عندما تتكلم الصورة ......

سعى " محمد خان " دائما فى أفلامه أن يجعل من الصورة بطلا حقيقيا للأحداث و أن توصل للمشاهد ما تريد الكلمات أن تقوله ، لذا تجد الصورة دائما فى افلامه متغيرة من فيلم الى آخر بل و من مشهد فى فيلم ما الى مشهد آخر فى نفس الفيلم حيث تتغير الألوان و الاضاءة و الأماكن و حركة الممثلين و هى العناصر المكونة لأى كادر سينمائى الذى يعتبر بمثابة صور تتابع على الشاشة ... هذه هى سينما " محمد خان " التى قد تشعر معها بالملل الناتج أساسا عن قلة الكلام غالبا و تركيزه على تفاصيل قد تبدو غير مهمة فى اطار أن المشاهد العادى يريد كلاما و حركة

فى " موعد على العشاء " يدخلك محمد خان سريعا الى أجواء فيلمه التى ستصاحبك طوال الأحداث مقدما لك أسلوبه الذى سيبنى عليه أحداثه و تتحرك داخله شخصياته فاما أن تقبل أو ترفض ....... تقف " نوال " مرتدية فستان الزفاف ، تقبلها أمها ثم " تتركها " بينما تقف هى تائهة و تبدو مذعورة و غير مقتنعة ثم يلتقط المصور صورة الزفاف ، هنا تنطلق الموسيقى " دقات البيانو القاسية المليئة بالحزن الشفاف المكتوم " ، تتابع أسماء طاقم العمل بينما الصورة ما زالت فى الخلفية و تتنقل الكاميرا بثبات بين جزء من الصورة الى جزء آخر مع التكبير و التركيز على هذا الجزء ، فتارة على يدى " عزت و نوال " و تارة على وجه " نوال " حتى ينتهى المشهد بالتركيز على عينيها فقط و " بعد مرور 6 سنوات " .... أراد المخرج هنا أن يقول لك تعمق فى الصورة ، ابحث عما ورائها ، لا تكتفى فقط بما يقال ، فالصورة التى أمامك يبدو عليها السعادة و السرور و لكن مع التعمق و بعد مرور 6 سنوات نكتشف أنها سعادة زائفة ..... اذن فالصورة هى ما سنبحث ورائها ، بعد مرور هذه السنوات تبتعد الكاميرا عن نفس الصورة و لكن فى جو أكثر ظلمة و اختناقا ثم يدخل " عزت " لتدعى " نوال " أنها نائمة لنكتشف أنها لا تطيقه فقد كانت مجرد صفقة بين الأم و الزوج لتتخلى الأم بعد اتمام الصفقة .... أتريد أكثر من أن يقول لك المخرج ماذا يريد منك ؟؟ هذا ما فعله محمد خان فى هذا المشهد الافتتاحى البسيط العميق

شخصية نوال الشفافة الحالمة المضغوطة تنكشف رويدا مع مرور الأحداث و أيضا من خلال الصورة و العناصر المشكلة لها ، فعندما تقف أمام لوحة الطفلة الصغيرة الواقف بجوارها الرجل العجوز ، ترى نفسها فى هذه الصورة فهى هذه الطفلة الصغيرة التى فى حاجة ماسة لأن تجد من بجوارها لذا لا تستعجب من اصرارها على شراء تلك اللوحة و بكائها كالأطفال عندما لم تتمكن من شراءها

و فى مشهد آخر نجدها بداخل الأسانسير محاطة بالكثير و الكثير ، تختنق من هذا الازدحام و لا تستطيع التقاط أنفاسها فى اشارة الى اختناقها من الحياة مع شخص لا تحبه و مع أم لا تعرف حقيقة مشاعرها و لم تحاول أن تتقرب منها ......... كل المشاهد التى تظهر فيها " نوال " تترجم شىء ما فى شخصيتها و تظهر جوانب جميلة فى حياتها التى انطفأت منذ أن تزوجت " عزت " و التى عادت لتضىء ثانية بعد أن تطلقت و التقت " شكرى " ذلك الفنان الحالم الشفاف هو الآخر ، لكن الشعور بالسقوط لا يزال حبيسا داخل أفكارها و فى مشهد من أجمل مشاهد الفيلم عندما تشاهد تلك السيدة المعلقة فى شرفة منزلها ما بين السقوط و النجاة ، و عندما تسقط تنطق نوال " ماتت " ... هذا هو أسلوب الفيلم ، لا يمكنك أن تأخذ المشهد " الصورة " كما هو بل يجب أن تبحث عما تخفيه تلك الصورة

لعبت الاضاءة هنا دورا مهما فى تكوين و تشكيل الدراما و التعبير عن مغزى كل صورة فمثلا المشهد الذى يذهب فيه " شكرى " الى نوال ليعيد لها المرآة التى نستها فى المحل تجده واقفا بالخارج فاصلا بينه و بينها باب الشقة ، تخرج هى لتفتح الباب و شقتها مظلمة قاتمة بينما يقف هو فى النور و عندما يدخل تضىء هى الأنوار فى اشارات وجيزة الى حالها و التعبير عن تطور العلاقة بينهما

الحديث عن كل عناصر الفيلم من موسيقى و ديكور و تصوير و مونتاج يحتاج وقتا كبيرا لشرح مدى ارتباط تلك العناصر بالصورة التى قدمها " محمد خان " هنا فهى فى النهاية العناصر التى شكلت تلك الصورة ...... أما التمثيل فقد كانت سعاد حسنى فى قمة الروعة كعادتها دائما ممسكة بخيوط الشخصية جيدا معبرة عن هذه الخطوط بنظراتها التى حملت شجنا و خوفا لم يفارقها طوال الأحداث ، و أمامك فرصة نادرة هنا لمشاهدة حسين فهمى فى أحد أدواره الجميلة القليلة جدا فى مشواره السينمائى

قبل أن أختم و أعطى تقييم ، يجب التنوية الى مشهد النهاية الذى لن أتناوله بالتفصيل لأن ذلك سيأخذ منى وقتا آخر لكن هذا المشهد من أعمق و أفضل و أروع المشاهد فى تاريخنا السينمائى

تقييمى 9/10