بين رحى الإعلام والطائفية.. لبنان "كتير كبير"

  • نقد
  • 07:50 مساءً - 14 اكتوبر 2016
  • 1 صورة



لبنان كتير كبير

لبيروت، القطعة الصغيرة من كوكب الأرض، والتي ترق القلوب لذكرها، تتبسّم الثغور لسماع اسمها، وتهوى الروح بسماع جارة القمر ، تشدو من قلبها سلامًا لها.. لبيروت.

بيروت، التي لم تعرف يوما سلامًا في وطنٍ قام على الطائفية والتفرقة بين أبنائه بناءً على توجهاتهم الدينية، ولعل الشاهد الأكبر على ذلك الحرب اللبنانية في العام 1975، والتي استمرت إلى 1989، وحصدت أرواح الآلاف من الشهداء في بلدٍ لم يتجاوز عدد سكانه 5 ملايين شخص مقسّمين إلى عشرات الطوائف المتناحرة فيما بينها، فلبنان منذ أن وُُجدت على الخريطة، هي دولة قامت على أساس التصنيف المذهبي والعقائدي بين المواطنين، ولم تذُق سلامًا منذ وجودها، إلا بصوت فيروز .

استطاعت السينما اللبنانية بمنتهى الواقعية الساخرة تجسيد تلك المأساة التي يعيشها بلد حارب نفسه لمدة 16 عام وخلّف على إثر ذلك، 150 ألف قتيل وشرّد ما يزيد عن 2 مليون إنسان فوق أرضه. استعرضت السينما اللبنانية هذا الواقع المؤلم من خلال العديد من الأفلام، جديرًا بنا استعراض آخرها، والذي لاقى احتفاءً جماهيريًا كبيرًا من الجمهور وكذلك صُناع السينما.

فيلم كتير كبير، يُمثّل الإثارة بكل ما لها من معنى، في بساطة الطرح، والحبكة الدرامية المتكاملة فنيًا، كوميدي ساخر وممتع ومسلي ومشوق، هكذا يُمكن أن نصف الفيلم، الذي تحوّل من مجرد فيلم قصير كأحد مشاريع التخرّج لطالب موهوب، يُدعى ميرجان بو شعيبا، إلى فيلم طويل يكتسح دور العرض العربيّة ويُنافس بشدّة على الصعود للأوسكار كممثلٍ عن لبنان في فرع الفيلم الأجنبي، ويحصد العديد من الجوائز السينمائية للمخرج الذي حصل على جائزة أحسن مخرج من مهرجان طنجة، وكذلك مهرجان بكين، والبطل وشريك كتابة السيناريو آلان سعادة، والذي حصد جائزة أفضل ممثل عربي من مهرجان وهران.

يتناول الفيلم قصّة تاجر المخدرات الذي يقتحم مجال السينما عن طريق صديقه المخرج ليتمكّن من تهريب المخدرات بسهولة، وفي تلك الرحلة كثيرًا من الكوميديا السوداء .

اللعب الكبير لفيلم كتير كبير

تاجر مخدرات يستولي على شحنة مخدرات من تاجر أكبر وهو (أبوعلي)، ويحاول تهريبها عن طريق المطار إلى مدينة أربيل الكردية، فيعلم من صديقه المخرج أن أقراص الأفلام السينمائية غير خاضعة للتفتيش من قبل السلطات في المطار ، فيطلب من صديقه (شربل)، فؤاد يامن، إخراج فيلم سينمائي، ومن خلاله يستطيع تهريب المخدرات دون تفتيش من الأمن العام .

الإثارة والأكشن

تتصاعد وتيرة الأحداث في الفيلم، ويحاول (زياد)، الترويج لفيلمه إعلاميًا، عن طريق افتعال انفجار بالقرب من مكان التصوير، والذي يبرره (زياد) إعلاميًا كوسيلة إجهاض لتجربة سينمائية تحاول مناقشة قصة شابة مسلمة تتزوج من مسيحي وتعاني من اضطهاد المجتمع لها، وبذلك ينتشر الفيلم ومنتجه إعلاميًا ويحظى باهتمام من الأمن، بل ويتم إخراج أقراص الفيلم المعبئة بالمخدرات تحت عيون الأمن العام، دون الاقتراب منها، وبذلك ينجح (زياد) في المُخطط الذي رسمه لتهريب المخدرات.

مفاجأة الخاتمة

قد تكون الخاتمة لأحداث الفيلم هي المشهد الأكثر إثارة ورعبًا في ذات الوقت، فبعد انتقال (زياد) من عالم المخدرات ليتوارى خلف شاشات السينما بتجارته المشبوهة، ها هو يغيّر جلده للمرة الثالثة، ويتحوّل إلى سياسي يتصدر الشاشات متشدّقاً بما نعرفه على ألسنة السياسيين، في طلّة جديدة كأنّه أصبح شخصاً آخر.

يضعنا "بوشعيبا" أمام عمل متكامل الحبكة الدرامية والفنية، ويضع المجتمع اللبناني بشكل خاص أمام مرآة لتعرية كل ما لا نراه عبر شاشات الإعلام والذي يوظّف كل جهوده لتوظيف الرأي العام حيث يشاء النظام السياسي، والذي يختلف في لبنان عمّا دونه من البلدان، حيث التقسيم الطائفي حجر بناء الدولة اللبنانية التي لم تستطع بعد الخروج من مستنقع الطائفية.




تعليقات