوث مضحية بنفسها لتبقى قيمة واحدة نقية انتصارا للحب الطاهر ولأحمد . لعل الكاتب استلهم وضفر من بين رمز الرومانسية في السينما المصرية ورموز السلطة في فيلم ( نهر الحب) لفاتن حمامة وعمر الشريف ، ما استطاع أن يطرح فيه فكرته في إطار عصري سياسي يعبر عن مجتمع مقهور وفساد سياسي اجتماعي مرتكزا لفلسفة ( البقاء للأقوى) معتمدا المال كقوة . لعبت موسيقى الفنان الموهوب احمد رستم مع أشعار إسماعيل العقباوي دورا بطوليا في النص ومساعدا في الإخراج ، حيث تخلل العرض مقطوعات غنائية قد وظفت لوضع نهاية للعرض المأساوي وخروجا من المازق عبر الأحلام فقط . العرض يؤكد حتى نهايته بشكل واقعي على منظومة مجتمعية غارقة في الفساد السياسي الاجتماعي الفردي ، وليس هناك من أمل في حل بسيط يمكن طرحه ، ا, حتى تقديم حلول في إطار خطط مستقبلية ، فالواقع مظلم والمستقبل أشد إظلاما ، لذا وضع المؤلف والمخرج الحل عبر الأحلام فقط . فالبطلان ينامان ويحلمان معا ويبقيان أوفياء حتى آخر العمر ، لا يقدمان أية تنازلات جديدة ، لكنهما يستسلما عبر الحلم لفلسفة الصراع الأزلي بين الخير والشر ، ينتصر الشر أحيانا وينتصر الخير في أحيان أخرى بحسب الفترات التاريخية ، الصراع بينهما قائم لأنه سنة الكون . فلنتمسك عبر الحلم بالخير والحب والطهر وكل جمال ممكن حيث يبرق الأمل من خلال الأحلام كما تؤكده أغنية الختام : احببتك حقا .. والموت دواء يشفينا سأبقى حبيبة أحلامك سأبقى شهيدة . بهذا يكون ختام العرض المسرحي وهج العشق ، إنه لا ينطفئ أبدا ، ولا حتى بالموت لأن الموت هو الخلاص الوحيد والتحرر الروحي والاستشهاد في سبيل قيمة عليا . نعم يكون الخلاص الوحيد بالحلم أو الموت .

أضف نقد جديد


تعليقات