فرش وغطا: وأديني ماشي يا ولدي بقول يا حيط داريني

  • مقال
  • 05:25 مساءً - 6 ديسمبر 2013
  • 1 صورة



عن بائس على حافة الكون يرجو القبول

عن ذلك الهامش، عن ذلك اﻵخر الساكن خلفية المشهد دائماً، عن ذلك المستمع ابداً، عن هذا الذي لا يطمح في دور البطولة، ويقبل على الأغلب بدور السنيد، عن بائس على حافة الكون يرجو القبول...

فجأة تصدر المشهد، وضعه المخرج أحمد عبدالله في المُقدمة، ليجد نفسه مرتبكاً لا يقوى على الكلام ولا يعرف أي اتجاه يسلك، شريد، هائم، مُطارد يلهث من الخوف والركض، يبحث عمن يربت على كتفه، وعمن يقرضه الفرش والغطا (الامان).
ستظل طوال مدة الفيلم تحاول اﻹجابة عن اسئلة تومض فجأة في رأسك، وربما لن تجد اﻹجابة، لا يهم، الجيد في الأمر هو أن الفيلم قد أثار بداخلك هذه الاسئلة.

يحاول فيلم فرش وغطا أن يبسط أمامك فئة المُهمشين، وهي الفئة المهدور حقها مؤخراً في أفلام العيد سيئة السمعة، لكن الاختلاف يبدو واضحاً بين تناول المخرج أحمد عبدالله لهذه الفئة وبين تناول مُخرجي أفلام العيد لها، ففى حين يعمل مُخرجي هذه اﻷفلام على سبك الخلطة التي تدر عليهم أموال جمهور سينمات العيد (مشاهد اﻷكشن، الراقصة، أغاني المهرجانات)، يبدو أن عبدالله لا يشغل باله كثيراً بهذه الخلطة، ولا حتى بالقضايا السياسية الدائرة في خلفية أحداث فيلمه، قدر ما يحاول إفساح المجال أمام المشاهد للتعرف على بطله... إنسانياً، المرتعد في ظلام دامس أول اﻷمر، ومحاولاً بجهد البقاء على قيد الحياة في نهاية اﻷمر (صوت أنفاس البطل في مشهد النهاية).
وهو الفرق الواضح بين أن تستغل الواقع كمادة للتسلية والفرجة، أو أن تضع يدك على الموجع والمؤلم في هذا الواقع لتكشفه أو تحاول حله.

وهو ما يفعله بوضوح أحمد عبد الله في فرش وغطا، حيث يكشف لنا الفيلم عالم مُحيط، نغمي أعيننا عنه في أغلب اﻷحيان، أو على اﻷقل لا يستهلك من تفكيرنا أكثر من لحظات قليلة، عالم نربطه في أذهاننا بالخطر، نتعامل معه بالشوكة والسكينة، نمصمص شفاهنا على أحواله، وهو ما يبدو أغلب الوقت تعاطف سطحي، لا نكلف أنفسنا حتى عناء إظهاره حقيقياً.

تبدأ أحداث الفيلم مع هروب المساجين بعد فتحها، حيث يعلق البطل مع صديقه المصاب، ويحاول إيجاد مأوى يحميهما من وابل الرصاص والباحثين عنهما، ومن هنا تبدأ الحكاية، فبعد أن يسلمه صديقه رسالة وهاتفه المحمول الذي صور عليه أحداث فتح السجون والتي فيما يبدو أحداث خطيرة، تبدأ في التورط مع البطل في رحلته من بيت أهله، إلى المنطقة التي يقطن فيها صديقه الجديد، إلى بيت أهل صديق السجن.

ربما تشعر في بعض الأحيان برغبة أكبر في التورط مع البطل، ترغب في معرفة خلفيته، أسباب دخوله السجن ربما، علاقة أكثر وضوحاً مع أمه بدلاً من عدة مشاهد قليلة تجمعهما، لا يتحدثان فيها ويكتفيان بحديث العيون، لكن ما يحدث على الشاشة أمامك يأخذك تماماً لتتغاضى عن هذا الشعور.

الفيلم يكاد يكون خالي من الجُمل الحوارية وهو ما كان معروف مُسبقاً قبل عرض الفيلم من تصريحات المُخرج وأبطال عمله، وحقيقةً لم أشعر بحاجة للحوار في أغلب الوقت، كنت متأقلمة تماماً مع هذا، ربما كان يتوجب الاهتمام بإدخال حوار في بعض المشاهد، لكن عدم وجوده لم يكن مُفسداً لمتعة المشاهدة بشكل عام، خاصةً وأن الحدث اﻷبرز في هذه الفترة كان موجود دائماً في خلفية الأحداث من خلال أصوات النشرات الإخبارية والبرامج السياسية.

كما أن الصمت _ولو أن ذلك يتناقض بعض الشيء مع طبيعة الشعب المصري_ كان في بعض اﻷحيان اﻷخرى خير مُعبر، وهو ما بدا جلياً في مشهد يجلس فيه البطل على ضفة النهر، وتتابعه الكاميرا من جانبه، قبل أن يأتي صديقه ويجلس بقربه وينطق بجملة قصيرة "ربنا يستر"، لا تعني شيء للمشاهد إلا بعد أن تتحرك الكاميرا لتكشف لنا عن دخان كثيف في طرفي الكادر، في إشارة إلى حريقان يلتهمان المدينة في مجال رؤية البطل.

أسماء أبطال الفيلم كلها غير مُعرفة، ستخرج من دار العرض لتكتشف أنه يحكي عن غريب، تُشير إليه أنت بـ "هو"، لم أفهم المغزى من هذا اﻷمر، لكن ربما أراد المُخرج التأكيد على فكرة أن أبطاله ينتمون لفئة لا يهتم الكثيرين منا بها، فأنت قد تتعامل مع جامع القمامة وتشير له بوصف "الزبال" دون أن تهتم بمعرفة اسمه، أو حتى لو كنت قد علمته يوماً قد تنساه فيما بعد، وهو الجانب الذي ركز عليه عبدالله بوضوح في أثناء رحلة البطل، التي يلتقي فيها بأحد هؤلاء، ليحكي عن معاناته اليومية، والمعاملة التي يلقاها ممن يتعامل معهم بحكم مهنته، وهي المشاهد التي تحمل طابع وثائقي داخل الفيلم، يجسدها أشخاص حقيقيين يتحدثون عن معاناتهم، كساكن القبور وعامل المراجيح في الموالد.

الفيلم جيد، قد لا يتشابه كثيراً مع السائد لكنه مليئ بالتفاصيل التي تحثك على مشاهدته ثانيةً، وهو من تلك الأفلام التي تترك أثر في نفسك لا يزول بسهولة.



تعليقات