"Requiem for a Dream".. حلم يصل بنا لحافة الحياة

  • نقد
  • 12:46 مساءً - 7 يونيو 2016
  • 5 صور



سارة جولدفارب

أن تكون وحيدًا بائسـًا، تعلم أن كل مَنْ حولك تركوك، وعقلك قد تقبل هذه الحقيقة، فتبدأ في صناعة عالمك الموازي للهروب في دهاليزه.

أن تحاول الهروب من الحياة التي تعيشها لأنك تريد أن تحيا بشكل أفضل، فتبحث عن شخص يثمن وجودك في حياته، فتتشاركان التجربة حتى النهاية.

سارة جولدفارب
عندما بدأتُ مشاهدة الفيلم، نجح دارين آرونوفسكي في أن يربطني بالأحداث منذ المشهد الأول، فمونتاج الفيلم من البداية كان مختلفـًا. بطلة الفيلم إلين بيرستين قامت بتجسيد دور صعب للغاية، يصل في درجته للرعب، فقد جعلتني السيدة "سارة جولدفارب" أتلمس أطراف أصابعي من كثرة الشعور بالألم الذي كانت تشعر به. البطلان الشابان جاريد ليتو وجينيفر كونيلي، رغم ملامحهما التي تتسم بالبراءة الشديدة إلا أنهما نجحا في القيام بدورين في شدة الصعوبة حول شخصين يريدان الثراء السريع والحصول على حياة آمنة عن طريق العالم المخدرات، فتتحول حياتهما بمرور الوقت إلى جحيم.
صديقات سارة جولدفارب

عادية القصة وعبقرية المعالجة

ربما تكون القصة في مجملها عادية جدًا، قصة حول الإدمان بشكل عام، سواء إدمان المخدرات أو إدمان الطعام أو إدمان الظهور، إلا أن المعالجة التي قام بها فريق عمل الفيلم كانت شديدة التميز، سواء على مستوى الصورة أو الحوار. فمثلًا نجد مع بداية الفيلم أن الأم "سارة جولدفارب" تتشاجر مع ابنها "هاري" والذي قام بدوره جاريد ليتو، حول التلفاز. لقد توحدت الأم بشكل ما مع عالم التلفاز، مع برامج المسابقات التي كانت ولازالت عالمـًا له خصوصيته يجذب إليه الملايين حول العالم، من أجل الشعور بالإنجاز أو النجاح في أي شيء. شخصية الأم التي لا تفعل شيئـًا في حياتها سوى تناول الطعام بشراهة، ومشاهدة التلفاز، تتحول حياتها في لحظة إلى حياة ذات هدف، والهدف في غاية البساطة أن تصبح ضيفة في إحدى حلقات برنامج المسابقات المفضل لديها. هنا، تشعر المرأة أن وحدتها تبددت، وأن زوجها الذي رحل عنها وتركها وحيدة سوف يسعد بها وهو في العالم الآخر، عندما يشاهدها جميلة ومتأنقة على شاشة التلفاز.

رسم الشخصيات

نجح المؤلف والمخرج في رسم خيوط شخصية "سارة" بدءًا من الارتباط الشديد بالتلفاز، ووزنها الزائد الذي لن يساعدها في ارتداء فستانها الأحمر الذي تحبه من أجل الظهور في البرنامج، حتى نصل لعلاقتها بصديقاتها في الحي الذي تسكن فيه، فكلهن نساء كبار في السن، لا يفعلن شيئـًا سوى الجلوس في الشارع من أجل الحصول على قسط جيد من حرارة الشمس.

حتى تنجح سارة في هدفها، وترتدي فستانها، يجب عليها أن تفقد الكثير من الوزن. المسألة تبدو تقليدية للغاية، لكن دارين أرونوفسكي جعلها غير تقليدية على الإطلاق، فنظرات سارة للثلاجة وهي تقوم بعمل نظام التخسيس القاسي كانت معبرة للغاية عن رغبتها الشديدة لفتح باب الثلاجة والعودة لسيرتها الأولى مع الطعام. القطعات السريعة والمتداخلة والتي تكررت كثيرًا لسارة وهي تحصل على حبوب التخسيس، فتحولت إلى عادة رتيبة جدًا من أجل هدف أسمى هو فقدان الوزن، جعلت الأمر مثيرًا للقلق، فرغبة سارة الجامحة في الوصول لحلمها جعلتها لا تعي ماذا تفعل، فتحولت من إدمان الطعام إلى إدمان الحبوب التي أصابتها بالهلاوس، فصارت الثلاجة بمرور الوقت وحشـًا مخيفـًا لسارة، فهلاوسها صنعت لها عالمها الموازي الذي ترنو له، لكن الهلاوس آلت بها إلى مصحة نفسية ترتدي فيها فستانـًا سماوي اللون.

"هاري" جاريد ليتو، و"ماريون" جينيفر كونلي، علاقة تبدو في ظاهرها جيدة، لكنها تحمل في طياتها الكثير من التوتر والضعف، ومحورها الذي يجلب السعادة أو الحزن، الغضب والكراهية أو الهدوء والحب، شيء واحد "المخدر". ماريون تشعر بوجودها في حضور هاري، فعلاقتها المضطربة بأسرتها جعلت هاري الملاذ الآمن بالنسبة لها. الإدمان رفع علاقتهما إلى عنان السماء ثم طرحها أرضـًا حتى رحل كلُ منهما عن الآخر. بنفس الطريقة التي تشاهد بها سارة وهي تتعامل مع حبوب التخسيس، يمكنك أن تشاهد هاري وماريون وتايرون صديق هاري، وهم يحصلون على جرعة المخدرات، لقطات سريعة جدًا وحالة من السعادة اللانهائية التي تتلاشى سريعـًا أيضـًا.

علاقات الأبطال

Requiem for a Dream
أما شكل العلاقات في الفيلم فيأخذ أكثر من صورة، فسارة تعيش مع ماضيها، وعلاقتها بزوجها المتوفي الذي أحبها في فستانها الأحمر، فتعيش طوال الوقت مع الذكريات. كذلك علاقتها مع طبيب التخسيس الذي يرى فيها مجرد آلة تتناول الحبوب من أجل الوصول للهدف المطلوب. علاقة هاري وماريون من جهة أخرى تحاول النجاة من الواقع المأزوم وخلق واقع أفضل، أما تايرون فعلاقته بوالدته تتعلق دومـًا بصورته عنها، ورغبتها في أن تراه شخصـًا جيدًا، وعلاقته بحبيبته لا تظهر سوى في مشهد واحد، ثم تختفي بعد ذلك في دلالة توضح عدم ثبات هذه العلاقة أو انهيارها.

التصوير

اللقطات المقربة جدًا، Extreme close shots، والتي تعاملت مع أجزاء معينة من جسد الممثل مثل الأعين أو الشفتين، جعلت المشاهد يقترب أكثر من الممثل في المشهد، كما أنه -المشاهد- شعر بمدى ارتباط الممثل في هذه اللقطة بالشيء الذي يتعامل معه. استخدم ارونوفسكي كاميرا الــGopro في تصوير عدد من المشاهد مع أبطال الفيلم، حيث التصقت الكاميرا بالممثل طوال المشهد وهذا يمكن أن نراه بوضوح في مشهد لماريون بعد خروجها من منزل الرجل الذي ضاجعها من أجل أن تحصل على المال، فتشعر أن الكاميرا توحدت معها، ويشعر المشاهد بشيء غير جيد أثناء المشهد، وهذا هو التأثير المرغوب في كل المشاهد التي كانت في الفيلم، فاستخدام كاميرا الـGo-pro كان دائمــًا يرتبط مع الأبطال بالهروب من شيء أو الشعور بشيء فادح يرغبون التخلص منه، وكذلك يضيف هذا الأسلوب في التصوير هذا الشعور في التوحد مع الذات رغم تغير المكان.

المونتاج

قطعات المونتاج السريعة للقطات الفيلم تبدو غريبة في البداية، لكنك بمرور الوقت تعتادها، وربما تستمتع بها، فاللاتقليدية التي اتبعها أرونوفسكي في قطعات المونتاج طوال الفيلم، واستخدامه لتقسيم الفيلم حسب فصول السنة الأربعة وذلك في دلالة على مسح ما سبق وبدء فصل جديد تمامـًا رغم تراكميته مع الأحداث السابقة. نجح أرونوفسكي في تقسيم الشاشة إلى شاشتين "Split screen" منذ اللقطة الأولى للفيلم مما زاد تركيز المشاهد وربطه بالفيلم.

موسيقى الفيلم

يتجلى خلال الفيلم دور الموسيقى في المواقف الأصعب التي يمر بها الأبطال، فكلما تدهورت حيواتهم كلما خطفت الموسيقى قلوبنا فنستمع إلى المقطوعة الأشهر في الفيلم والمعروفة باسم Lux Aeterna أو Eternal light. الموسيقى الملحمية للعمل من تأليف كلينت مانسل والذي قدم موسيقى الفيلم الأول لأرونوفسكي Pi، وقد أصبحت هذه المقطوعة عملًا كلاسيكيـًا يلهم الكثير من صناع الدراما والسينما والبرامج لاستخدامه في الأعمال.

خلود سينمائي

رغم عمر الفيلم الذي لا يتخطى الستة عشر عامـًا إلا أنه صار عملًا خالدًا في أرشيف السينما العالمية، وسيظل واحدًا من أهم الأعمال التي قدمت في الألفية الجديدة، فالفيلم في ظني هو نقلة نوعية في التعامل مع الصورة السينمائية، فأرونوفسكي خلد بهذا الفيلم اسمه في تاريخ السينما وإن كان قد توقف عن صناعة أي شيء بعدها لكان كافيـًا.

الأوسكار ليس معيارًا للجودة

هذا الفيلم دليل واضح على عدم اعتماد الأوسكار كجائزة تعبر عن جودة العمل الفني، فقد رُشح الفيلم لجائزة أوسكار واحدة، عن طريق بطلة الفيلم إلين برستين والتي كانت تستحق الأوسكار ذلك العام، إلا أن الأوسكار ذهب لـجوليا روبرت عام 2001، كذلك فالعمل كان يستحق على الأقل أوسكار آخر في التصوير والمونتاج لكن ذلك لم يحدث حتى ولو على مستوى الترشح للجائزة.


وصلات



تعليقات