إمرأة بألف رجل

أهم مايلفت نظرى فى افلام السيرة الذاتية انها تترك اثرا قويا فى نفس المشاهد سواء عن طريق تذكر الشخصية نفسها أو بإكتساب عادات إيجابية معينة كانت تقوم بها تلك الشخصية التى هى محور الفيلم. وقليلا ما يجمع فيلم سيرة ذاتية الأثنين معا أى يجعل كل من يشاهد الفيلم يتاثر بالشخصية وبعاداتها القوية والمؤثرة وهذا ماحدث فى فيلم المرأة الحديدية او السيدة الحديدية الذى عرض قصة حياة أول رئيسة وزراء فى تاريخ بريطانيا والغرب فى العصر الحديث مارجريت تاتشر. مارجريت تاتشر وصلت لمقعد رئيس الوزراء ممثلة حزب المحافظين فى عام 1979 الى 1990 تقريبا عقد الثمانينات كله وكانت فترة من اصعب الفترات التى مر بها الشعب البريطانى فى بعد الحرب العالمية الثانية فالاقتصاد البريطانى كان فى اسوأ حالاته والضغوط والضرائب فى ازدياد على الشعب وهذا بجانب المنافسة الشرسة لقيادة القارة العجوز من قبل المانيا التى كانت تسعى وقتها لضم المانيا الشرقية وهدم سور برلين والذى حدث بالفعل عام 1989 هذا بجانب ان الحرب الحرب الباردة كانت مازالت وقتها مستمرة وانجلترا لها نصيب بحكم إنها من أهم حلفاء الولايات المتحدة الامريكية.فى ظل كل هذة الازمات والمشاكل استطاعت تاتشر ان تقود السفينة بمنتهى الحزم والصرامه وأن تثبت للتاريخ ان المرأة قادرة على القيادة فى زمن لا يوجد فيه رجال تصلح للقيادة. لم يغب عن بالى اثناء مشاهدة الفيلم كم نحتاج نحن كمصريين هذة الايام وبشدة شخصية بهذة القوة قادرة على العبور بنا من هذا المستنقع التاريخى الضحل فمصر عرفت من الشخصيات الضعيفة فى مراكز هامة ومؤثرة جدا عدد كبير من الاسماء الضعيفة الغير قادرة على القيادة بداية من رؤساء وزراة ووزراء ومحافظين ومسؤلين كبار.

ميريل ستريب - البطلة لابد أن نتوقف عند أداء ميريل ستريب القوى لشخصية مارجريت تاتشر فهى تعدت كونها ممثلة محترفة امتلكت خيوط الشخصية التى تلعبها لإنها قدمت درس لكل إمرأة فى أى تنتمى لأى ثقافة كيف تكون السيدة الحازمة والقائدة وبدون أن تتأثر انوثتها وررقتها فى التعامل مع الآخرين فأقنعتنا بأنه من الممكن ان تكون سيدة تتحدث بصوت هادىء ورقيق وفى نفس الوقت تفرض رأيها ومنطقها الصحيح على اى رجل غاضب أو شعب بأكمله ثائر عليها ورافض لسياستها الصارمة . ولا يوفتنا ملاحظة العديد من التفاصيل الهامة التى أهتمت بها ميريل ستريب وأضافت لأدائها الكثير من القوة والتاثير مثل تمكنها من التحدث بلكنة بريطانية سليمة وتركيزها على طريقة المشى فى كل فئة عمرية من حياة مارجريت تاتشر لعبتها ميريل ستريب منذ سن تاتشر فى الاربيعنيات الى فترة أخر سنوات عمرها.وأنا أعتقد إنها أكثر مرحلة برعت فيها ميريل ستريب فى تقمص الشخصية بمنتهى الإبداع وعلى الرغم من براعة الماكير الا ان لم تعتمد عليه فقط فى التقمص .ولا أستبعد إن هذة الفترة هى السبب فى حصولها على جائزة الأوسكار أحسن ممثلة.

ج. رو هيلاند - الماكيير أى مشاهد للفيلم ستزداد حيرته فى المشاهد التى تلعب فيها ميريل ستريب دور مارجريت تاتشر فى المرحلة الأخيرة من عمرها. فسيختلط عليه الامر ,هل التى أمامه ميريل ستريب أم مارجريت تاتشر نفسها أم إنه تمثال شمعى طبق الأصل لمارجريت تاتشر فى متحف مدام توسو بلندن. هذة من المرات القليلة التى يحصد فيها فيلم جائزة أوسكار أحسن مكياج وهو فعلا يستحقها كل الاستحقاق فالماكيير قد أحدث طفرة فى عالم مكياج الشخصيات الحقيقية ففى العادة يعتمد الماكيير على النظارات الشمسية او قصة الشعر والمخرج يحاول قدر الإمكان التقليل من اللقطات القريبة حتى لا تظهر عيوب المكياج وكذلك مدير التصوير والأضاءة تكون امامهم عقبة إخفاء عيوب مكياج الشخصية التاريخية خصوصا إذا كانت شخصية معاصرة لزامننا والكثير ممن يعيشون وقت عرض الفيلم شاهدوها على الحقيقة أو فى التلفزيون. هذا لم يحدث أبدا فى الفيلم فقد شعرت أن المخرج ومدير الاضاءة ومدير التصوير يتصرفون بكامل حريتهم فى مشاهد ميريل ستريب.

فلايدا لويد - المخرجة أنا شخصيا لا أتحمس للإخراج السينمائى النسائى ولكن بمنتهى الموضوعية لابد ان أعترف بمدى حساسية المخرجة فلايدا لويد وبراعتها فى توصيل المعنى عن طريق الصورة . فإستخدامها لحركة الكاميرا بنعومة عبرت عن أنوثة شخصية المرأة الحديدية ,وأعجبتنى جدا لقطات الحذاء الحريمى لمارجريت تاتشر مع عشرات الأحذية الرجالى فى إشارة لمدى صعوبة طريقها لأخذ فرصه أو مكان داخل حزب المحافظين,وتصوير لحظة دخول مجلس العموم البريطانى لأول مرة كانت رائعة فقد أظهرت المخرجة لحظة قتح الأبواب والكشافات العالية للمجلس وكأنها لحظة دخول الملاكم لحلبة القتال ومواجهة خصمه وجمهوره. يحسب على المخرجة إنها لم تكن موضوعية فى عرض ماهو سلبى فى حياة مارجريت تاتشر فقد أستبعدت اشياء هامة جدا لايمكن أستبعادها عند تناول قصة حياة تاتشر مثل إبنها مارك فلم يكن له وجود نهائيا فى الفيلم ولا أعرف السبب فى ذلك هل لأن له علاقة بصفقة الأسلحة الشهيرة بإسم اليمامة التى كانت بين المملكة العربية السعودية وبين المملكة المتحدة البريطانية والتى تحدثت عنها الصحف البريطانية بخصوص عمولات حصل عليها مارك لتسهيل الصفقة بحكم منصب والدته .لأ أعرف أيضا أسرفت المخرجة فى تكرار مشاهد الشغب والإضراب فقد كانت تستخدمها لتحفيز المشاهد وإثارته فى كل مرة وكأنها الطريقة الوحيدة لفعل ذلك.

مشهد النهاية كان واقعى جدا فقد ظهرت فيه مارجريت تاتشر تلف وتدور فى منزلها بدون هدف كأن المخرجة تقول إنها ستظل هكذا إلى أن تموت فى هدوء وهو ماحدث بالفعل بعدها بحوالى عام.