فيم فيندرس: ثلاث تجليات عن تبدل الأحوال

  • مقال
  • 10:57 مساءً - 1 ديسمبر 2014
  • 4 صور



صورة 1 / 4:
ملصق فيلم The Salt of The Earth
صورة 2 / 4:
فيم فيندرس
صورة 3 / 4:
ملصق فيلم Buena Vista Social Club
صورة 4 / 4:
ملصق فيلم Paris, Texas

في دورة هذا العام من بانوراما الفيلم الأوروبي التي وصلت لختامها ليلة أمس، وقع الاختيار على المخرج الألماني فيم فيندرس ليكون هو محور إعادة الاكتشاف، وذلك عن طريق عرض ثلاثة أعمال له: الفيلم الدرامي Paris, Texas الذي نال جائزة السعفة الذهبية من مهرجان كان السينمائي الدولي في عام 1984، بالإضافة إلى الفيلم الوثائقي Buena Vista Social Club الذي فاز بعدد كبير من جوائز جمعيات النقاد في الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى ترشحه لأوسكار أفضل فيلم وثائقي، وأخر أفلامه الوثائقية The Salt of The Earth الفائز بجائزة لجنة التحكيم من قسم (نظرة خاصة) من مهرجان كان السينمائي الدولي.

في الأفلام الثلاث المختارة، توجد حالة واحدة متكررة في كافة القصص التي تتعرض لها هذه الأفلام، ونستعرضها معكم في الفقرات التالية، وهى تيمة التحول أو التبدل من وضع إلى وضع معاكس بالكلية تصل فيه كافة الشخصيات إلى قمة التحقق الذاتي مثلما رأينا في أشهر فيندرس Wings of Desire الذي آثر فيه الملاك داميل أن يتخلى طوعًا عن أزليته لأجل حياة آخرى بائدة ومؤقتة في سبيل كسب قلب ماريون.

من الشتات إلى لم الشمل:

Paris, Texas - 1984

يمزج فيم فيندرس في قصته المدهشة التي يقدمها في هذا الفيلم بين دراما الرحلات على الطريق والدراما العائلية، ويضعهما في خليط مع حياة الغرب الأمريكي الجافة، لتكون النتيجة قصة محزنة ومؤثرة عن الأثر القاسي للزمن وأثره على رؤيتنا لما بين أيدينا، ولما تركناه من بين أيدينا.

حتى قدوم مشهد البوح الطويل الذي يحكي فيه ترافيس ( هاري دين ستانتون) لزوجته جين ( ناستاسجا كينسكي) التي لم تكن تعلم أن من يحدثها على الجانب الآخر هو زوجها، لا نعلم طوال مدة عرض الفيلم ما الذي دفع ترافيس لكي يهيم على وجهه ويختفي عن الأنظار على مدار أربع سنوات كاملة، لكننا ندرك بغريزتنا أن ما دفعه لفعل هذا لم يكن بالشيء الهين، وأن حياته قد تغيرت إلى الأبد بسببه، ولن تعود إلى نفس مسارها السابق مجددًا، حتى لو انجلى السبب الذي كان وراء كل هذا في المقام الأول.

إن المشهد الذي يستعرض فيه شقيق ترافيس الشرائط التي سجلوها لإحدى الرحلات قبل اختفاء ترافيس تعطي لمحة كبيرة عمن كان ترافيس الذي صار صامتًا وحائرًا في أغلب الوقت، حتى يتحول كل الصمت والتفكير الذي اختزنه ترافيس كل هذه السنوات إلى دفقة كلامية طويلة حينما يحدث زوجته عن قصتهما، والتي تدرك الزوجة أنها كذلك في وقت متأخر من الحديث لتبادله هى الآخرى ببوح موازي.

من الانطفاء إلى الضياء:

Buena Vista Social Club - 1999

كان للانتصار الكبير الذي حققته حركة السادس والعشرون من يوليو بقيادة فيديل كاسترو على الرئيس الكوبي فولجينسيو باتيستا - والذي اعُتبر تتويجًا لمسيرة الثورة المسلحة التي استمرت لأكثر من 5 سنوات - أثر واضح على تبدل الذائقة الموسيقية في كوبا، حيث ظهر بعد الثورة جيل جديد من الموسيقيين الذين استطاعوا أن يطغوا على الساحة الفنية، وهو ما أدي إلى تراجع أسهم الكثير من الفنانين الذين كانوا في السابق ملء السمع والبصر، كما أدي احتكار صناعة الموسيقى في يد الحكومة الناشئة إلى هجرة عدد كبير من الموسيقيين خارج كوبا.

لكن في عام 1997 وقع حدث فني فريد أدي إلى لفت الأنظار من جديد إلى الموسيقى الكوبية الكلاسيكية، حيث تعاون الموسيقى الكوبي خوان دي ماركوس جونزاليس مع الموسيقار وعازف الجيتار الأمريكي ري كودر من أجل إحياء مسيرة عدد من الموسيقيين الكلاسيكيين الذين كانوا يقدموا أغانيهم في أشهر مكان ترفيهي في كوبا قبل الثورة، وهو نادي هافانا، لأجل تسجيل عدد كبير من أغانيهم من جديد، وهو ما أدى إلى صدور ألبوم Buena Vista Social Club الذي حقق نجاحًا عالميًا، وصاحبه تسليط الضوء من جديد على هؤلاء الفنانين المنسيين.

جاء الفيلم الوثائقي الذي حمل نفس اسم الألبوم لكي يكمل الصورة أمام كل المستمعين الذين أحبوا نوعية الموسيقى التي قدمها هؤلاء الفنانين، ولكي يعرفنا أكثر عن حياة أولئك الفنانين الذين وقفوا وراء هذا المشروع الإحيائي الطموح لحقبة هامة من تاريخ الموسيقى الكوبية، وعن سنوات المجد وسنوات الخباء، لنستشعر معهم كل مشاعر الفرحة ورد الاعتبار التي أحسوها، خاصة مع الاستقبال الذي حظت به موسيقاهم في حفلات أمستردام ونيويورك، والتي يعرض الفيلم كذلك بعض من فقراتها.

من "الخروج" إلى "التكوين":

The Salt of The Earth - 2014

كان البرازيلي سباستيو سلجادو في ريعان شبابه يحظى بكل شيء قد يحسده عليه أقرانه: شهادة جامعية مرموقة، وظيفة الأحلام براتب جيد، زوجة محبة وجميلة، لكن هناك نقطة تحول كبيرة صادفته مع حلول السبعينات، وهو الشغف الذي صار يمتلكه بشدة نحو التصوير الفوتوغرافي، مما جعله يعيد التفكير مجددًا، ويخاطر بوظيفته ذات الراتب المضمون من أجل الارتحال في كل بقاع الأرض بصحبة كاميرته لكي يعمل على عشرات المشاريع التصويرية التي استطاعت تسجيل الكثير من اللحظات التاريخية البارزة في تاريخ الانسانية، والتي نستحضرها معه بسرد خلاب بصوته على مدار الفيلم بصحبة العشرات من صوره.

بعد خوضه عدد من المشاريع التصويرية الناجحة، عمل سلجادو لسنوات على مشروع طموح استغرق منه سبع سنوات وأسماه "الخروج" تيمنًا باسم السفر الثاني في العهد القديم من الكتاب المقدس، والذي قام عبره بتسجيل عدد كبير من عمليات النزوح الكبرى للسكان في مناطق شتى من العالم بسبب الحروب والكوارث الطبيعية وعمليات الإبادة الجماعية وغيرها من الأسباب، وقد أتعب هذا المشروع سلجادو على الصعيد النفسي بسبب من رآه وسجله من مشاهد يندي لها الجبين، مثل ما رآه في رواندا مما فعلته مجموعات الهوتو بالتوتسي من عمليات قتل بشعة ومتواصلة في عام 1994، أو الجرائم التي نجمت عنها حرب البوسنة التي كانت أعنف حرب تشهدها أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

لكن سلجادو رغم ذلك قد وجد الكثير من العزاء لروحه المتألمة حينما عمل على مشروع "التكوين" الذي استهدف به تسجيل اللحظات الباكرة للبشرية ولكوكب الأرض عن طريق تتبع القبائل البدائية المتناثرة في أنحاء العالم وتعقب الحياة البرية التي لا زالت تحمل روح البداية تلك، وكان هذا المشروع التصويري في حد ذاته مخاطرة جديدة من جانب سلجادو بسبب ابتعاده عن المواضيع التقليدية التي اعتاد العمل عليها لسنوات، لكنها أتت بثمارها في النهاية.



تعليقات