​أسبوع أفلام جوته.. قصص لا تُحكى في حضرة أكابيلا

  • مقال
  • 09:40 مساءً - 15 سبتمبر 2015
  • 1 صورة



لقطة من فيلم أكابيلا

أسبوع أفلام جوته 2015 - اليوم الأول** 1**

الحكايا السبع من عُمان إلى تونس

أربع عشرة إمرأة يحكين قصصهن، سبع منهن يروين القصة عبر الكاميرا، والأخريات نراهن عبر الشاشة، يقصصن الحكايا عن أحلامهن وأحلامنا معهن.

مع بدء العرض كان مثيرًا للاهتمام معرفة اللغة التي يتحدث بها أبطال الفيلم الأول، من المؤكد ليست إنجليزية، بعض الكلمات العربية في المنتصف، لكنها ليست عربية، عندما قالت بطلة الفيلم أنها "بلوشية"، بدأت الحكاية تغزل خيوطها بنفسها. البلوشيون هم جماعة تقطن بالأساس منطقة بلوشستان التي تقع بين باكستان وأفغانستان وإيران. والمعروف عن هذه المنطقة أنها غير مستقرة سياسيــًا وقد هاجر عدد كبير من البلوشيين إلى عدد من الدول العربية ومنها سلطنة عُمان.

وهنا تأتي جاذبية الفيلم، حكاية بسيطة عن أسرة بلوشية تعيش في السلطنة الهادئة تحتفل بزفاف إحدى فتياتها، وقصة الأم (البطلة). ربما من يشاهد الفيلم يشعر فيه ببعض الارتباك وأنه ليس متماسكــًا وأنه كان يمكن أن يخرج من القصة معالجة سينمائية قوية. كانت اللقطات تائهة أحيانــًا، لكنها في النهاية تجربة تستحق أن تكتمل وتروى لنا قصة البلوشيين في العالم العربي، وثقافتهم الفرعية التي قد نجهلها كلية.

"قدر"، حكاية مُدرسة تعيش ما بين الأردن وسوريا الذكريات. أستاذة في مدرسة تحاول توعية الأطفال بخطورة الألغام، لكنها تفاجأ بتعامل الأطفال الصغار مع اللغم على أنه شيء طبيعي لأن فطر عيش الغراب ينمو بشكل أكبر حيث توجد الألغام. قدر وحكايتها مع الحياة بالعاصمة عَمّان مثل حكايات العُشاق الذين لا يمكن أن يتحولوا لأصدقاء، فإما أن تبقى في عَمّان أو ترحل عنها إلى الأبد.

اتقاد الثورة السورية التي تحولت لحرب، وقدر تعيش بالأردن جعل منها لاجئة دون طلب للجوء، وكأنها لاجئة بالقصور الذاتي.

المشهد الأخير بالفيلم كان بليغــًا فصورة الشنطة في جانب الكادر، والحبل المنشور عليه قطعة من ملابس"قدر" وسط مشهد عام لعَمّان خلق لديّ كمُشاهِد ذلك الصراع الدفين بين حنين لوطن قطعت الحرب أوصاله ورغبة في الرحيل إليه، ووطن آخر أسكن فيه وأنحت الذكريات به يومــًا بعد يوم.

"مي"، إمرأة مصرية مُصابة بمرض خبيث يعتصر جسدها، لكنها تحاول أن تحيا به غير آبهة، فكرة غير جديدة، والقصة سُردت بشكل يجعل المسألة صعبة على المشاهد، وكأنها لغز، فمعرفتنا كمشاهدين بأن مي مصابة بالسرطان أخذ منا بعض الوقت، وهذا ما أفقدني شخصيــًا الرغبة في استكمال المشاهدة، فسرد الحكاية لم يكن يحتاج هذا الإسهاب في المقدمة عن الشخصية. على الرغم من ذلك أعجبني هذا المشهد الذي كانت تتحدث فيه مي عن تساقط شعرها وتم تصوير المشهد من داخل مغطس السباحة لشعر فتاة طويل يتمايل مع تموجات الماء.

الصبر في فلسطين، مقاومة تصنعها تلك النبتة الصغيرة، الصبار الذي تعشقه البطلة وترى فيه الحياة، وتعتبره ابنًا ثالثـًا لها بجانب ولديها وزوجها. زرعت "إيمان" الصبار وبين أشواكه رداء لطفل شهيد، ثم وضعته على الحائط حتى يذكرها دومــًا أن المقاومة دومــًا صامدة ضد المُحتل. الفيلم تميز ببساطته وسلاسته السردية كما أن تركيز المخرجة على لقطات الصبار أوصلت المعنى بوضوح، ورغم أننا لم نشاهد بطلة الفيلم كثيرًا إلا أنني توحدت معها ومع قصصها عن الصبار.

الفيلم نجح في أن يتحدث عن صورة أخرى من المقاومة التي لا نحمل فيها الكلاشينكوف، مقاومة من خلال الأمل والرغبة في الوجود والتشبث بالحياة.

أكبر الخيانات النسيان، عن حكاية ريما ووالدها. فتاة لبنانية علاقتها بأبيها أثرت عليها بالسلب حتى لحظة مشاهدتنا للفيلم، تحاول الفتاة أن تجتاز هذا الشعور المقيت بأن أبوها قد نسيها وهجرها، وإن كل ما تحمله عن ذلك الأب في عقلها هو ذكريات الطفولة في الملاهي.

تتخيل ريما نفسها، و هي تقرأ رسالة مكتوبة بخط اليد من والدها وهو يحاول الاعتذار لها عما بدر منه تجاهها لسنين طوال، لكن المسألة برمتها خيال، جواب كتبته هي وقرأه أصدقاؤها الرجال حتى يتسنى لها أن تشعر بالتحرر من ذلك القيد الذي يكبل رُوُحَها، لتبدأ حياة من جديد حتى وإن كانت الخطوة متأخرة.

إذا كانت ريما اللبنانية حاولت نسيان أبيها، فــ"زهرة" التونسية لطالما تذكرت والدها وتمنت لو عاد إليها من العالم الآخر كي يرى ما فعلته في الأرض المتعطشة للماء. فتاة تونسية درست في فرنسا تعود لأرض والدها الراحل، تحاول زراعتها مرة أخرى وتعيد إليها الحياة. تعود زهرة إلي قريتها البسيطة التي لا يوجد فيها وسائل الرفاهية والمدنية التي قد نراها في الحضر.

الحر قاتل، الأرض تتعطش لقطرة ماء، فتشققت وفتحت ثغرها، وما بين الطريقة العلمية التي تحاول أن تفكر بها زهرة في هذه القرية، يرى البعض أن هذا الحر غضب من الله وعقاب ينزله الله بالقرية الظالم أهلها. ويرى بعضًا آخر أن الأضحية هي التي ستجلب الخير، فإن ذُبح خروف سوف يُنزل الله المطر، وهنا تأتي واحدة من اللقطات الكوميدية في الفيلم رغم عبثيتها في حقيقة الأمر، فأحد الجيران يسألها هل قاموا بالذبح من أجل نزول المطر؟ فتقول زهرة: لا وهنا يجيب الجار: لذلك لم يأتكم المطر، فعاودته بالسؤال: لماذا يجب علينا نحن أن نقوم بالذبح وليس أي شخص آخر، فيعم الخير على الجميع؟ هذه الجدلية التي ما زالت متجذرة في ثقافتنا العربية، جدلية الخرافة والعلم، ذكرني هذا الحديث بين زهرة وجارها بفيلم خالد في أرشيف السينما المصرية وهو " قنديل أم هاشم" والمأخوذ عن العمل الأثير بنفس الاسم للكاتب الكبير يحيى حقي، عمل تحدث طوال الساعتين عن هذا الصراع الدفين بين الجهل والخرافة من ناحية والعلم من ناحية أخرى.

حاول فيلم "والعام الجاي تجينا صابة"، والصابة في اللهجة التونسية الدارجة تعني "رزق "، من خلال بطلته زهرة أن يلمس علاقتها بالأرض وذكرى والدها التي لا تغيب عنها، ورغبتها الدءوبة في أن تنجح في إعادة الحياة للأرض مرة أخرى، حتى يرى والدها هذا النجاح ولو كان في عالم آخر.

يعود الفيلم المصري مرة أخرى للمشهد، مع نفس المخرجة، نهى المعداوي. حكاية "عالية" التي تعيش هذا الصراع الوجودي، وهذه التساؤلات حول المغزى من حياتها التي شهدت منذ صغرها تقلبات شديدة، فبيتها المنتمي لليسار، وأمها كثيرة الزيجات بعد وفاة والدها صاحب النزعة اليسارية، ثم أزواج أمها متعددي التوجه الأيديولوجي. علاقة متوترة بين عالية ووالدتها على فترات متفاوتة، تستقر العلاقة عندما تجد عالية ومعها أمها بعد ذلك "الطريق"، التصوف، الطريق إلى الحب، والحب عند الصوفية هو الغاية، وحب الله هو الحب الذي لا يضاهيه شيء.

في هذا الفيلم تبدو القصة أكثر تماسكــًا والقضية المثارة حول الدين والإلحاد ومعنى الحب أكثر جاذبية مقارنة بقصة مي التي قدمتها المعداوي. الفيلم وبطلته عالية نجحا في أن ينقلان المشاهد لمستويات مختلفة من المشاعر وكانت عبارات عالية صادقة للغاية وخاصة عندما تناولت ذلك الجزء الخاص بالتخبط الذاتي وعدم معرفة الفائدة من الحياة وتفكيرها في الانتحار حتى وجدت ضالتها في التصوف.

يختتم الفيلم بعبارة عبقرية حول رغبة البشر الفطرية في البحث عن بيت أو منزل تأوي له أرواحنا قبل الأجساد.

تجربة الأفلام السبعة في مجملها جيدة، وتحمل مضمونــًا مقبولاً للغاية، ولم أشعر أن المخرجات حاولن أن يحمّلّن الحكايات أكبر من حجمها. في ظني أن التجربة ينبغي لها أن تستمر من أجل إثراء العالم العربي بدماء إخراجية شابة تروي عبر الكاميرا حيوات هذه الأجيال.

أكابيلا، عندما تشدو وحدك

أكابيلا a cappella أو acapella كلمة إيطالية أصبحت إنجليزية، تعني الغناء غير المصحوب بآلات عزف، صوت فقط، سواء كان فردًا واحدًا أو مجموعة.

الفيلم ذو الدقائق الأربع عشرة للمخرج إسلام صفي الدين، حالة مميزة في صناعة الصورة افتقدت مشاهدتها في الأفلام القصيرة. فيلم يكاد يكون صامت إلا من عبارة واحدة "قوم يا نايم اصحى".

منذ الدقيقة الأولى للفيلم ارتبطت مشاهده في ذهني بواحد من الأفلام التجريبية السريالية الرائدة، فيلم Un Chien Andalou للمخرج الإسباني المكسيكي لويس بونويل عام 192

قصة السلطة التي تقمع مواطنيها المعارضين، ربما عن طريق جلاد يتلذذ بصوت سوطه على أجساد معارضيه. وربما يكون القمع ناعمــًا عن طريق صوت واحد يتحدث، يروي كل الحكايات من رؤيته الوحيدة، ولا صوت آخر يجرؤ أن يصدر في حضرة هذا الصوت. قد يكون هذا الصوت في جريدة الحاكم أو في مذياعه أو شاشته، وهنا نتذكر الحكاية التي رواها لنا الإنجليزي العبقري جورج أورويل في روايته الخالدة 1984، عندما قال "الحرب هي السلام، والحرية هي العبودية، والجهل هو القوة" ليلخلص لنا كيف تفكر السلطة دومــًا في السيطرة على شعوبها. ونتذكر كذلك فيلم الانتقام الشهير V for Vendetta الذي يقضي فيه (V) على الدولة المستبدة حتى يتحرر الشعب.

حاول إسلام صفي الدين في أكابيلا أن يقول أن الصوت الذي لا يرهب الاستبداد سيكسر القيد يومــًا، لتكشف الحرية لكل عشاقها أن الحكام المستبدين قد أخذتهم العزة بالباطل والشهوة بالسُلطة وأن سقوطهم لا مناص منه وأن سوط جلاديهم أو صوت مذياعهم لن يوقف صوت الحرية الشادي.

استمتعت بالصورة التي صنعها الفريق والموسيقى التصويرية، وشعرت مع الأبيض والأسود الذي صبغ صورة الفيلم أنني أعيش في عالم آخر. كما أن اختيار الشخصيات التي تقوم بالأدوار كان موفقــًا وأعطاني شعورًا بأن الأبطال قد يكونون من أي مكان، ليس بالضرورة أن يكونوا مصريين، وحتى عندما نطق أحدهم بالمصرية (قوم يا نايم اصحى) لم أشعر أن الحالة المصرية قد طغت على الفيلم.

ما أخرجني من هذه الحالة الفنية الجيدة هو المشهد الخارجي الأخير لكوبري قصر النيل، والذي شعرت أنه لا حاجة لوجوده وأن الرسالة واضحة.

الفيلم في مجمله جيد، ابتعد عن الحوار وهذا من نقاط قوته، فالحوار قد يُضعِف هذه النوعية من الأفلام خاصة إذا لم يكن محسوبــًا، ويتحول الفيلم معه إلى خُطبة في مُظاهرة.

1 أسبوع جوته للأفلام ممتد من الفترة 12 سبتمبر وحتي 21 سبتمبر في القاهرة بمقر المركز الثقافي الألماني (جوته) بوسط القاهرة، عروض اليوم الأول كانت عبارة عن سبع أفلام قصيرة أبطالها ونسائها مخرجات، جميع الأفلام وُضعت تحت عنوان كبير اسمه (قصص لا تُحكى)، ثم عُرض بعد ذلك فيلم روائي قصير اسمه "اكابيلا". يُعرض باقي الأسبوع مجموعة من الأفلام الروائية والتسجيلية الألمانية.



تعليقات