دعاء الكروان... البدايات الجديدة للحياة

  • مقال
  • 09:35 مساءً - 22 سبتمبر 2015
  • 1 صورة



ملصق فيلم (دعاء الكروان)

لكي تفهم أي كاتب روائي في العالم عليك أن تدرك مفاتيحه جيدًا: نشأته، ميوله الفكرية، تجارب مؤثرة في حياته الشخصية، الحيز المكاني الذي ترعرع به، وكلما وصلت لدرجة أعلى من اﻹدراك حول اﻷديب، كلما ازداد فهمك واستيعابك لما يريد أن يحكي عنه، ولكن في نفس الوقت ذاته لا ينبغي أن نستغل ما نعرفه عن اﻷديب لكي نصدر بحقه أحكامًا أخلاقية مجحفة ونخلط بينها وبين تقييمنا للعمل اﻷدبي.

لم اقرأ حتى اﻵن رواية ( دعاء الكروان) للكاتب والمفكر الراحل طه حسين، لكني في المقابل أملك إدراكًا كبيرًا فيما يتعلق بالمنطلقات التي يتحرك منها في عمله هذا، والتي انعكست في الفيلم المقتبس عنها. كانت نشأته الريفية وتربيته الدينية المحافظة قد ساعدته على رؤية ما لم يستطع اﻵخرون رؤيته، أن يرى فساد المنظومة الاجتماعية التي تبيح كل شيء للرجل بينما تحرم كل شيء في المقابل على المرأة، أن يشهد خطايا وجرائم ترتكب باسم الشرف، وأن يحرم المرء من أبسط حقوقه في سبيل رضا العائلة.

ومثلما أعلن طه حسين غضبته الكبيرة من قبل في ( اﻷيام)، فإنه يعيد الكَرَّة على لسان آمنة ( فاتن حمامة) من خلال رائعة هنري بركات السينمائية، الفتاة التي ترفض أن تتحول إلى ضحية مثل شقيقتها هنادي ( زهرة العلا)، والتي تصر على أن تكون لها إرادتها الخاصة في حياتها، أن تكون الفاعلة وليست مجرد مفعول بها مثل والدتها المغلوبة على أمرها التي قُتل كل من زوجها وابنتها دون أن يكون لها قرار في ذلك، بفعل السلطة التي يدعيها شقيقها ( عبدالعليم خطاب)، أو شقيقتها التي خُدعت بشعارات الحب البراقة ولقت حتفها في سبيلها.

يقرن هنري بركات التغيُّر الكبير الذي تمر به شخصية آمنة بالخروج الكبير الذي تقوم به مع أسرتها ثم خروجها الثاني بمفردها، حيث يزداد مع الوقت وعيها بذاتها وكينونتها ووعيها بالعالم من حولها، من فتاة لا تعرف ما هو القطار إلى فتاة تحاول تعلم القراءة وتدرك كنة مشاعرها الحقيقية التي ظلت تكبتها لسنوات تحت وطأة العادات والتقاليد، حتى لو كانت هذه المشاعر موجهة نحو نفس الشخص الذي غرر بشقيقتها، لكنها صارت أكثر دراية بكيفية التعامل مع شخص مثله عما كانت ستكون عليه لو ظلت في بلدتها.

كان التغيير النفسي الكبير الذي مرت به آمنة هو صاحب الفضل اﻷكبر في التحول الدرامي الذي يمر به مهندس الحي ( أحمد مظهر)، فالرجل لم يعتاد على مدار حياته وفي علاقته النسائية أن يجد من تقف في مواجهته بكل هذا الاستئساد، ولم يعتد أن يجد من تقبل الوقوف في موقف الند له، وكان يرى في البداية أن هذا مجرد تمنُّع، لكنه مع الوقت يكتشف أن ما تسلكه آمنة لهو موقف راسخ لا ينبع من عاطفة.

ومن العوامل التي ضمنت لهذا العمل كل هذا الخلود هو عدم انسحابه على أحوال القرية المصرية فقط. (دعاء الكروان) يحمل رسالة أكثر شمولية وعالمية عن قيمة الحرية واﻹرادة الحرة، وينتصر طيلة الوقت للحب والبدء من جديد.



تعليقات