بوسترات الأفلام.. حكاية الصنعة، وسر المهنة

  • مقال
  • 12:21 مساءً - 11 سبتمبر 2012
  • 4 صور



صورة 1 / 4:
بوسترات الأفلام.. حكاية الصنعة، وسر المهنة
صورة 2 / 4:
بوسترات الأفلام.. حكاية الصنعة، وسر المهنة
صورة 3 / 4:
بوسترات الأفلام.. حكاية الصنعة، وسر المهنة
صورة 4 / 4:
بوسترات الأفلام.. حكاية الصنعة، وسر المهنة

منذ أعوام كنت أقوم بترتيب قائمة خاصة بالأفلام التي شاهدتها. وجدت أن جمع صور لبوسترات هذه الافلام أمر يساعد حتماً لتحقيق ذلك. وما بدأ كمجرد أرشفة لأفلامي تحول إلى هواية في حد ذاتها!! إن أحد أهم وسائل تسويق الأفلام تجارياً هو بوستر الفيلم أو ملصقه الدعائي. وما بهذه البوسترات من فن في التصميم ونقل حيوي لرسالة الفيلم وتحقيق للغرض الاساسي منه في جذب المشاهد لرؤية الفيلم فن خالص يستحق المتابعة والتقدير. وصار للبوسترات محبين ومدمني جمع للنوادر منها.

كان يا مكان..
ربما تكون المحاولات الأولى لصناعة بوستر لفيلم بشكل احترافي هي ما يمكن تتبعه للفرنسي جولز شيريت الذي يعد الأب الروحي لهذه الصناعة والذي قام بوضع أول بوستر دعائي الطابع بغرض التسويق لعرض مسرحي في العام 1890. في العام 1896 قام السيد إم.أزول بوضع أول بوستر في التاريخ لأول فيلم سينمائي لقصة خيالية هو فيلم L'Arroseur Arrosé للأخوين أوجست و لويس لومييررواد صناعة السينما تاريخياً. الأفلام كانت قبل هذا الفيلم نقل لواقع فقط وتسجيل لأحداث واقعية. هم أول من وضع قصة مختلقة للتصوير في فيلم كوميدي صامت باختصار هم مبتدعو السينما كما نعرفها اليوم. حتى البوستر كان يمثل عدد من رواد صالة العرض يشاهدون بانبهار ما يبدو كلقطة من الفيلم!

مع بداية السينما التجارية في الولايات المتحدة الأمريكية كانت البوسترات بالأساس توضع خارج دور العرض السينمائي الخاصة بكل فيلم. وكان المورد لها هو في الأغلب موزع الفيلم. وكان الموزع يسترد البوسترات الدعائية مع كل فيلم مع انتهاء دورة عرضه في السينما. حتى يتمكن من اعادة استخدامها في دار العرض التالية في مخطط عرض الفيلم. بعض البوسترات تداولت بين صالات العرض لسنوات كثيرة باستمرار عرض الفيلم. المفارقة هنا أن تحول البوستر من مجرد وسيلة دعائية مستبدلة، إلى نوع من "العُهدة" التي يجب أن يتم تداولها بحرص وللاستخدام التجاري فقط تسبب في ضياع كثير من البوسترات قبل 1930 لعدم تمكن هواة جمع البوسترات من الحصول عليها من أصحاب دور العرض وشركات التوزيع!.

في الفترة ما بين 1940 و1980 كانت شركة National Screen Service ربما المورد الوحيد للمواد الدعائية للأفلام بما فيها البوسترات. بعد هذا التاريخ وبشكل مركز بعد 1990 اعتمدت أغلب شركات وأستوديوهات الانتاج في هوليوود على نفسها وفنانيها لصناعة بوسترات أفلامها. أو بالتعاقد مع شركات تصميم مختصة في مجال الدعاية وصناعة البوسترات. البوستر نفسه كان في بدايته عمل فني يمثل رسم أو تصميم يرسمه فنان للفيلم أو فكرته. إلا أن في الفترة الحديثة ظهر الاهتمام بالجانب الفوتوغرافي في البوستر وإدخال العديد من التأثيرات والتصاميم والجرافيك الرقمية.

أهمية هذا الفن وهذه الصناعة خلقت نوع من التنافسية العالية بين مصممي البوسترات وصار الإبداع والاحترافية هما اسمي اللعبة. مواقع شهيرة على الانترنت متخصصة في البوسترات صارت تقدم جوائز لأفضل بوستر سنوياً وتصنيفات للأسوء. رابطة صحافيي هوليوود تقدم جائزة فعلية سنويا باسم The Key Art بما يتصل بالفنون المرئية للمواد الدعائية للأفلام بما في ذلك البوسترات.

لكن ما الذي يصنع بوستر ناجح وآخر فاشل؟ ما هي أهم عناصر البوستر المميز؟ ما هو سر المهنة إن جاز التعبير؟ التالي بعض من هذه العناصر:

جذب الانتباه:
أهم عنصر في البوستر الناجح هو قدرته على جذب انتباه الجمهور وإثارة انتباههم لوجوده كخطوة أولى، مما يدفعهم للتعمق في فحصه كخطوة ثانية. في أساليب العرض البصري ربما أمور كالألوان البراقة والتصاميم الذكية أو حادة الملامح تحقق ذلك. لكن لا داعي لكل ذلك في بوسترات الافلام. يحقق المطلوب هنا ربما إظهار لشخصية أو مجموعة من شخصيات الفيلم في إطار مثير للاهتمام يظهر الشخصية بشكل أكبر وأهم من الممثل المؤدي لها ( ميكي رورك مصارعاً مستند بإرهاق على حبال الحلبة في The Wrestler وربما مجموعة من الشخصيات التي لا تعرف ما الذي أصابها لتبدو كذلك في The Hangover) . ربما نقطة محورية لمشهد ذو صلة أساسية بقصة الفيلم أو حبكته تحقق ذات الأمر. (تشاهد بوستر 127Hours لتعرف أن هناك معضلة تتعلق بالتسلق أو بوستر The Perfect Storm الذي يوضح بشكل مباشر مدى المصيبة التي تمثلها تلك العاصفة). هناك بوسترات من التقديم تجمع كلا النقطتين السابقتين حيث تقدم شخصية للفيلم في لقطة موحية بالحدث الرئيسي أو حبكة الفيلم ( جوني ديب في شخصية Sweeney Todd).

الاهتمام في هذا النوع من البوسترات ببعض التفاصيل يساعد في تحقيق الهدف وتركيز رؤية المشاهد على الصورة أمامه للوصول للهدف منها وهو جذب انتباهه بالشخصية أو اللقطة موضوع البوستر. تقنيات كتدريج لون الخلفية لتركيز بؤرة النظر في موضوع الصورة في المقدمة أو تصميم شبكي للإضاءة يحقق هذا الأمر.

التضمين:
لا داعي للإخبار عن قصة الفيلم أو حبكته بشكل مباشر. الأمر كما أنه قد يجذب الانتباه فربما يكون من المباشرة بما يدفع المشاهد للشعور بأن الفيلم مباشر وقد عرف ما به فلا داعي لحضوره. ذكاء الفنان المصمم لبوستر أي عمل قد يكون في تضمين محتواه وحبكته بشكل خفي أو غير مباشر يدفع المشاهد للفضول لمعرفة السر خلف هذا البوستر. (بوستر فيلم Perfume موحي بالإسم وبلمحة من موضوع الفيلم لكن حتى بعد مشاهدتك للفيلم لن تشعر بأن البوستر قد كشف لك الحبكة بالكامل)

التضمين أيضاً يعني اللعب بشكل خفي ونفسي مع المشاهد وجذبه للتطلع للفيلم نتاج اهتمامه في اللاواعي بعنصر من عناصر البوستر البصرية. التيمة الأكثر شهرة هنا هي استعمال الإغراء والجذب الجنسي لتحقيق تطلع المشاهد للفيلم من خلال هذا العنصر في البوستر. (الأمر مباشر في بوستر American Beauty مع عبارة صغيرة بجوار العنوان تدعوك للنظر بشكل أقرب! بوستر المسلسل التلفزيوني True Blood يظهر شفاه نسائية ممتلئة ومغرية لإمرأة تداعب شفتها العليا بلسانها بطريقة مثيرة، في نفس الوقت الدماء السائلة منها والأنياب الطويلة إضافة لعنوان البوستر تعطيك لمحة ذكية عن موضوعه).

الاهتمام:
اهتمام المشاهد ببوستر الفيلم وما يحتويه من مادة بصرية طريقة أكثر مباشرة من التضمين لكنها تحقق الغرض بنجاح. ربما لا يصلح الفيلم أو حبكته للاختزال في تضمين معين وذكي. لكن قد تحوز لقطة مأخوذة من الفيلم على اهتمام المشاهد للبوستر وتضعه بشكل كلي في منتصف الأحداث مما يدفعه دفعاً للتطلع للفيلم حتى يستطيع متابعة الحدث أو الحكم عليه. (سيلوييت لشخص جالس امام نافذة غرفة وفي يده مسدس في بوستر فيلم Munich، وربما لقطة معبرة من رائعة كريستوفر نولين Inception تأخذك للسينما.)

في هذا العنصر يبحث المصمم عن إثارة الفضول لدى المشاهد. مع رؤيتك للبوستر المعتمد على هذا العنصر تسال نفسك، ماذا حدث؟ ماذا يحدث قبل وبعد هذه اللقطة؟ فضولك يدفعك لمحاولة معرفة "حكاية" اللقطة مما يدفعك لمشاهدة الفيلم لإشباع فضولك. كلما كانت اللقطة مثيرة للفضول أو معبرة عن حدث فاعل في الفيلم كلما زاد اهتمام المشاهد بالبوستر وبالفيلم.

الجاذبية:
اليوم ومع تطلعنا لعالم السينما ومتابعتنا أخباره، صار لنا مخرجين وممثلين نتابعهم بشكل خاص ومباشر. اليوم نعرف أن فيلم World War Z يصدر العام المقبل للنجم براد بيت. في الاغلب دون انتظار بوستر أو أي وسيلة دعائية سنتابع الفيلم لأنه لبراد بيت. كذلك لا أعرف المشروع القادم للمخرج كريستوفر نولين لكني سأتابعه بالتأكيد!

حسنا هنا مع هذا النوع من الجمهور المخلص لنجم أو مخرج ما يكون الأمر محسوم لصالح الفيلم ولا داعي لتحقيق الجذب للمشاهد في البوستر. لكن هذا لا يمنع من تحقيق الجذب عن طريق اللعب على عناصر أخرى للفيلم في البوستر غير العنصر المعروف بالفعل للجمهور. ( Inglourious Basterds ل كونتين تورينتينو مثال لذلك، غير أن المخرج صاحب شهرة من نوع خاص وله معجبيه المخلصين، نجد أن الفيلم الذي استغرق تورينتينو في صنعه 7 سنوات معروف لجمهوره قبل صدوره. غير المتابعين لتورينتينو طالعوا البوستر فلم يجدوا اسم المخرج ظاهر بشكل كبير على البوستر وإنما تصميم موحي لنخبة من النجوم في تصميم مشابه لمجلات الكوميكس في التسعينات.)

الأسلوب:
أسلوب التصميم أو اتجاه المصمم في وضع البوستر ربما يحددان بشكل كبير قبول المشاهد للفيلم أو رفضه. استخدام زوايا مختلفة لعرض وجهة نظر للمصمم أو استخدام تصاميم فانتازية لموضوع الفيلم أو مجرد تصاميم جرافيك عالية الجودة ترمز للفيلم. ربما إضفاء التابع المعتق للبوستر أو استخدام فلاتر وثيمات ألوان تضفي جو نفسي محدد على البوستر. كل هذه الأمور تصنع بوستر ناجح إن اتبع المصمم الأسلوب الملائم لتحقيق موضوع الفيلم. فقط الخطورة الوحيدة هنا هو أن يتم تجاهل الفيلم لصالح تقديم نظرة فنية خاصة أو أسلوب مميز للفنان في البوستر على حساب الفيلم ذاته.

(بوستر Watchmen اعتمد بشكل أساسي على أسلوب الكوميكس لنقل أجواء الكوميكس التي عشقها متابعي السلسلة، فيلم 500Days of Summer جاء معبر لخاطرة في عقل بطل الفيلم بأسلوب الرسم بموزاييك من صور للبطلة، أسلوب أكثر تعقيداً يظهر أسماء أبطال فيلم Burn After Reading بشكل مشابه لجرافيتي الحائط مع صورة كاريكاتيرية لسيلويت شخصيتين في وضع موحي بالتجسس والاغتيال!)

التتابعية:
هناك إشارات تسويقية بالغة الاهمية هذه الايام على الفنان ان يلتفت إليها عند وضعه لبوستر فيلم ما. أهمها أن يلاحظ المشاهد رسالة تسويقية ما للفيلم ظاهرة بشكل إبداعي وفني في البوستر. أهم هذه الإشارات هو الإشارة إلى التتابعية أي أن الفيلم الحالي يتبع سلسلة من الأفلام أو هو جزء لاحق لفيلم ما حقق بالفعل نجاح تجاري أو جماهيري وبالفعل تم له وجود بوسترات خاصة به في السابق. الفكرة هنا هو أن البوستر الناجح يتضمن هذه الإشارة بشكل يمثل امتداد طبيعي وفني لبوستر الفيلم الأول للسلسلة. ذكاء المصمم أن يبدع فكرة جديدة تليق بموضوع البوستر الأصلي وفي نفس الوقت تشير إلى التتابعية في الانتاج وفكرة تسويق الفيلم الجديد. في نفس الوقت يجب ألا يكون البوستر نسخة كاربونية ميتة دون أي قيمة إبداعية عن ما سبقه.

(سلسلة أفلام The Godfather الشهيرة قدمت هذه الفكرة حيث جاءت البوسترات في ذات الخط الفني للبوستر الأصلي الشهير والذي يمثل علامة تجارية في حد ذاته، The Lord of the Rings مثال أكثر حداثة حيث جاء بوستر كل فيلم معبر بشكل فانتازي عن موضوعه وفي نفس الوقت مرتبط في الأسلوب مع باقي أفلام الثلاثية، الثلاثية الساخرة The Naked Gun لعبت بطريقة معبرة عن ذات الفكرة.)

عالم بوسترات الأفلام عالم غني بصرياً وممتع للعين ومنعش للذاكرة. أمارس هذه الهواية باستمتاع شيق. أن تشاهد البوستر فتتذكر الفيلم. أن تجمع بوسترات الافلام من على مواقع الانترنت المتخصصة في ملف خاص لتستمتع باستعراضها وتصنيفها من وقت لآخر.. أن تقارن بين بوسترات قمة في الذكاء والإبداع وأخرى غبية ومباشرة ومبتذلة.. أمر ممتع هو لمجنون أفلام مثلي. لم لا تجربونه؟



تعليقات