Godzilla.. إعادة إحياء عِمْلاقة لملك الوحوش!

  • مقال
  • 01:35 مساءً - 19 مايو 2014
  • 4 صور



صورة 1 / 4:
Godzilla, 2014
صورة 2 / 4:
Godzilla, 2014
صورة 3 / 4:
Godzilla, 2014
صورة 4 / 4:
Godzilla, 2014

في عام 1953، أنتجت هوليوود فيلمًا خياليًا بعنوان The Beast from 20,000 Fathoms صنعه فنان المؤثرات ورائد أسلوب التحريك بإيقاف الكادر راي هاري هاوزن (تعرف عليه من هنا). حقق الفيلم نجاحًا مذهلًا وقتها، وكان فاتحة لأفلام مسوخ الخمسينيات. في التوقيت نفسه تقريبًا كان يوجد استديو ياباني يُدعى Toho يبحث عن فكرة جديدة، وكان أصحاب الاستديو من مُهوَّسي أفلام الوحوش العملاقة، لذا عندما شاهدوا فيلمَ هاوزن، بدؤوا على الفور في صنع نسختهم الخاصة منه.. ليظهر لنا ملك الوحوش لأول مرة عام 1954 في فيلم Gojira الشهير جدًا، الفيلم الذي أسَّس ضربًا مستقلاً من الأفلام بعد ذلك يُطلق عليه الـ Kaiju Movies. لم يكن لدى وقتها اليابانيون الوقت والمال الكافيين لتنفيذ الخدع البصرية في فيلمهم بأسلوب التحريك بإيقاف الكادر المُكلِّف والمرهق جدًّا، لذا استعاضوا عن ذلك باستخدام حيلة الرجل داخل البذلة، حيث يرتدي ممثلٌ حُلة مطاطية تُمثِّل الوحش، ويؤدي دور جودزيلا مُدمرًا مباني مصغرة من الورق المقوى بُنيت في الاستديو.

الفيلم رغم إنتاجه الضعيف ومؤثراته المتواضعة، لمس شيئًا دفينًا في قلوب اليابانيين، وذكَّرهم بالمأساة الذرية التي تعرضوا لها إبّان الحرب العالمية الثانية. لذا أصبح جودزيلا أيقونتهم المفضلة وتحول إلى بطل شعبي. وعلى مدار خمسين عامًا، توالت أجزاء أفلام جودزيلا واحدًا تلو الآخر دون توقف، إلى أن وصل عددها إلى 29 فيلم في عام 2004، عندها أعلن استديو Toho التوقُّف عن إنتاج أفلام جودزيلا لعشر سنوات على الأقل.

قبلها بقليل في عام 1998، قدَّمت هوليوود لأول مرة نسختها الخاصة من جودزيلا في فيلم كرهه اليابانيين والأمريكيين والعالم كله. وفيه تحوَّل جودزيلا من وحش أسطوري إلى مجرد إيجوانا عملاقة لا همّ لها سوى الطعام، وتغيَّر تصميمه وأيضًا زئيره الكلاسي المُميَّز، وهما أمران لم يستسغهما عُشَّاق ملك الوحوش قط. باختصار أفسد المخرج رولاند إيمريش النسخة الأمريكية على الجميع.

لكن كل هذا كان على ميعاد للتصحيح في عام 2014، عندما أقنع الأمريكيون استديو Toho أن يعطيهم حقوق استغلال جودزيلا مرةً أخرى، ليتعاون الاستديو الياباني -بتدخل كامل هذه المرة- مع Legendary Pictures ليعيدوا إحياء جودزيلامن جديد، هذه المرة كما يستحق. تعلَّم الجميع الدرس من كارثة فيلم 98، وأجروا دراسة شاملة ليفهموا من خلالها ذوق عُشَّاق الوحش ويقدموا لهم ما يريدون رؤيته. فكانت نتائج الدراسة كالتالي: أولاً، يجب أن يحمل جودزيلا ملامح الوحش الأصلي مهما بدا سخيفًا للبعض وإلا فسيكون أي شيء آخر غير جودزيلا، لذا أصر توماس تال الرئيس التنفيذي لـ Legendary Pictures -وهو بالمناسبة من عُشَّاق جودزيلا المخلصين- أن يبتكر مصممو الوحش تصميمًا يتوافق مع فكرة الرجل داخل البذلة، أن يتخيلوا أن هناك رجلًا سيقوم بدور الوحش كما حدث في الفيلم الأصلي، ويصنعوا له هيئة خارجية شبه بشرية تتناسب مع ذلك. ثانيًا، لا بد أن يعود الزئير الكلاسي. زئير جودزيلا هو أكثر مؤثر صوتي أيقوني في التاريخ، ربما مع زئير التي ركس من Jurassic Park وصيحة تشوباكا من Star Wars، لذا كان لا بد من الرجوع إلى الصوت الأصلي، طبعًا بعد تعزيزه وجعله أكثر عمقًا. ثالثًا، الزفير الذري: جودزيلا لا يكون جودزيلا إن لم يكن قادرًا على نفث نيران ذرية من فمه، هذا أمر مفروغ.

الآن، وبعد اكتمال عناصر الوحش، جاءت مرحلة اختيار المخرج. اُختير جاريث إدواردز بعناية شديدة. الرجل لم يكن قد صنع إلا فيلمًا واحدًا من قبل هو Monsters وكان يتضمن وحوشًا عملاقة بدوره، وهو الفيلم الذي تكلف إنتاجه 800 ألف دولار فقط، واستطاع بها الرجل تقديم عمل بارع بكل المقاييس (إن لم تكن قد شاهدته بعد، فأنصحك باستقطاع ساعة ونصف من وقتك الثمين لتفعل، وستعرف بعدها لماذا اُختير هذا الرجل لإعادة إحياء جودزيلا، وتخصيص 160 مليون دولارًا كاملة تحت تصرفه).

لم يعتمد جاريث على وحشه المحبوب فقط، لكنه أراد تقديم قصة تستحق أن تُحكى بالأساس، لذا عمل على تطوير سيناريو وضع فيه كل ما في جعبته من شغف، واستطاع الخروج بقصة مثيرة للغاية، تحمل الكثير من صفات الفيلم الأصلي الوراثية، وفي الوقت نفسه تُقدِّم طفراتها الخاصة.

حسنًا، كيف خرج الفيلم في النهاية؟

اختصارًا، الفيلم ممتاز، ولن يُخيِّب ظن أحد. القصة تنساب بسهولة ويسر دون تعقيد أو فجوات، وكل ما كنت ترغب في رؤيته ستراه بالفعل. لكنه على الرغم من تماسكه الشديد فإنه يحمل بعض العيوب هنا وهناك، لكنه بمقاييس أفلام جودزيلا، يُعد خبطة موفَّقة تمامًا.

يجب على القارئ معرفة حقيقة مهمة جدًّا. ليس تقديم جودزيلا على الشاشة في عصرنا الحالي أمرًا بهذه السهولة. إنها مهمة صعبة، بل فائقة الصعوبة. وأنا لا أتحدث هنا عن الصعوبات التقنية أو المؤثرات البصرية أو الإنتاج أو ما شابه، بل عن طبيعة أفلام جودزيلا نفسها (مُتابعو السلسلة المخلصون سيفهمون جيدًا ما أرمي إليه). قُدِّم جودزيلا عشرات المرات من قبل، وبكل طريقة ممكنة. طيبًا وشريرًا.. هزليًا وجدّيًا. في بعض أفلامه كان يرقص ويقفز على ذيله، بل ويتكلم أحيانًا. من الصعب بعد كل هذا أن تخرج بقصة جديدة رائدة، فعشاق الوحش سيكونون في انتظارك ليمزقونك إربًا إن لم تُرضهم، وهم قادرون على إفساد الفيلم على الجميع. وإن عملت على إرضائهم، لن يتقبل الجمهور العادي هذا الهُراء، هؤلاء أيضًا قد يجعلون من فيلمك أضحوكة في صندوق الإيرادات إن لم تضعهم في الحسبان. العملية شديدة التعقيد، وتقديم تناول جديد يُرضي جميع الأطراف يتطلب حاويًا لا مُخرجًا، وما فعله جاريث إدواردز في الفيلم لا يُمكن مضاهاته أو المزايدة عليه بأي شكل.

استخدم الرجل أسلوب تعطيش المُشاهد بدم بارد وحرفية يحسد عليها نافس بها سبيلبرجذاته مؤسس هذه المدرسة العتيدة. لمدة ساعة كاملة تقريًبا لن تُشاهد جودزيلا، فقط لمحات خاطفة منه، ومن زوايا لن تبرز لك هيئته العظيمة كاملة. أخذ الرجل يُقطِّر في عيني المُشاهد ببُخل شديد ما يُريد الأخير التهامه دفعة واحدة، وهو ما جعل العمل ممتازًا للبعض، محبطًا للبعض الآخر. تبدأ معركة بين جودزيلا وأحد الوحشين الآخرين، فتُجهِّز أنت نفسك لالتهام تلك الوليمة البصرية التي دفعت ثمن التذكرة من أجلها، فقط ليقطعها عليك جاريث بلا مُبالة ويتركك تقضم أظافرك. تبدأ معركة أخرى فيتناولها الرجل بأغرب طريقة ممكنة، كأن يعرضها عليك من خلال شاشة تلفاز من دون صوت، أو من منظور البطلة التي تهرول لتستتر في مخبأ تحت الأرض وتغلق بابًا ورائها، لترى أنت لمحة خاطفة للوحشين قبل أن تنقطع المعركة من جديد. هذا ليس Pacific Rim، حيث ترى المسوخ تتصارع بكامل عنفوانها وهيئتها من أول رُبع ساعة في الفيلم، وحين تصل لمنتصفه تكون قد زهدت كل شيء. هنا أنت تتوسل للرجل أن يريك شيئًا لكنه يأبى إلا أن يدعك تنتظر بعض الوقت، ثم المزيد من الوقت، والكثير من الوقت الإضافي بعد ذلك.. وحين يعرض عليك ما في جعبته في نهاية الأمر، يكون قد هيَّأك بالكامل كي يفغِر فمك ويشعل عيناك ويبهرهك بالكامل.

وماذا عن تصوير المعارك نفسها؟ مرة أخرى ليس هذا Pacific Rim، ليس هذا "فيديو كليب" يستعرض لك المسوخ العملاقة وهي تتصارع من كل زاوية مثيرة ممكنة وبكل خدعة تصوير متاحة. لا استسهال هنا، بل يُصعّب الرجل الأمر على نفسه لأقصى درجة. معظم المعارك تشاهدها من وجهات نظر الآخرين. البطل وهو بين أقدام الوحش، مجموعة من السياح على الشاطئ، كتيبة جنود على إحدى البوارج الحربية، بشر مُحاصرين على جسر البوابة الذهبية المُعَلَّق. لم تقفز الكاميرا بنفسها قط لتستعرض لك جودزيلا بكامل عنفوانه إلا في لقطة النهاية، ولهذا يستحق الرجل أن تُرفع له القبعة.

أبرز عيب في الفيلم هو بطله الرئيس آرون جونسون. البريطاني الذي أحببناه جميعًا في فيلم Kick Ass جاء هنا ليخيب الأمال حقًا، على الرغم من أنه كان محاطًا بطاقم داعم رهيب المستوى: ( بريان كرانستون، وإليزابيث أولسون، وكين واتانابي، و جوليت بينوش) وقد قدَّم جميعهم أداءات استثنائية نادرًا ما نراها في أفلام الوحوش. اعتمد أرون على التنميط والقولبة في تقمصه لشخصية فورد برودي خبير القنابل، واستدعى نمط الجندي الأمريكي شديد المراس من أفلام مشابهة، واستنسخ الأداء ظنًا منه أن هذه أفضل طريقة لتقديم الدور. ولولا أن السيناريو كان ذكيًا ولم يأخذ الشخصية إلى منعطف البطل الأمريكي مُنقذ البشرية، لفسد الفيلم بكل تأكيد.

لقد قُدِّم جودزيلا على مرحلتين في السينما اليابانية. بدأ الوحش كتجسيد للدمار النووي الذي عانت منه اليابان طويلاً بعد هيروشيما وناجازاكي، لذا كان شريرًا في الفيلم الأصلي. ثم مع توالي الأجزاء بعدها بدأ جودزيلا يُظهر نوايا طيبة ويدافع عن اليابان ضد وحوش أخرى لها أصول مختلفة. لقد فكّر اليابانيون لماذا لا يكون وحشهم تجسيدًا للعملاق الياباني الخارج من جحيم الحرب النووية ليُظهر للعالم قوته ويصب سُخطه على قوى الشر لا عليهم. أستطيع أن أقول إن جاريث إدواردز تمكَّن من اقتناص هذه الروح ببراعة حقيقية، وأعاد لملك الوحوش مكانته من جديد، وحوَّله من إيجوانا عملاقة كريهة الرائحة نهمة للسمك من نسخة 1998، إلى إله قديم يعمل على استعادة توازن الطبيعة في لعبة فريسة ومفترس تُمَارَس بضراوة منذ عصور سحيقة دون أن ندري عنها شيئًا. لن يتوقَّف جودزيلا أبدًا عن استعادة نظام الطبيعة، وبالتأكيد سيأتي علينا الدور يومًا حين يستشعر أننا أصبحنا نُشكل خطرًا حقيقيًا على هذا الكوكب، لكن ليس في هذا الجزء، ربَّما في جزءٍ ثانٍ.. ربَّما.

حاولت قدر الإمكان ألا أحرق أي شيء على أي شخص، فإذا كنت قد أفسدت عليك شيئًا دون قصد فإليك اعتذاراتي، وأتمنى ألا تصب لعناتك وغضبك عليَّ.

وصلات



تعليقات