أزمة السينما في أبنائها

يحلو للسبكاوية أن يسألوا أي منتقدٍ لأفلامهم السؤال الآتي : "شوفت الفيلم؟"، يخالون بهذا السؤال أنهم يفحمون منتقديهم، ويقيمون عليهم الحجة الناصعة. حسناً أنا لم أشاهد فيلم "قلب الأسد"، هذه التحفة الفنية، الشاهدة على مدى التطور الذي حدث للسينما المصرية، لكني شاهدتُ صوراً وفيديوهاتٍ على الإنترنت لشبابٍ رءوسهم مصفوفة على طريقة "فارس الجن"، عراة إلا من بناطيلهم، يرقصون بالمطاوي، مروعين بذلك الآمنين السّارون إلى جوارهم. كانت هذه الصور والفيديوهات كفيلتان بألا أشاهد الفيلم، ولو عن طريق التنزيل من الإنترنت، أو عبر قناة من القنوات التي لا تستحي أن تسطو على الأفلام (حتى وإن كان أغلبها يستحق السطو) وتعرضها على شاشتها خلسة؛ مكتفياً بصور عشاق "فارس الجن" التي طاردتني أينما حللت ضيفاً على أي موقع إخباري فقلبي الصغير لا يتحمل!.

بعض النقاد يدافعون عن الفيلم قائلين : "إن السبكاوية هم المنتجون الوحيدون الذين لا يزالون ينتجون الأفلام بالرغم من من المشاكل التي تواجه الصناعة وشركات الإنتاج معاً"، وأحب أن أرد عليهم قائلاً : قد يكون كلامكم صحيحاً لو أنهم يختارون أن ينتجوا أفلاماً ترتقي بالمواطن مع الحفاظ على تحقيق عائد مادي مرضٍ لهم، لكن وللأسف نجدهم مستمرين في إمطارنا بكمٍ لا بأس به من الأفلام التي يصبح معها دفع ثمن تذاكرها جريرة تستوجب الجلد، مُستغلين حالة الموات التي عليها بقية الشركات في احتكار الصناعة.

من الصعب جداً أن نزدري ونسخط على هذه النوعية من الأفلام دون أن نُلقي باللوم على المشاهد المصري، الذي يقطع تذكرة تلوث بصري لمشاهدة "قلب الأسد"، ولا يكترث لأفلامٍ أخرى موجودة في نفس السينما أعلى قيمة وأجود تقديماً.

"لكن أليس فارس الجن هو أنموذج للكثير من الشباب؟، أليست أفلام السبكي إنعكاس مرآةٍ لما يحدث في الشارع؟."، يقول البعض، بينما البعض الآخر يرد : "إن الشباب يقلدون ما يجدونه في الأفلام، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر"... لا أحب أن أدخل في هذا الجدل البيزنطى؛ فلا فائد ترجى من جنس الملائكة، أو بمعنى أصح، الإجابة عمن قلد الآخر أهو المواطن أم الممثل؟، لا طائل من ورائه. ما أريد أن أقوله هو أن المواطن المصري يعيش فترة من أصعب فترات حياته، من حيث البطالة وغلاء الأسعار وانعدام الأمان، فلا أقل من أن يقدم له صناع السينما الحقيقيون فيلماً ذا قيمة، ولا بأس لو ابتعدوا عن الواقع، فالمواطن يحاول الهرب من هذا الواقع إلى الخيال والجمال والرقي، ولو وجد واقعه الأليم في السينما يصبح كمن نصب له فخاً لتحطيمه.