"لفّ ودوران".. أحمد حلمي يعود إلى منطقته اﻵمنة

  • نقد
  • 12:02 مساءً - 16 سبتمبر 2016
  • 1 صورة



لف ودوران

في بعض اﻷلعاب الجماعية التي تتطلب البحث عن غرض ما، يتم الإشارة إلى الاقتراب من الهدف بكلمات على مقياس يسير بين حدّي البرودة والسخونة، فعند الاقتراب تسمع: "دافيء، أكثر دفئًا، شديد السخونة"، وعند الابتعاد ستسمع: "بارد، شديد البرودة، جو قارص".

أعتقد بظني المتواضع أن الفنان أحمد حلمي كان في أمسّ الحاجة لهذه الفترة من الانقطاع التي دامت لقرابة العامين قبل عودته بفيلمه الجديد "لفّ ودوران" في سبيل إعادة الحسابات ﻷنه كان يشعر في قرارة نفسه أنه قد بات قابعًا في الركن البارد ويحاول العودة مجددًا للركن الدافيء خاصة بعد الاستقبال الفاتر لفيلمه السابق "صنع في مصر" وعدم حصده لنفس اﻷرقام التي حصدتها أفلامه السابقة، ربما شعر أن فكرة الفيلم لم تلقى الصدى الذي كان يتوقعه، لذا قرر العودة من جديد إلى المربع رقم واحد، والبحث عما أحبه الجمهور في أفلامه اﻷولى في سبيل العودة إلى منطقته اﻵمنة.

كنت أعتقد أن أحمد حلمي، قد تجاوز كثيرًا مرحلة كوميديا الشخص اﻷخرق Clumsy Person، ,التي تعتمد في اﻹضحاك على السقوط أو التعثر أو إسقاط الأشياء، فهذه المرة لا يعود إليها فقط بشكل مكثّف، بل يؤكد عليها لفظيًا حينما يطلق عليه جميع أفراد أسرته اسم "أوبا" من فرط سقوطه وتعثره طوال الوقت، ولكن ﻷنها تؤتي أُكلها مباشرة مع عدد كبير من مشاهدي أحمد حلمي، فلا بأس من عودتها من جديد، مع أن مزيج الكوميديا اللفظية وكوميديا الموقف كانا كفيلان وحدهما بحمل عبء الكوميديا في الفيلم.

عودة "حلمي" لمنطقته الدافئة اﻵمنة لا تقتصر فقط على نوعية الكوميديا التي يهوى تقديمها، بل تمتد كذلك إلى نوعية القصص التي تتناسب طرديًا من وجهة نظره مع ما يحب جمهوره أن يراه منه، ويتسق تمامًا مع النمط الذهني الثابت الذي لا يحاول زحزحته يمينًا أو يسارًا، وإلا سيكون مصيره اﻹحجام من الجمهور، ويبدو أن المسألة لا تعدو مجرد كتالوج ثابت يجب أن يسير عليه كل من يكتب لـ"حلمي" حتى لو كان يكتب له للمرة اﻷولى مثل منة فوزي في هذا الفيلم.

أنا لا أقول بالطبع إن إرضاء الجمهور أمر معيب في حد ذاته، لكن في الوقت ذاته لا يجب أن يتحول الخوف من عدم إرضاء الجمهور إلى هاجس مانع للفنان من تقديم الجديد، ﻷن هذه المشكلة تفجر مع الوقت مشكلة ثنائية القطب وهي؛ الحفاظ على نفس الدرجة من التلقي والتفاعل من المشاهدين من جهة، وثبات وقولبة النجم في الخانة التي يريد الجمهور أن يراه عليها من جهة آخرى.

هذه القولبة تتجلى على نحو مباشر -كعادة السينما المصرية التي لا تمل منها- في تقديم شخصية "حلمي" (أو نور قباني) للمشاهد من خلال سلسلة مجمعة من التعليقات الصوتية التي لا تعمل فقط على تعريف المشاهد به بطريقة دسّ الملعقة في فمّ المشاهد، بل تعمل كذلك على تلميعه وترسيخ صورته بعمله وأسلوب حياته المُترف، بحيث لا يعدو سوى مجرد تنويعة آخرى على نفس الشخصيات (أو الشخصية الواحدة) التي قدمها "حلمي" في سائر اﻷفلام السابقة، وهذه المقدمة لوحدها تشبه وضع مائة خط تحت ما يرغب "حلمي" في توصيله.

لن أنكر القول إن الجرعة الكوميدية التي يضخها الفيلم كانت جرعة ممتعة وخفيفة الظل، فهى كذلك بالفعل، لكن فقط في حالة إذا نظرت إليها مع التجاوز التام لمنطقية الحكاية التي يقوم عليها الفيلم بأسره، ناهيك عن نيل الجميع نصيبه من تقديم اﻹفيهات وعدم انفراد "حلمي" وحده بهذه المهمة.

أما إذا وضعت في ذهنك الحكاية بتفاصيلها، فلن تشعر بالراحة خلال المشاهدة وحتى وأنت تضحك من قلبك، ولن تستطيع مطولًا أن تتجاهل تمامًا عامل التعجل الشديد في الانتهاء من الفيلم قبل عرضه في عيد اﻷضحى، لتجد نفسك تفكر في العديد من اﻷسئلة التي تضرب الحكاية في مقتل وتميتها في مهدها مثل؛ من أين حصلت عائلة نور بهذه السهولة على تلك المجلة اﻹباحية الخاصة بالمثليين بالضبط؟، ناهيك عن دسّها له ﻹثنائه عن ميرلا اﻹيطالية؟ وهل هناك فندق في مصر يقبل بتواجد نزلاء لديه دون بطاقات أو قسيمة زواج ودون حتى معرفة وجوههم، خاصة مع تواجد مدير العلاقات العامة بنفسه في استقبالهم؟ ما سر هذا التهافت الغريب من نور على السفر لشرم الشيخ مجانًا بالرغم من رفاهية مستوى معيشته؟ وما سر هذا الارتياب من كل ما هو غير مصري؟

أحمد حلمي -مع اﻷسف- قد بات مثل الكثيرين من ممثلي الشخصية الواحدة الذين ستجدهم كثيرًا في أفلام اﻷربعينيات والخمسينيات -على غرار عبدالسلام النابلسي مثلًا-، والذين يكرّسون كامل طاقتهم لتأدية شخصية واحدة يتناقلونها بكافة تفاصيلها من فيلم لفيلم دون تغيير، ويبدو أنه سيقبع في منطقته اﻵمنة طويلًا.



تعليقات