"Fantastic Beasts".. لماذا لا يتعدى كونه فيلمًا جيدًا؟

  • نقد
  • 01:16 مساءً - 18 ديسمبر 2016
  • 1 صورة



Fantastic Beasts and Where to Find Them

عادةً ما تُري أفلام الـblockbuster (الأفلام ذات الميزانيّات الضخمة) بأعين تحليلية مختلفة، سواء من قبل الجمهور الذي ينتظر هذه الأفلام وكله ترقب، أو من قبل النقاد. المهتمون بصناعة السينما يعلمون جيدًا أن هذه الفئة من الأفلام تصبح موضع حديث واهتمام الناس لدى صدورها في دور العرض، فلم يعد المُتلقّي -كما كان في الماضي- ينبهر بكل صغيرة وكبيرة، ولم يعد من السهل خداعه، وأصبح إرضائه من الأساسيات التي يضعها المُخرج صوب عينيه عند الشروع في تنفيذ أي عمل ضخم جديد.

شركات إنتاج هذه الأفلام تتفنن في وضع إستراتيجيات للوصول للشكل الأمثل لطبختها، وتحاول قدر الإمكان الوصول بالعمل إلى درجة يتفق عليها الجميع، والخروج بأقل قدر من الانتقادات والخسائر، وقد تُرغم المخرجين على التغيير في منعطفات بالقصة، أو النهاية، أو وضع شيء إضافي لا يحتمله العمل تمهيدًا للقادم، كل هذا بدوره يؤثر علي عكس رؤية المخرج الكاملة في الفيلم، فهذه سلعة تجارية في الأساس، ولا يجب أن تُري بمنظور "ما ينتظره الجمهور منها"، أكثر من "ما يُمكن أن تصبح عليه حقيقةً"، تلك المقولة ترسخت في ذهني أكثر من أيّ وقت آخر بعد مشاهدتي للفيلم، الذي كان ضمن قائمتي لأكثر عشرة أفلام مُنتظرة في العام "Fantastic Beasts and Where to Find Them".

حالة المُبالغة في محاولة تقديم عمل جيد ومتماسك، التي حظى بها الفيلم من قِبل صناعه، لم تكن فقط لإرضاء هؤلاء المولعين بعالم "هاري بوتر"، لكن أيضًا لأنها بداية مُستقلة لسلسلة أفلام -خمسة أفلام- قد تكون مرهونة بشكل كبير بنجاح وقوة ودرجة استقبال فيلمها الأول.

ما الذي يمكن انتظاره من فيلم خرج -بشكل أو بآخر- من رحم ثاني أنجح سلسلة أفلام في تاريخ السينما؟ (بعد أفلام مارفل مُجتمعة)، بالتأكيد هذا يتوقف على درجة اتصال المُشاهد بأفلام هذا العالم، لكن ما أعنيه هو النظرة (الفنية/المادية) الواقعية المُنصفة للموضوع. هناك الكثير ليُقال عن علاقة هذا الفيلم بأفلام "هاري بوتر"، سواء من ناحية الشكل أو على صعيد الأحداث التي قُدمت، لكنني هنا أريد التحدث عن الفيلم من مُنطلق أنني لستُ من ضمن هؤلاء الهوّاة المُخلصين لهذه السلسلة، سأتحدث بعين مُشاهد يحب الأفلام ويستمتع بمشاهدتها.

الفيلم به فجوات عديدة على أكثر من مستوى، ولم يخلُ -هو الآخر- من السلبيات التي تقع بها أغلبية الأفلام الحديثة، وكان يمكن أن يكون أكثر تماسكًا وأقل عيوبًا من النتيجة النهائية التي خرج بها، تلك السلبيات التي هي على النقيض تمامًا من شكل الإعلانات الدعائية، والتي تظن لوهلة حينها أنه سيغدو فيلمًا متماسكًا، بل وعظيمًا ربما؟ لكن أحيانًا تكون هذه اﻹعلانات خادعة.

بدايةً، وقبل الاستعراض في تفاصيل السلبيات، الفيلم مقتبس عن كتاب أحداثه تدور في عالم "هاري بوتر" السحري، لكن بسيناريو أصلي، ليس كما في أفلام "هاري بوتر" حيث كل جزء مُقتبس عن كتاب بعينه، أي أن لا أحد يعلم كيف ستكون مصير أحداث تلك السلسلة، وما هي المنعطفات التي يمكن أن تسلكها في شخصيات عالم هاري السابق.

جاء الانتقال من حدث درامي للآخر علي صَعيديّ البناء السردي وتناغم الفصول المتتابعة ركيكًا وغير مُقنعًا، ليس في تقمص الشخصيات لأدوارهم، لكن في منطقية المتواليات، خصوصًا في النصف الثاني من الفيلم، فمثلًا الدافع الدرامي للشخصيات الذي ننتقل به من مشهد لما يليه ولما بعده جاء غاية في الكليشيه، بحيث إذا كنت ممن يتابعون الكثير من الأفلام يمكنك بسهولة أن تتوقع ما سوف يؤول إليه الحدث منذ بداية الفيلم حتى الوصول للساعة ونصف من أحداثه، نمطيّ ومتكرر للغاية، باﻹضافة إلى أن التوازن المفقود كان ملحوظًا، وقلل من اندماجي في مغامرة القصة، وتورّطي مع الشخصيات البطلة.

القصة غَلُبَ عليها الطابع الكوميدي، رسالة قوية أليست كذلك؟ نحن هنا لنستمتع ليس إلا، لننسي عالمنا قليلًا ولنقضي وقتًا ممتعًا، لكن المشكلة هي أننا أصبحنا نريد الجديد، نريد شيئًا لم نراه مسبقًا، شيئًا لم يحدث في فيلم قد شاهدناه من قبل، بداية جديدة لعهدٍ جديد، كما قيل في الإعلان الدعائي للفيلم، لا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنة أفلام "هاري بوتر" الثمانية بهذه السلسلة، أو على الأقل هذا الجزء، ونقطة من نقاط التفضيل الشخصي تصب في المنهج الجاد ذو الدراما المتوترة والبعد عن الكوميديا الذي اتبعته أفلام "هاري بوتر".

المخلوقات المذهلة -وهي عنوان الفيلم في الأساس- كانت مُتباينة الجودة، فمنها ما هو جيد جدًا على صعيد دقة التنفيذ والمشاعر التي تُخرجها، ومنها ما كان عاديًا، كأي مما رأيت قبلًا، استخدام الـCGI -المشاهد الحاسوبية- كان مقبولًا في الفيلم بشكل عام، لكن وبشكل خاص، آخر 20 دقيقة من الفيلم كان بديعًا وتوظيفه لخدمة القصة جاء غاية في الإمتاع، خصوصًا إذا شوهد على الشاشة العملاقة بتقنية "الآيماكس".

هناك ثلاثة أشياء بالتحديد ساعدوا في جعل الفيلم يقف على قدميه وسط العديد من الفجوات؛ أولًا، شخصية "جاكوب كوالسكي" التي جسدها الممثل الأمريكي المُبهج دان فوجلر، والتي في اعتقادي كانت هي محور الفيلم، أداؤه كان ممتازًا، ملامح وجهه البريئة ساعدته في أن يتعاطف معه المُشاهِد، بالإضافة لجُرعة لا يُستهان بها من كوميديا المواقف على طول مدة الفيلم. يقول "محمود مهدي" مُقدّم برنامج "فيلم جامد" في مراجعته للفيلم: شخصية "كوالسكي خطفت أجواء الفيلم بالكامل تقريبًا، وهي شخصية متوقع ظهورها في فيلم كهذا، فمن خلاله نفهم الأحداث عندما يُفسّر له ماذا يجري، فهو يكتشف ويندهش ويتفاعل، لذا فهي بمثابة سفيرنا في الأحداث.. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فأُضيف للشخصية أبعاد جديدة، بتورطه في خط درامي/رومانسي بينه وبين "كويني". وأداء "فوجلر" في تجسيد الشخصية أضاف لها حضورًا، وأضاف للكوميديا فاعلية، وأضاف للعلاقة الرومانسية براءة وسحر لم يكن متوقع.

ثانيًا، الموسيقى الملحمية الرائعة من الخبير جيمس نيوتن هاورد، فهي ليست مجرد عامل مساعد في الفيلم، بل يمكن القول إنها عماد أساسي من الأعمدة التي يرتكز عليها بكل ثقله، أتذكر مثلًا قول أحدهم: "موسيقى الفيلم التصويرية وحدها سبب لدخول الفيلم!". ثالثًا، المشهد الختامي، هذا المشهد نموذج رائع لذلك الفيلم الذي عندما ينتهي نقول في أنفسنا: "ليت كل الفيلم كان بنفس روعة آخر 20 دقيقة منه، بنفس الروعة، وبنفس الإيقاع السريع، المعركة الجامحة المُحتدمة، ماذا بعد؟ بنفس الصخب، بنفس قوة التمثيل أيضًا".

كما علمتنا الكثير من الأفلام، ربما ليس من المفترض أن نحكم على هذا الفيلم في الأصل، وأن الرؤية الكاملة لن تُري إلا عند اكتمال الأحجية ومشاهدة السلسلة كاملة، أنه ليس إلا بناء للأجزاء القادمة، مجرد الهدوء قبل العاصفة. في الواقع الفيلم ليس سيئًا على الإطلاق، وإن كنت من عشاق "هاري بوتر" المخلصين، حتمًا لن تهتم البتّة بآراء من حولك، لن تُبالي مطلقًا بهذه الكلمات التي قد تبدو سخيفة لك، ربما لن يهمك سوى رؤية أي شيء جديد لذلك العالم السحري الزخم، وتعلم تمام العلم أنه لا سبيل أن يأتي فيلمًا بروعة تُضاهي أفلام "هاري بوتر"، وسترضى عيناك بأيّ شيء تراه على الشاشة، ربما وربما لا، لكن بما أنني لا أنتمي لهذه الفئة، وأنني أيضًا من الفئة صعبة الإرضاء، أعتقد أنني سأقول بنَفسٍ راضية إذا سألني أحدهم عن رأيي بالفيلم أكان رائعًا أم لا؟: لا.. بالتأكيد لم يكن رائعًا، لكنّي كنت سأراه على أية حال!



تعليقات