البؤساء.. فيلم ملحمي عن الحُب والثورة وأشياءٍ أخرى

  • مقال
  • 07:02 مساءً - 27 يناير 2013
  • 3 صور



صورة 1 / 3:
البؤساء.. فيلم ملحمي عن الحُب والثورة وأشياءً أخرى
صورة 2 / 3:
البؤساء.. فيلم ملحمي عن الحُب والثورة وأشياءً أخرى
صورة 3 / 3:
البؤساء.. فيلم ملحمي عن الحُب والثورة وأشياءً أخرى

"بس دا فيلم غنائي" هكذا بدأ موظف التذاكر في السينما حديثه معنا، بعد أن طلبنا منه تذكرتين لفيلم البؤساء "Les Miserables"، سألته إذا ما كان قد واجه مشاكل مع مشاهدي الفيلم من قبل، تدفعه للحرص على تبليغ كل زائر للسينما بأن الفيلم غنائي، رغم وجود مُلصق كبير على بوستر الفيلم بالسينما مكتوب عليه "فيلم موسيقي"، قال أن عدد من الجمهور قد خرج قبل انتهاء الفيلم، وأحياناً بعد بدايته بقليل مستائين ومتفاجئين "ان الفيلم طلع غنائي !"، حسناً، أحب أن أقول لهؤلاء، لقد "فوتّم" على أنفسكم متعة لا نهائية، لذا نقدم تعازينا.

حقيقةً لا أعرف إذا كان من الأفضل أن اعد الفيلم ضمن قائمة أفلامي لعام 2012، كونه من إنتاج العام الماضي، فاصفه ربما بأفضل أفلام ذاك العام، أو أعده ضمن قائمة 2013، لأنني شاهدته فيها، فاعتبره وقتها خير مبُشر بعام سينمائي جديد، وفي كلا الحالتين لن أبخل أو أبالغ إذا وصفت الفيلم بالملحمي، الذي سيبقي على ما اعتقد علامة سينمائية راقية ورائعة تصل حد الكمال.

تناول المُخرج توم هوبر في تحفته السينمائية الجديدة، الرواية الشهيرة للروائي العظيم فيكتور هوجوالبؤساء، والتي تحكي عن السجين جان فالجان، الذي امضى 19 عاماً في السجن بعد سرقته لرغيف خبز، وبعد إطلاق سراحه بشكل مشروط يضطر هو لخرق هذا الإطلاق، ليبدأ حياة جديدة في ظل مُطاردة مستمرة من قبل المُفتش جافير. الرواية سبق وتم تناولها في أكثر من عمل فني على مر التاريخ السينمائي، لعل أهمها على المستوى العربي فيلم البؤساءالذي قام ببطولته النجم فريد شوقي، أما على المستوى العالمي فكانت أبرز هذه الأقتباسات فيلم "Les Misérables" الذي تم إنتاجه عام 1998 للنجم ليام نيسون، وهو ما يجعل الأمر أكثر صعوبة على هوبر في اقتباسه للرواية، فمن المُقلق لأى مُخرج مهما بلغت درجة عبقريته أن يتناول عمل اُستهلك تماماً على المستوى الدرامي، وحتى بالنسبة للقاريء الذي يُقدس الكتاب المقروء فأنه ينتظر حتماً شيئاً جديداً مُبهراً، يجعله يُفضل ما يراه عن ما قرأه أو على الأقل يحبه بنفس القدر، وهو ما أزعم أن هوبر قد استطاع فعله في فيلمه الجديد، حيث قدم الرواية الدرامية الكئيبة في أغلب الأحيان، بشكل جديد، لم يسبقه إليه أحد على شاشة السينما على الأقل _ سبق وتم تقديم الرواية بشكل موسيقى في عدد من المسرحيات_ فقدم هوبر رواية هوجو في قالب غنائي موسيقى، قد تشعر معه وأنت جالس في قاعة السينما إنك تُشاهد أحد عروض الأوبرا أو برودواي، يُعزز هذا الشعور لديك مشهد الافتتاحية الذي يُغني فيه المجاميع أغنيه "Look Down"، ومشهد الختام الذي أحيا فيه هوبر أبطاله وهم يغنون "Do You Hear the People Sing" للجمهور، وكأنهم أبطال عرض مسرحي انتهي لتوه ووقف أبطاله يحيون المُشاهدين، وإغراقاً في الإقناع لجأ هوبر لتسجيل أغاني الفيلم بشكل مُباشر أثناء التصوير، وذلك على عكس المُعتاد، حيث يتم عادةً تسجيل الصوت في أحد الاستديوهات ثم يتم تركيبه على الصورة، لكن هوبر هُنا فضل أن يتم تسجيل الصوت أثناء التصوير من أجل إقناع أكثر.

الظلم
مُنذ مشهد الافتتاحية ويتعزز لديك شعور بأنك على موعد مع بُكاء ودموع كثيرة. أن تتعلم أن تخفض عينك لأنك عبد، لأنك لص، لأنك خطير في نظر مجتمع لم يستطع توفير رغيف الخبز لك، مجتمع يُحيد بنظره عنك تماماً، يتجاهلك ويصم آذانه مُقابل صراخك، لكنك تُفاجىء به يوجه أضوائه كلها تجاهك وأنت تسرق رغيف الخبز، ولأنك خطير، وﻷنك مجرم فلا فرصة لك، إلا بالحب.
أن يُعاملكِ المجتمع على أنكِ عاهرة، ليس لشيء سوى رغبته في أن يُعاملكِ هكذا، أن تضطري لبيع شعركِ من أجل طفلتكِ، أن لا تجدى أمامكِ فرصة سوى العمل كفتاة ليل لأن المجتمع سبق وحكم عليكِ أن لا تكوني سوى ذلك، فأنتِ بائسة لا محال ولا فرصة لكِ إلا بالحب.

الغرور
مثله هنا المُفتش جافير، وهو القانون، القانون بتعتنه وروحه الخاوية، القانون بكل صلفه وغروره، القانون الذي يفترض فيه المواطن، أي مواطن، تحقيق العدالة، ووضع الأمور في نصابها الصحيح، إلا أن قانون جافير اعمي لا يرى سوى ما يُحب أن يراه، لا يسمع سوى صلابة رأيه وتحجره، يقتنع بفكرة واحدة ويظل متمسكاً بها حتى النهاية، حتى إذا كلفه هذا حياته.

الحب
ثلاثي الحُب كوزيت، ماريوس وإيبوني، فيلم أخر داخل الفيلم، كالوردة التي تبحث عن النور حاول الثلاثي كلاً منهم إيجاد الفرح في كنف الأخر، أن تعرف معنى الحب والولع، أن تتعلم معنى الوفاء والتضحية، لن يخذلك الحب أبداً طالما كنت صادق، لن يخذلك حتى لو بلحظات فرح كالشهب تسعد بها وأنت تُنازع.

الثورة
الموت، دائماً يلعب الموت لعبته بدناءة، تنتظر منه شيئاً، تجدهُ يفاجأك بعكسها، تنتظر منه أن يُعاقب الشر، فيسرق الحسن، أن يُطارد الجبان، فيقف في مواجهة الشجاع، يقطف دائماً ورد الجناين ولا يبالي، لكن على ما يبدو فأن ورد الجناين لا يبالي بالموت أيضاً، يقف في مواجهته بصدر مفتوح، يبتسم كالمجذوب، ويتحدى كالفارس. وعلى أكتاف هؤلاء تقوم الثورات وتنتصر في النهاية، وحتى إذا لم تصل للمرفأ الأخير، فأنك حتماً ستتعلم من جافروش الفرق بين أن تُطالب بـالفتات، وأن تعرف حقك وتقتلعه بيديك، فـجافروش ومن مثله هم وقود الثورة، والجذوة التي لا تخفت.

ربما يكون أصعب ما واجه هوبر، هو اختيار أبطال فيلمه، فبجانب الأداء كان يتحتم وجود حد أدنى من المؤهلات الصوتية التي تفرضها عليه متطالبات الشخصية، والمؤكد أن هوبر قد أفلح في اختيار الممثلين، هيو جاكمان في دور جان فالجان كما لم تراه من قبل، أما راسل كرو فقد قدم شخصية المفتش جافير ببراعة كبيرة، الشخصية ظهرت طول الوقت تتحكم تتسلط، وتستبد، لكنها لم تخل من لحظات ضعف قليلة، كانت كفيلة لأن تُظهر عظمة أداء كرو للشخصية، حيث كان من السهل الانزلاق مع جفاء الشخصية، لكن هذه اللحظات الانسانية القليلة التي أظهرها عندما وضع نيشانه على جسد جافروش أو عندما اعترف أنه كان واحد من هؤلاء المساجين قديماً، أو في مشهد الختام لأدائه بالفيلم، كلها كانت بها لحظات ضعف لم تكسب تعاطف المشاهد صحيح، لكنها أنزلته ولو قليلاً من تركيبة المادية إلى التركيبة الإنسانية، وآن هاثاواي، تخطف الأنفاس بمشاهدها القليلة، تماماً كما وصفها هوبر في حديث له قبل عرض الفيلم.

الثلاثي أماندا سيفريد، سامانثا باركز و ايدي ريدماين، قدموا أداء جيد جداً، بالأخص سامانثا باركز، والثنائي هيلينا بونهام كارتر و ساشا بارون كوهين، اللمحة الكوميدية الوحيدة في الفيلم، كانت مشاهدهم في الحانة عظيمة، وأدئهما أعظم.

مشاهد المُطاردات والمواجهة بين فالجان وجافير، هي المفُضلة لديّ، بجانب المشاهد التي يواجه فيها فالجان نفسه بعد سرقته للفضيات، وبعد أن يعلم أن شخصاً أخر تم القبض عليه بدلاً منه، جافير أيضاً كان له مشهدين تجدهُ فيها في مواجهة مع نفسه، وظف فيها هوبر حركة الكاميرا لتوحي أو تدل بشكل كبير على كبرياء الرجل وغروره، ثم مشاهد الثورة التي لا محال ستُذكرك بثورتنا، ليس فقط في الشكل، لكن في تخلى البعض عنك بدافع الخوف، ستجدها في مشاهد الدماء والنساء تحاول إخفاء معالمه، ستجدها في الشباب الذي أمن بثورته، وستجدها حتماً في قشعرات قليلة تُذكرك بشهدائك.

أن تسمع تهدج أنفاس من يحيطون بك في قاعة العرض، أن تجد أناملك تتراقص مع كل نغمة، أن تخرج من دار العرض مُنتصر الروح، كلها فؤائد لا تفوتوا الفرصة على أنفسكم لمعايشتها، فالأفلام العظيمة لا تتكرر كل يوم.



تعليقات