امتياز مع مرتبة الشرف

أن لست متخصص في النقد بمعناه الحقيقي ولكني سأكتب من قبيل المشاهد البسيط الذي شاهد عمل درامي وتأثر به كثيراً أحب أن يعلق عليه.
هذا العمل الدرامي العملاق الذي حالفني الحظ وشاهدته في بداية عرضه ورغم صغر سني في ذلك الوقت ورغم أنني لم يحالفي الحظ ثانية لأشاهده مرة أخرى وانا في عمر الخامسة والثلاثون إلا ان تفاصيل التفاصيل لهذا العمل العملاق مازالت محفورةفي ذاكرتي والسبب بسيط ان هذا العمل ذات المستوى الرفيع في اعتقادي الشخصي المتواضع كمشاهد بسيط لا اعيي المهنية في النقدالأدبي او الدرامي أو قل النقدالسينيمائي وكيفية تسطيره على الورق أو التعبير عنه كناقد المهم في رأيي ان هذا العمل (الجزء الأول ) من أبو العلا البشري أهم عمل درامي حقيقي ناقش قضية الأخلاق والفضيلة بشكل مكثف يحوي في طياته بعدعالي النظر في اطار درامي كوميدي رغم بساطة مفرداته وامكانياته أقصد انتاجه البسيط في ذلك الوقت إلا أن النص الدرامي أو السينيمائي (القصةوالسيناريو والحوار) دسم للغاية وكأنك تسمع شعراً ينساب من بين شفاه الفنانين العمالقة الذين قاموا بآداء هذا العمل الأكثر من رائع بكل ما تعنيه الكلمة من معان في كل لحظة تطل فبها عينيك على مشهد من المشاهد وما أكثرها في هذا العمل البناء والمربي للعقول فالنص لهذا العمل هو استثناء في تاريخ الدراما العربية عموماً. الأمر الآخر في رأيي المتواضع هو الآداء للطاقم الفني فعندما تشاهد العمل فإنك تلاحظ من أول وهلة بانك تشاهد مراسون عنيف الكل يتسابق بداخله ليفوز بالسباق فيعطي أفضل ماتجود به انفاسه ، الكل منصهر في بوتقة واحدةلاستخلاص العصارة الحقيقية للعمل فكان الناتج امتياز مع مرتبة الشرف للكبير والصغير معاً أقصد للمبتديء والخبير في آن واحد . أم من تحمل العمل على كاهله(العملاق ) محمود مرسي فهو رأيي المتواضع فنان خارج عن التصنيف لأنه أفضل ماتمخضت به سينيمانا المصرية لأنه فنان فذ من الصعب جداً تكراره أو تيقن طريقة آداؤه للمشاهد الدرامية أي ان محمود مرسي فنان متفرد الآداء مستقل بذاته خارج عن التصنيف مع كامل احترامي لعمالقة السينما قديمها وحديثهاوبخاصة(أحمد زكي )فمحمود مرسي إذا أخافك وأرعبك بآدائه فأنه يخيفك للنهايةو بإمتياز وإذا ابكاك كذلك فإنه يبكيك بإمتياز لذلك فإنه فنان من العيار الثقيل له توقيعه وبصمته الخاصة جدا في تاريخ الدراما عموماً. الأمر الآخر بالنسبة للعمل أجمع فإنك إذا شاهدته بمنطق الإنسان البسيط خاصة في ذلك العصر فإنك سرعان ما ترحل عنه وتستبدل المحطة بأخرى وإذا شاهدته بمنطق المحب للحياة المثالية فإنك ستتعاطف مع شخصية أبوالعلا البشري متمنياً النصرة له في كل معركة ينازل فيها آخرين ، أما إذا شاهدته بمنطق المتفحص والمتمحص لشئون الناس وعلاقاتهم الاجتماعية وما طرأ عليها فإن عقلك سيقف حائراً مرات ومرات ويجعلك تؤمن من داخلك بأنك أمام عمل من العيار الثقيل أشبه بالروايات العالمية التي التي تنادي بالفضيلة والخير والمثالية في كل وقت وحين كجمهورية أفلاطون مثلاً وغيرها من الروايات التي خرجت عن حدود أوطانها فتجد نفسك في حالة من المد والجذر مرات ومرات والسؤال الوحيد الذي تموج به ذاكرتك وتجده يقفذ بداخلك دائماً وهو هل أنت مع شخص ابوالعلا البشري على طول الخط أما أنت معه أحياناً - أم أنت ضده ؟؟؟ هذا السؤال وغيره من الإشكاليات التي يقدمها العمل تجعلك في حالة من التوهج العقلي الدائم عند سماعك لهذا العمل الدسم التي ربطت أحداثه بشكل ضمني مع دخول الانفتاح الأقتصادي على مصر الذي شوه كل معالم الجماليات بها فكان الشعب أكثر ترابطاً ورحمة بين أفراده فبدلت المادة أهم ملامحه وأخذته لمنعطف بعيد ، عن علاقاته الحميمة ، كل هذه التساؤلات وغيرها يجيب عليها الكاتب العملاق في نهاية العمل على لسان الفنان الرائع (صبري عبدالمنعم). الخلاصة : أن العمل علامة في تاريخ الدراما العربية عموماً.وأن أسامة أنورعكاشة قدم للمواطن المصري خصوصاً والمواطن العربي عمومأ أفضل مما قدمته المؤسسات التعليمية عمومأ من تربية وتهذيب للعقول وإعلاء للفكر .