ارجو .. الحديث عن المتعة والثورة والحرية

بعد أن تنتهي من مشاهدة فيلم ارجو فربما تشعر لوهلة بأنه أحد أفلام التشويق الأمريكية التي تسرق أنفاسك أثناء المشاهدة دون أن تترك أي أثر في عقل المشاهد, ولكن ارجو بالتأكيد يختلف !! فالمخرج الواعد بن أفليك تعرض لحدث تاريخي معقد جدا هو الثورة الإسلامية الإيرانية من خلال أزمة شغلت الرأي العام الأمريكي وقتها وهي أزمة الرهائن المحتجزين في السفارة الأمريكية في طهران وحتي في هذه الأزمة تعرض ارجو فقط لستة من الرهائن الذين هربوا من مبني السفارة أثناء إقتحامها وتمكنوا من الوصول لمنزل السفير الكندي لتصبح مهمة إنقاذهم أكثر تعقيدا ربما من بقية الرهائن ال52 المحتجزين داخل السفارة. الفيلم هو محاولة إنقاذ هولاء الستة والتي إنتهت إلي تهريبهم بهويات مزيفة علي أنهم مجموعة من صانعي الأفلام الذين يبحثون عن موقع لتصوير فيلم جديد في الشرق الأوسط.ودون الإفصاح عن نجاح الخطة من عدمها في مواجهة جهاز أمن إيراني متربص بكل ما هو أمريكي بعد إستضافة الولايات المتحدة لشاه إيران المخلوع مما أغضب رجال الخميني والشعب الإيراني عموما. في تقديري أن ارجو حقق أحد أهم أهداف السينما وهو التثقيف التاريخي من خلال التركيز علي قصة مشوقة تلخص إطار أكبر مع تمرير كمية من المعلومات والأحداث التاريخية والتي ربما لن تصل لجمهور السينما العريض لو بقيت في أضابير الكتب. ارجو بالتأكيد ليس مراجعة تاريخية شاملة للثورة الإيرانية ولكنه يضعك تماما في أجواء الأيام الأولي للثورة وإنطباعات العالم حولها مع صور مختلفة للداخل الإيراني. وأنا أكتب هذا المقال عشية ليلة الأوسكار 2013 ومع إنحصار التوقعات لجائزة أفضل فيلم بين ارجو وفيلم لينكولن للمخرج ستيفن سبيلبيرغ تجدني أميل لترشيح ارجو لنيل جائزة الأوسكار 2013 لعدة إعتبارات أهمها أن ارجو نجح في إجتذاب الجمهور وإجباره علي متابعة الفيلم حتي المشهد الأخير رغم القضية المعقدة التي يناقشها بينما شعرت وأنا أشاهد لينكولن أنني أمام مناظرة سياسية مملة رغم جودة التمثيل وعناصر أخري. كما أن أن ارجو عرض جانبا مهما من وجهة النظر المعاكسة لمنظور الفيلم وهو شئ كدنا نفتقده في السينما الأمريكية التي دائما ما تصور خصوم الولايات المتحدة علي أنهم أشرار بينما الولايات المتحدة هي رسول الرحمة في العالم وهو ما لم يروج له الفيلم إطلاقا حيث يظهر في المشاهد الأولي موظفو السفارة الأمريكية وهو يقومون بحرق الملفات مما يشير إلي إحتوائها علي ما يدين البعثة الدبلوماسية أو تورطها في أي نشاط إستخباراتي أو ما شابه. كما يعرض الفيلم في بدايته أيضا سردا مختصرا لتاريخ الشاه الذي إتسم بالفساد مبررا بوضوح مشرزعية ثورة الشعب الإيراني عليه في عام 1979. وفي الجانب الآخر فإن أهم ما ينتقده الفيلم في مظاهر الثورة الإيرانية هو المشاعر السالبة التي تولدت لدي الإيرانيين ضد الأجنبي أيا كان والتي ربما وصلت لحد الكراهية حيث يظهر ذلك في مشهد نزول المجموعة إلي السوق والمعاملة السيئة التي تمت معاملتهم بها. أعجبني جدا إدارة المخرج لنقطة مهمو جدا علي مدار مشهدين في الفيلم وهما المشهدين علي متن الطائرة ذهابا وإيابا حيث ينوه طاقم الطائرة في رحلة الذهاب إلي الدخول في المجال الجوي الإيراني مما يلزم جمع كافة المشروبات الكحولية ليحصل بعدها بطل الفيلم ومخرجه بن أفليك علي آخر قطرة بينما في رحلة العودة وبعد مرور فترة من الإقلاع من مطار طهران ينوه طاقم الطائرة الركاب بخروجهم من المجال الجوي الإيراني ومن ثم إمكانية حصولهم علي أي من المشروبات التي يريدونها وهو ما تزامن حينها مع نجاح مهمة إنقاذ الرهائن ليحتفل الجميع في ترميز عالي لمسألة غياب الحرية خارج وداخل المجال الجوي الإيراني وهي في رأي الرسالة الأساسية التي يبعثها الفيلم. آرجو فيلم ممتع ومشوق ومفيد في آن. أعتبره الأسلوب السينمائي الأفضل لمناقشة الأحداث أو القضايا المعقدة بمتابعة قصة مشوقة أقل زخما تقع في ظل حدث ذو ابعاد أكبر. الفيلم مستوحي من قصة حقيقية بإستثناء إضافة بعض (التوابل) السينمائية مثل مشهد ملاحقة السلطات الإيرانية للطائرة علي المدرج وإطلاق النار بغرض المزيد من الإثارة وهو ما لم يكن مطلوبا في رأي حيث إتسم ذلك المشهد بعدم الواقعية فمن غير المنطقي جدا أنن تواصل طائرة (مدنية) عملية الإقلاع وسط سيارت تطلق النار علي عجلات الطائرة الي لم تفارق المدرج بعد !! ولكن هذه التفصيلة الصغيرة لا تنقص من جمالية الفيلم في إنتظار حفل الأوسكار 2013 بعد ساعات لإعلان : ارجو حائزا علي جائزة الأوسكار كأفضل فيلم للعام 2013 !!